آراء

المستشار ياسر عطية يكتب: التقاضي عن بعد خلال أزمة كورونا.. تجربة ناجحة يجب استمرارها

الأزمة الإدارية مشكلة غير متوقعة قد تؤدي إلى كارثة إن لم يتم حلها بصورة سريعة خاصة مع تغير الأمور في ظل جائحة كورونا.

وقد تكون أسباب الأزمة مرتبطة بالعنصر البشري أو خارجة عنه  ومن هذه الأسباب التي  لا ترتبط أساسا بالعنصر البشري الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والبراكين وغيرها من الكوارث  الأوبئة التي يصعب التكهن بها والتحكم في أبعادها.

ويعد  التنبؤ الوقائي  متطلب أساسي في عملية إدارة الأزمات من خلال إدارة سبّاقة وهي الإدارة المعتمدة على الفكر التنبؤي الإنذاري لتفادي حدوث الأزمة مبكراً عن طريق صياغة منظومة وقائية مقبولة تعتمد على المبادأة والابتكار وتدريب العاملين عليها. 

وأعتقد أن  أحد أساليب التنيؤ الوقائي هو جاهزية  الدولة سواء بالبنية  التحتتية القوية  الحديثة في كافة  القطاعات  أو بكفاءة العنصر البشري كي تكون  بعون الله قادرة على إدارة ما قد يطرأ من أزمات من  خلال  توافر مقومات النجاح لديها  لإجتيازها 

وأحد  أهم  مظاهر البنية التحتية في دول العالم المتقدم البنية التحتية الافتراضية ( السحابية )  الآمنة التي  تعد  من أهم  قوام  الحكومة الإلكترونية .

وقد ظهر مدى الحاجة للحكومة الإلكترونية خلال الأزمات ومنها ما يمر به العالم من انتشار فيروس فيروس كورونا المستجد «كوفيد – 19»  ومحاولة الحد من انتشاره عن طريق منع التجمعات والاحتكاك المباشر ما بين المواطنين أي ما كان مبررها وقد نجحت الدول التي تستخدم  الحكومة الإلكترونية في تحقيق ذلك بشكل كبير بتسيير المرافق العامة عن بعد باستخدام شبكة الاتصالات المتاحة لديها 

ويعد التقاضي عن بعد أحد تطبيقات الحكومة الإلكترونية وهو  يقوم على ركزتين أساسيتين:

الأولى  : وجود  شبكة تقنية معلومات تسمح  بإستخدام التطبيقات التى سوف يتم إستخدامها  في التقاضي عن بعد من خلال إدارة القضايا  وكذلك وجود موظفين يجيدون إستعمال ها بالإضافة لثقافة المجتمع بشكل عام في التعامل مع تلك الوسائل. 

ثانياً : وجود تشريعات تسمح  بالتقاضي عن بعد بداءة من قيد الدعوى وإجراءات  الحضور  وإيداع المذكرات وإيداع الأحكام  والطعن على الأحكام وتنفيذها .

و القضاء عن بعد  هو أحد صور الحكومة الإلكترونية  التي تسعى  الدولة جاهدة لتعميمها   

ونجحت دولة الإمارات العربية المتحدة  إلى حد كبير في تطبيق  النظام عبر دائرة القضاء المحلي  بإمارة أبوظبي لتصير الأزمة نقطة إنطلاق لمزيد من النجاحات من خلال إستغلال الأمكانات المتاحة وتوظيفها في إجتيازها .   

ولم يجر تطبيقه  بالدائرة  لأول مرة وبشكل مفاجىء  خلال  أزمة كورونا  المستحدثة لكن سبق تطبيقه بشكل جزئي من قبل   من خلال إستحداث  ربط مابين  إدارة القضايا بالدائرة ومكاتب المحامين برابط خاص  كل على حدة وبشكل آمن يمكن من خلاله قيد القضايا   ( المدنية _- التجارية – الأحوال الشخصية – التركات )   من خلال أرسال صحف  الدعاوى وفق النموذج المعد لها مع المستندات   المؤيدة لها.

ويتم مراجعة  الأوراق من  الموظف المختص  وإستيفائها  أو الموافقة على قيدها ثم  سداد الرسوم  عبر الحسابات المخصصة وتحديد   جلسة لنظر ها وكذلك من خلال  بعد المراكز المصرح لها بذلك،

وتستمر متابعة القضايا أيضاً وكذا تقديم الطلبات و الطعون إلا أن الحضور  و النطق بالأحكام  كان يتم من خلال الحضور الشخصي بالقاعات .

إلا أنه وخلال أزمة كورونا تم تطبيق النظام بشكل كامل  بداية من قيدها  وأعلانها  وحضور الخصوم وتبادل المذكرات حتى المداولة وصدور حكم  فيها وتذييله بالصيغة التنفيذية 
 
ونجحت التجربة بشكل كبير رغم صعوبتها وكان للعنصر البشري دور فعال في ذلك النجاح من خلال القضاة ومعاونيهم .
السؤال الذي يطرح نفسه ماذا بعد كورونا وهل تنتهي  التجربة بإنتهاء الأزمة  وعودة الحياة لمسارها  الطبيعي؟

 الأجابة بالطبع لا لأن نجاح التجربة وإستمرار عمل مرفق القضاء بالدولة بشكل كامل ومنتظم خلال الأزمة  العالمية ساهم في تحقيق العدالة الناجزة الأمر الذي أثق  معه أن الأمر لن يقتصر على النجاح الذي تم تحقيقه خلال هذه المرحلة  بل سيكون هناك سعي حثيث  لإستثمار  التجربة  وتعزيزها من خلال تعميمها وإستمرارها مع إستغلال  ماحققته من نجاح  وإعتياد  المتقاضين  على النظام ليصبح القضاء عن بعد و  بشكل كامل هو الأصل في سير عملية التقاضي  أمام المحاكم بدائرة القضاء  بإمارة أبو ظبي  كتجربة رائدة في  المنطقة  العربية  هو ما سيسهم وبشكل ملموس في تقدم الدولة بتقارير التنافسية الدولية  للدولة . 

*الكاتب رئيس نيابة سابق فى دائرة القضاء بابو ظبى

 

زر الذهاب إلى الأعلى