أزمة تعديلات قطاع الاعمال تبحث عن حل.. البرلمان خالف لائحته .. الوزير متمسك برؤيته.. الى من يلجأ اتحاد العمال ؟
تحقيق – نجوي ابراهيم
يبدو ان ازمة تعديلات قانون قطاع الاعمال العام ، ستجبر البعض للبحث عن مخرج قانوني يفض الاشتباك بين ، رؤية وزارة قطاع الاعمال العام وبين اتحاد عمال مصر الذي تمسك بملاحظات قسم التشريع بمجلس الدولة والتي جاءت متوافقة مع كثير من ملاحظاته ، الا ان تمسك الوزارة بوجهة نظرها دون الاستجابة لملاحظات مجلس الدولة ، سياخذ القانون الي منحني دستوري وينتظر العمال تدخل رئاسي !!
وفي الوقت الذي اشتعل الشارع العمالي غضبا عند تأكيدات البعض بتمسك وزير قطاع الاعمال العام برؤيته رغم ملاحظات قسم التشريع بمجلس الدولة ، الا ان بعض اساتذة القانون الدستوري اكدوا علي ان اللجنة التشريعية بمجلس النواب تلتزم التزام ادبي لما يورد في ملاحظات مجلس الدولة ، مشيرين الي ان السوابق التاريخية لتعاملات مجلس النواب مع ملاحظات قسم التشريع بمجلس الدولة تؤكد الاستجابة لما يرد من ملاحظات خاصة ما يتعلق بوجود شبهة دستورية .
ان مجلس النواب هو السلطة التشريعية وينبغي ان يشرع في ضوء الدستور ومبادئه، وعندما اوجب الدستور في المادة ١٩٠ ارسال مشروعات القوانين الي مجلس الدولة ، لم يكن المقصود بالارسال ان تكون مسألة شكلية ولكن موضوعية ، وعليه يجب ان تكون ملاحظات مجلس الدولة محل اعتبار ويؤخذ بها بشكل جدي .
حيث تنص المادة “190 “من الدستور على أن “مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل فى المنازعات الإدارية، ومنازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه، كما يختص بالفصل فى الدعاوى والطعون التأديبية، ويتولى وحده الإفتاء فى المسائل القانونية للجهات التى يحددها القانون، ومراجعة، وصياغة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية، ومراجعة مشروعات العقود التى تكون الدولة، أو إحدى الهيئات العامة طرفاً فيها، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى”.
واستند مجلس النواب عند وضع لائحته الداخلية الي المادة ١٩٠ من الدستور ، والتي اعطت الحق لمجلس الدولة في مراجعة مشروعات القوانين الواردة من البرلمان قبل اخذ الراي النهائي عليها ، حيث نصت لائحة المجلس في المادة ١٧٥ علي:
“يرسل رئيس مجلس النواب مشروعات القوانين، بعد موافقة المجلس عليها فى مجموعها، وقبل أخذ الرأى النهائى عليها إلى مجلس الدولة، ليقوم بمراجعتها وصياغتها، خلال ثلاثين يوما على الأكثر، ويجوز لرئيس مجلس النواب أن يطلب من مجلس الدولة أن تتم المراجعة والصياغة بطريق الاستعجال، وفق الأحكام المنصوص عليها فى قانون مجلس الدولة”.
مواد الدستور جعلت صياغة ومراجعة مشروعات القوانين من جانب مجلس الدولة الزامي علي البرلمان ، لتلافي اي شبهة عدم دستورية ، فهل عندما ترد كلمة شبهة عدم دستورية في مراجعات مجلس الدولة لاحد القوانين يستوجب التصويب الالزامي ؟!
ان اللائحة الداخلية لمجلس النواب في المادة ١٥٨ نصت علي :
“يعرض الرئيس على المجلس مشروعاتِ القوانين المقدمة من رئيس الجمهورية أو الحكومة أو عُشر أعضاء مجلس النواب فى أول جلسة تالية لورودها أو تقديمها بحسب الأحوال، ليقرر المجلس إحالتها إلى اللجان النوعية المختصة، وللرئيس أن يحيلها إلى اللجان النوعية المختصة مباشرة ويخطر المجلس بذلك فى أول جلسة.
ويجوز للمجلس, بناء على طلب رئيسه أو بناء على طلب الحكومة, أن يقرر تلاوة المشروع على المجلس عند إحالته إلى اللجنة،كما يجوز لرئيس المجلس أن يقرر إتاحة المشروع ومذكرته الإيضاحية لأعضاء المجلس كافةً ، ويتم أخذ رأى الجهات والهيئات التى أوجب الدستورُ أخذ رأيها فى مشروعات القوانين المنظمة لها أو التى تتعلق بمجال عملها، وذلك قبل المداولة فيها بالمجلس”
وبالقراءة المتأنية لنص المادة ١٥٨ من لائحة المجلس ، اكتشف البعض ان مجلس النواب خالف لائحته الداخلية فيما يخص المادة ١٥٨، و انه طبقا للائحة كان يستوجب عليه مخاطبة الجهات المعنية بالقانون واخذ رايها ، والتي ذكرتها ملاحظات مجلس الدولة مثل اتحاد عمال مصر والمجلس الاستشاري للعمل وبعض الجهات الاخري.
وحيث ان قسم التشريع بمجلس الدولة اشار في ملاحظاته الي خلو الاوراق المقدمة بمشروع قانون تعديلات قطاع الاعمال مما يفيد استطلاع راي كل من اتحاد العمال والمجلس الاستشاري للعمل وبعض الهيئات المعنية الاخري اعمالا لنص الدستور والقانون الذي الزم باخذ رايهم في المشروعات المتعلقة بشئونهم ، فهل سيخاطب مجلس النواب اتحاد العمال والمجلس الاستشاري للعمل والجهات المعنية الاخري ؟ ام سيضرب بالدستور ولائحته الداخلية عرض الحائط؟ ويقضي علي الامل الباقي للعاملين بشركات قطاع الاعمال ، وبارقة الامل التي اطلقتها ملاحظات مجلس الدولة .
مجلس الدولة ينتصر للعمال والتنظيم النقابي
وكان قسم التشريع بمجلس الدولة ارسل ملاحظاته لمجلس النواب حول احكام تعديلات قانون قطاع الاعمال العام ،مؤكدا ان المشروع الوارد من مجلس النواب تضمن العديد من الأحكام التي تمس حقوق ومصالح العمال في الشركات الخاضعة لأحكام قانون شركات قطاع الأعمال العام المشار إليه .
وان الماده ١٧ من قانون المنظمات النقابية العمالية وحماية حق التنظيم النقابي الصادر بالقانون رقم ٢١٣ لسنة ٢٠١٧ توجب أخذ رأي الاتحاد النقابي العمالي في مشروعات القوانين التي تمس حقوق ومصالح العمال وتنظيم شئون العمل او تعديلها ، واشار قسم التشريع الي اخذ رأي الاتحاد النقابي العمالي في المشروع الموضوع وهو ماخلت منه أوراق المشروع الوارد وهو مايضعه القسم تحت بصر مجلس النواب لتداركه.
كما جاء رد قسم التشريع بمجلس الدولة ، آن المشروع الوراد تضمن احكاما تتعلق بعلاقات العمل بين شركات قطاع الاعمال العام وبين العاملين بتلك الشركات ولما كانت الماده ١٤٥ من قانون العمل الصادر بالقانون رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣ قد اوجبت أخذ رأي المجلس الإستشاري للعمل الذي تشكل بقرار من رئيس مجلس الوزراء رقم ٩٧٠ لسنة ٢٠٠٣ والمعدل بقرار رقم ٢٧٩٦ لسنة ٢٠٠٧ في مشروعات القوانبن المتعلقه بعلاقات العمل،
وهو الأمر الذي يتعين معه أخذ راي المجلس الاستشاري للعمل في المشروع المعروض وهو ماخلت منه اوراق المشروع.
وفيما يخص الماده ٢١ من المشروع فقد رأي القسم في الفقرة الثالثه منه أنها بينت تشكيل مجلس إدارة الشركة التابعة بأنه يتكون من عدد من الاعضاء يحدده النظام الاساسي للشركة لايقل عن ٥ ولا يزيد علي ٩ بما فيهم رئيس المجلس، ومن بينهم ممثل او اثنين من العاملين للشركة بحسب عدد اعضاء مجلس الاداره واناط باللجنة النقابية بالشركة سلطة اختيار هذا الممثل او الممثلين، فان لم يوجد لجنة نقابية للشركة يتم انتخابه او انتخابهم طبقا لاحكام القانون المنظم لذلك.
وفي هذا الشأن استعرض قسم التشريع بمجلس الدولة المادة ١٣ من الدستور الحالي التي تنص علي أن تلتزم الدولة بالحفاظ علي حقوق العمال وتعمل علي بناء علاقات عمل متوازنة بين طرفي العملية الانتاجية، وتكفل سبل التفاوض الجماعي، وتعمل علي حماية العمال من مخاطر العمل ، وتوافر شروط الامن والسلامة والصحة المهنية….
واشار القسم الي المادة ٤٢ من الدستور و التي تنص علي ان ( يكون للعاملين نصيب في اداره المشروعات وفي ارباحها ويلتزمون بتنميه الانتاج ، وتنفيذ الخطة في وحدتهم الانتاجية وققا للقانون ويكون تمثيل العمال في مجالس ادارات وحدات القطاع العام بنسبة ٥٠ ٪ من عدد الاعضاء المنتخبين)
ويكون تمثيلهم في مجالس إدارات شركات قطاع الأعمال العام وفقا للقانون، والمادة ٧٦ منه التي تنص علي إنشاء النقابات والاتحادات علي اساس ديمقراطي حق يكفله القانون وتكون لها الشخصية الاعتبارية لتمارس نشاطها بحرية وتسهم في رفع مستوي الكفاءة بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم وحماية مصالحهم وتكفل الدولة استقلال النقابات والاتحادات.
ولما كان الدستور علي نحو ماتقدم قد كفل للعمال حقهم في تكوين منظماتهم النقابية وجعل للعامل حرية الانضمام الي التنظيم النقابي أو الانسحاب منه فلا يجبر العامل علي الانضمام الي تنظيم نقابي والتزاما بذلك صدر قانون المنظمات النقابية العمالية الذي قرر هذا الحق الدستوري.
وقال قسم التشريع ، كما فرض الدستور التزاما علي الدوله بالحفاظ علي حقوق العمال وجعل لهم نصيب في إداره المشروعات وقرر حقهم في ان يكون لهم ممثلين عنهم في مجالس ادارات شركات قطاع الاعمال ، وترتيبا علي ماتقدم فإن ما تضمنه البند ج من الفقرة الثالثة من المادة ٢١ ،من جعل اختيار ممثل العاملين بمجلس ادارة الشركة التابعة بيد اللجنة النقابية بالشركة بحسب الأصل فإن لم يوجد لجنة نقابية بها جري انتخابه طبقا لاحكام القانون رقم ١٨ لسنة ٢٠١٨ ، يعتريه شبهة عدم الدستورية لمخالفته حكم الماده ٧٦ من الدستور وذلك لما بها من اجبار العامل بالانضمام للجنة نقابية.
اتحاد العمال يجدد رفضه لتعديلات قطاع الاعمال
من جانبه رفض اتحاد نقابات عمال مصر بعض مواد تعديلات قانون قطاع الاعمال العام والتي تنتقص من دور العمال وإشراكهم في اتخاذ القرار ،وتهدد علاقات العمل ، ومتمسكا بملاحظات قسم التشريع بمجلس الدولة حول مشروع القانون كجهة قضائية وتشريعية موثوق بها .
واكد إتحاد العمال على أن التعديلات على القانون تتعارض مع 16 مادة قانونية ودستورية وفق ما جاء بملاحظات مجلس الدولة وهي : المادة 185 من الدستور ،والمادة 17 من قانون المنظمات العمالية،والمادة 145 من قانون العمل،والمادة 13 من الدستور ،والمادة 76 الدستور،والدعوي 35 دستورية ،والقانون 2013 لسنة 2017،والقانون 18 لسنة 2018،والمادة 42 الدستور،والمادة 24 من قانون الشركات العام ،والمادة 35 قانون قطاع الاعمال العام ،والمادة 2 من قانون استخدام وسائل الدفع ،والمادة 198 الدستور ،وقانون 47 لسنة 73،والقانون 125 لسنة 2010 .
حوار مجتمعي حقيقي
تمسك إتحاد العمال بأخذ رأيه في التعديلات ،وفتح حوار مجتمعي حولها ،موضحا أنه لم يؤخذ برأيه ،وأنه لم يتم إجراء حوار مجتمعي معه ، حول تعديلات وزارة قطاع الأعمال على القانون 203 ،كما كان متفقا عليه مع وزير قطاع الأعمال العام هشام توفيق ،مع ممثلي العمال ،في حضور وزير القوى العاملة محمد سعفان ،بتاريخ 17-12-2019 .
وارسل اتحاد العمال بملاحظاته الي كل من وزارة قطاع الاعمال العام ، و مجلس الوزراء ، ورئيس مجلس النواب واللجنة الاقتصادية، وجدد إتحاد العمال على أن رفضه لتلك التعديلات على القانون جاء في 7 نقاط رئيسية وهي :
1″- ان مشروع القانون جرى تقديمه لمجلس النواب دون حدوث حوار مجتمعى عليه، حتى أن الملاحظات الخاصة بالعمال والتى أرسلها الاتحاد العام ونقاباتة العامة لكافة الجهات ولم يتم التحاور عليها ولم يؤخذ بها.
“2”- المادة (5) لأنها ترسخ مبدأ المركزية للوزارة، وتعطي الحق للجمعية العمومية والتى يشكلها الوزير نفسه فى عزل مجلس إدارة أي شركة قابضة أو تابعة دون إبداء أي أسباب، وهذا الأمر يعتبر زيادة فى المركزية ويعتبر سلطة مطلقة.
“3”- على المادة (21) والتى قلصت عدد المنتخبين، حيث ينص القانون الحالى على أن العاملين يمثلون بأعضاء مجلس إدارة منتخبين عددهم 50% من عدد المجلس، عدد يساوى أعضاء مجلس الإدارة المعينين، إضافة إلى رئيس اللجنة النقابية كعضو مجلس إدارة دون صوت معدود، ليصبح فى المشروع الجديد تمثيل العاملين بعضو أو عضوين على الأكثر، وألغى تمثيل رئيس اللجنة النقابية، لذا يطالب ممثلو العمال عودة نسبة تمثيل مجلس الإدارة المنتخب كما هو، وتمثيل رئيس اللجنة النقابية أو ممثل اللجنة النقابية بمجلس إدارة الشركة سواء وهى قطاع أعمال عام أو فى حالة نقلها إلى قانون 159 بأنه سيكون وقتها هو الممثل الوحيد للعاملين على طاولة مجلس الإدارة.
“4”- على المادة الخاصة بالتصفية (مادة 38) لأن مشروع القانون ينص على أن الشركات التى سوف تصل خسائرها إلى كامل رأس المال يوجب القانون الجمعية العمومية برفع رأس المال، وفى حالة عدم رفع رأس المال يتم تصفية الشركات، والاعتراض هنا – حسب البيان – أن هناك ما يقارب الـ 50 شركة حاليا تصل خسائرها لكامل رأس المال بسبب ان رؤوس أموال تلك الشركات ضعيف جدا بالمقارنة بأصولها، وكذلك أن تلك الشركات لم يتم تطويرها أو ضخ أي استثمارات بها منذ ما يزيد عن الـ 40 عاما، وأن بعضها يعمل بماكينات من ثلاثينات وأربعينات القرن الماضى، تلك الشركات التى تمثل جزءا من تاريخ مصر وهي عصب الصناعة والإنتاج.
“5”- على المادة (39) والتى تنص على تحول الشركات من قانون 203 إلى قانون 159 بمجرد وصول نسبه المساهمين لـ 25% الأمر الذى يساعد على الخصخصة وإنهاء الشركات المملوكة للدولة، والتى ظهر دورها جليا فى كل الحروب وأزمات مصر، وفى الأزمة الحالية ” أزمة فيروس كورونا”، لأن تلك الشركات هى التى تمد الدولة بكل احتياجاتها من وسائل الوقاية.
“6”- حرمان العاملين في ( مادة 42) من الاشتراك فى وضع اللوائح الخاصة بهم، حيث نص مشروع تعديل القانون على استبدال عبارة توضع اللوائح بـ”الاشتراك مع النقابة المعنية” بعبارة توضع اللوائح بعد “أخذ رأى النقابة العامة المعنية”، الأمر الذى يعطى الإدارة الحق فى الانفراد بشكل كامل فى وضع اللوائح، هذا الأمر الذى يعد مخالفا للدستور وللاتفاقيات الدولية الموقعة عليها مصر، وسوف يحدث أزمة كبيرة بين صفوف العاملين.
“7”- على المادة المضافة رقم 30 مكرر والتى تعطى الحق لرئيس مجلس الوزراء بعد العرض على مجلس الوزراء بنقل أي شركة تابعة لقطاع الأعمال العام إلى شخصية اعتبارية أخرى، وعند النقل تكون تابعة لقانون 159، حتى وإن كانت مملوكة بالكامل للدولة.