في مستهل عام 2020 بدأت تتوقف الحياة جزئيا في كل أنحاء الكون ،البداية من مدينة (ووهان) في الصين والنهاية في ( 192 )دولة أصابها وباء (كورونا ) حتى ألان ،من منتصف فبراير وحتى اليوم حوالي ( 115 )يوماً من تاريخ ظهور الفيروس في بلادنا ،أصاب المصريين وخصوصا الذين لا يعملون في الجهاز الطبي أو الشرطي أو القوات المسلحة،
الإحساس بالخروج على المعاش المبكر الإجباري،فوجب عليهم التزام المنازل وعدم الخروج إلا في حال الضرورة ،خوفا من إصابتهم بالوباء، فلقد علقت أعمال السياحة والفنادق والأعمال الحرفية ووسائل الترفيه ،وعملت أغلب المصالح الحكومية والخاصة بقوى عددية لا تتجاوز 25 % .
هنا تبدأ القصة التي لا يزال الناس يعيشونها بكل تفاصيلها وهي البقاء في المنازل ،بكل تفاصيل هذا البقاء الإجباري غير المرغوب فيه .
مشاهد يومية مكرره مع (كورونا ).المشهد الأول
في أول أيام الحجر المنزلي الإجباري ،وعلى الرغم من وجودك مع الأسرة كاملة ،إلا أن الساعات لا تمر والملل تسرب إلي اغلبنا بعد ثلاثة أيام .
المشهد الثاني :
بعدها يبدأ الروتين اليومي هو ،النوم في أي وقت،والاستيقاظ في أي وقت ،الأيام المتشابهة ،ففي هذا الزمان لا فرق بين الخميس والجمعة، والليل والنهار،ورمضان وشعبان، والأعياد والموسم،والأجازات والعمل ،كل الأيام والأفعال نسخة واحدة لا تختلف كرهنا كلمة أجازة ونسيا الارتباط بالعمل .
هنا أصبحنا متفرغين لمشاكل البيت ،نرصد كل صغيرة وكبيرة في المنزل ،خناقة بين الأولاد ،وصياح معتاد من المدام ،مكالمات هاتفية مع بعض الأصدقاء في أوقات مختلفة ومتقطعة لقتل الوقت وتغيير المناخ ،حديث ثابت لا يخرج عن أحداث (كورونا ) عرفت مين أصيب ،ومين مات ،ومين عزل في المستشفي، ومين في البيت ،أسعار الكمامات كام ، وأين تجد القفازات الرخيصة ،والفيس شيلد من فين ، ناهيك عن ملايين الفيديوهات عن طرق لبس الكمامة والقفازات وطرق خلعها وطريقة غسل اليدين بشكل علمي ، شفت عدد الإصابات ، شفت عمرو أديب قال أيه ،ووائل الإبراشي جاب مين،وأحمد موسي أتكلم في أيه ، وفي النص كده نتطرق إلى فرح أخت محمد رمضان،والهرم الرابع ومنة عبد العزيز المغتصبة على تطبيق ( التيك توك) ومودة الأدهم وسما المصري ،
ثم ننطلق إلى حديث مختلف وهو ، فيه برتوكول جديد للعلاج ،شوفت فيديو ملخص كورونا في 3خمسات التعرف على الإصابة والوقاية والعلاج ،شفت المؤامرة بتاع الصين على أمريكا والعالم ،سمعت أخطر فيديو في العالم علماء فرنسا هما إل حقنوا خفاش بالفيروس والخفاش هرب والراجل ذبحه وأكله ،والفيروس انتشر بعدها ، ترامب يعلن عن مصل خلال شهرين ،علاج صيني للكورونا يشفي بنسبة 99% ،خناقات بين منظمة الصحة وأمريكا والصين،إشاعات عن علماء حول الفيروس ،أكثر من سبعين مليون فيديو ومادة عن (كورونا ) وحقيقة الفيروس التي لم نعرفها حتى ألان ،ثم نتطرق إلى والوفيات والإصابات والمقارنات ،حقائق علمية عن الفيروس اليوم تصبح أكاذيب غدا على هذا المنوال لمدة أربع شهور عمر كورونا معنا .
المشهد الثالث :
كل يوم نفس الروتين ونفس الكلام ،حديث مكرر وأخبار تدور عن الموت والخراب والدمار ،أقل ما يوصف به عام 2020 هو عام الرعب والحزن والفراق .
المشهد الرابع :
الخروج إلي الشارع لقضاء مصلحة أو عمل مهم ،يتطلب كمامة وقفازات ووقت محسوب لا يتجاوز وقت انجاز المصلحة التي خرجت من أجلها ،إذ كنت تملك سيارة لا تسيطيع حتى التوقف بها أمام النيل لان هذا الأمر قد يعرضك لخطر الإصابة ، ممنوع أثناء الخروج شرب أي مشروبات في الخارج وهو أمر غير متوفر نظرا لإغلاق المقاهي .
المشهد الخامس :
أصبحنا نحفظ المنزل بكل تفاصيله ،المطبخ الذي كنت لا تعرف شكله ،أصبحت اليوم ملماً بكل ما فيه ،الأكواب والتوابل والخضار وكل شبر في المطبخ ،تتأمل البوتاجاز ليلاً ،وتعرف ما بداخل الثلاجة بالكمية والعدد ،كل الأطباق والأكواب الموجودة في النيش والتي وقعت عليها قبل عشرات السنيين عند الزواج أصبحت تعرفها اليوم جيدا ،اللمبات والنجف والكتب والكارنيهات القديمة الصور كل ما تحتفظ به خرج إلى النور لكي تطالعه ليل نهار ،عرفت أخلاق أبنائك ،ولأول مرة تلتمس العذر لزوجتك التي أصابها الجنان المبكر من أفعال أبنائك ،فأنت اليوم في أول طريق الجنان،تكون في قمة السعادة عندما تطلب منك زوجتك شراء متطلبات المنزل ،تتعمد أن تنسى بعض الأشياء حتى تعود للشارع مرة أخري،العيش ظارج في الفطار والغداء والعشاء ،تتفنن في التسوق وأصبحت معروف في السوبر ماركت وعند بتاع الخضار والفكهاني .
وفي أثناء اليوم تجلس ساعات أمام الصور والذكريات القديمة وتحكي للأولاد عن ذكريات التجمع والأفراح والمؤتمرات وكأنها من ألاف السنيين .
المشهد السادس :
وأخير نجمل أحداث الشهور الأربعة التي عشنها مع (كورونا )ونقول ، اندثر من حياتنا ناس كنير جدا ،كنا نتعامل معهم نسينا حتى شكلهم ، منهم القهوجي والمكوجي وبتاع الفول والمطعم أل كنا بنتعشى فيه يوم الخميس والنادي وملعب الكرة ،والأصدقاء ،أهل المنطقة الذين يصلون معنا في المسجد ،حتى العزاء حرمنا منه ،الذهاب إلى البلد ومقابلة الناس الطبيين .
فنحن يا سادة ،نعيش وضع مأساوي بكل تفاصيله ،أيام لم تمر علينا طوال حياتنا ولم تمر على أبائنا وأجدادنا ، حتى أن مرض الطاعون وغيره في الماضي لم يخلف تلك الخسائر و لم يكن بتلك الفظاعة والغلطة ،ان ما نعيش فيه يشبه عقابا شديدا من الله .
المشهد السابع :
أجلنا كل ما نحلم به ،أجندة مشروعات المستقبل تبدلت وتغيرت ،كل الارتباطات الحالية حلت والقادمة حذفت من الأجندة ،وأصبحنا نبحث جميعا عن الوقاية والعلاج عند الإصابة ،والنجاة من الموت الذي أصبح شبحا يطارد الجميع ،فأول مرة نحس أن الموت اقرب ألينا من شراك نعلنا ،رائحة الموت تفوح في المجتمع كله ،حتى أن الإفراج أجلت ،والمناسبات انتهت ،والمساجد أغلقت والتباعد حل بنا .
المشهد الثامن :
أن تلك المأساة التي تعيشها البشرية بكل تفاصيلها تؤكد لنا أننا ضللنا الطريق فلا هادي لنا وأصبحنا نتخبط في معامي الأرض ،فالليل مثل النهار والأيام تنطوي على مآسي لا يعلم نهايتها إلا الله ،ولا تنفك إلا من مدبر الأمور هو الله عز وجل .
المشهد الأخير :
إذ أطاحت بنا (الكورونا ) من الحياة ،فلقد أدركنا أن الله قادر على كل شيء وهو مدبر الأمور ، وإذا انتهت الكورونا ونحن على قيد الحياة فهو درسا مكتمل العظات والعبر من الله للناس ،لعلهم يرجعون عن غيهم وظلمهم وطغيانهم ،واعتقد أن المتكبرون لا يتعظون مهما حلت بهم النوائب ونزلت بهم المصائب ولعل فرعون لم يؤمن إلا عندما أدركه الموت .
إلى مشاهد أخرى أن شاء عقب انتهاء الجائحة أن كان في العمر بقية .