آراء

الدكتور حسنى ابوحبيب يكتب : دعاة الحق وادلاء الخير

قال تعالى: “فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم” (المائدة: 49).

هذا القول الكريم جزء من آية في سورة المائدة ، جاء عقب عدة آيات يدعو الله تعالى خلالها عباده إلى الاحتكام إليه والحكم بما أنزل ، وبعد تحذيرات شديدة من الميل عن حكمه وعدم الاستجابة له ، والتحذير من الوقوع في الفتن ، والاحتكام إلى الأهواء والرغبات.

أيضاً أتى بعد بيان أن حكمته تعالى شاءت أن يجعل الناس أصنافاً شتى وطرائق قددا ، وأنه عز في علاه جعل لكل صنف منهم شرعة ومنهاجاً ، وأن كل فئة تحتكم إلى شريعتها ، ولها أن تحتكم أيضا إلى شريعة سيد الأنبياء طائعة ، لكن متى فعلت ذلك فإن حكم شريعته يصير ملزماً لها.

كما أن هذا القول الكريم سبقه أمر كريم لجميع العباد باستباق الخيرات لأن المرجع والمآل إلى الله تعالى ، وعندها يحكم وحده بينهم فيما كانوا يختلفون فيه.

“ﻭﺃﻧﺰﻟﻨﺎ ﺇﻟﻴﻚ اﻟﻜﺘﺎﺏ ﺑﺎﻟﺤﻖ ﻣﺼﺪﻗﺎ ﻟﻤﺎ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﻣﻬﻴﻤﻨﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﺎﺣﻜﻢ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺑﻤﺎ ﺃﻧﺰﻝ اﻟﻠﻪ ﻭﻻ ﺗﺘﺒﻊ ﺃﻫﻮاءﻫﻢ ﻋﻤﺎ ﺟﺎءﻙ ﻣﻦ اﻟﺤﻖ ﻟﻜﻞ ﺟﻌﻠﻨﺎ ﻣﻨﻜﻢ ﺷﺮﻋﺔ ومنهاجاً ﻭﻟﻮ ﺷﺎء اﻟﻠﻪ ﻟﺠﻌﻠﻜﻢ ﺃﻣﺔ ﻭاﺣﺪﺓ ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻴﺒﻠﻮﻛﻢ ﻓﻲ ﻣﺎ ﺁﺗﺎﻛﻢ ﻓﺎﺳﺘﺒﻘﻮا اﻟﺨﻴﺮاﺕ ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻪ ﻣﺮﺟﻌﻜﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻓﻴﻨﺒﺌﻜﻢ ﺑﻤﺎ ﻛﻨﺘﻢ ﻓﻴﻪ ﺗﺨﺘﻠﻔﻮﻥ * ﻭﺃﻥ اﺣﻜﻢ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺑﻤﺎ ﺃﻧﺰﻝ اﻟﻠﻪ ﻭﻻ ﺗﺘﺒﻊ ﺃﻫﻮاءﻫﻢ ﻭاﺣﺬﺭﻫﻢ ﺃﻥ ﻳﻔﺘﻨﻮﻙ ﻋﻦ ﺑﻌﺾ ﻣﺎ ﺃﻧﺰﻝ اﻟﻠﻪ ﺇﻟﻴﻚ ﻓﺈﻥ ﺗﻮﻟﻮا ﻓﺎﻋﻠﻢ ﺃﻧﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪ اﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﺼﻴﺒﻬﻢ ﺑﺒﻌﺾ ﺫﻧﻮﺑﻬﻢ ﻭﺇﻥ ﻛﺜﻴﺮا ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺱ ﻟﻔﺎﺳﻘﻮﻥ” (المائدة: 48 : 49).

بعد كل هذا فمن تولى ، فليس لأحد أن يحزن عليه ، أو يأسى له ، وما ذاك إلا لأننا يجب علينا أن نعلم يقيناً أن كلمة الله قد حقت عليه ، ولا بد له أن يذوق وبال أمره ويحيق به بعض ما كسبت يداه.

حكم عدل ، وقول فصل ، ليس لأحد أن يبدله أو يغيره ، حكم لا يصيب إلا من فسقوا عن أمر ربهم وخرجوا عن شرعه ومنهجه ، وحاربوه ليل نهار ، وعملوا على تشويهه والانتقاص منه.

لا شك أن هذه الآيات وأمثالها تنزل برداً وسلاماً على قلوب دعاة الحق وأدلاء الخير ، متى وجدوا فئاماً من الناس لا يسمعون لهم قولاً ، ولا يستجيبون لدعوتهم ، عندها يرن في أذانهم بعد دويه في قلوبهم قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: “ﻓﺈﻥ ﺗﻮﻟﻮا ﻓﺎﻋﻠﻢ ﺃﻧﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪ اﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﺼﻴﺒﻬﻢ ﺑﺒﻌﺾ ﺫﻧﻮﺑﻬﻢ”.

نسأل الله تعالى إيماناً صادقاً ، وعملاً صالحاً ، وقلباً مخلصاً ، ونجاة من كل بلية ، وفوزاً بكل عطية ، وشكراً لكل نعمة.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

زر الذهاب إلى الأعلى