منوعات

رواية: زهرة رنيم للمؤلف بيران ” 2″

ـ لقد عقدت اتفاقا مع زھرتي المفضلة على أن لا تنبت سوى عند من ھم أھل صدق وأمانة، فلا
یكذبون أبدا ولا یخونون.
ھذا ما نطقت بھ رنیم في ربیعھا العاشر وھي تنتج زھرة فریدة من نوعھا، زھرة لم یسبق لھا أن
نبتت في أي مكان، ھنا حیث حدیقة رنیم أطلت الزھرة بروعتھا وقد سبقھا عطرھا الفوّاح.
بادئ الأمر استغربت رنیم شكلھا وإن كانت تقرأ الكثیر عن الأزھار والورود وكل أنواعھا، بید
أن ھذا النوع لم یسبق لھا أن لمحتھ في أي مكان ولا في أي كتاب.

یمّمت رنیم صوب جدتھا فاطمة في أحد أحیاء أولاد یعیش الراقیة، ھناك حیث دأب سكانھ على
زرع الأزھار والورود والاھتمام بھا طوال السنة؛ بما فیھم الجدة فاطمة التي كانت خبیرة أزھار
وورود.

ارتشفت رنیم من جدتھا فاطمة عشق كتب الأزھار والورود وكیفیة الاعتناء بھذه الأخیرة لتحیا
لزمن أطول ولتستمتع بجمالھا بشكل أوفر.

ـ جدتي الحبیبة.. ھا أنا أطل علیك ھذا الصباح بقبلاتي.
أغرقت رنیم خدّي جدتھا بالقبل.
أسكنتھا الجدة حضنھا وھي تمسح على شعرھا البرتقالي حیث تقف في الشرفة، تاركة الملابس
المبللة وقد انشغلت عنھا بفرحة قدوم رنیم المفاجئ.
لم یسبق لأحد أن رأى مثیلا لشعر رنیم، شعر برتقالي، لم یكن غریبا بل أخّاذا سالبا للعقول، ممّا
جعلھا تتمیز بھ دونا عن كل الصبایا.

ـ كیف حال أزھارك وورودك یا حبیبتي؟
ـ كل تلك القبل منھم، ألم تستشعري عطورھم الزكیة؟
ـ استشعرت عطر أنفاسك قبل وصولك.
ـ ألأنفاسي عطر؟
ـ لكل خلیة فیك عطر خاص، لذا ستتمیزین عن كل من ھم في سنك.

ـ بماذا مثلا؟
تبتسم الجدة فاطمة فتعجّل رنیم بالتعلیق:
ـ لا تقولي إنني سأتمیز بشعري، فقد اعتدت على ذلك.
تضحك الجدة فاطمة وھي تمسح على شعر رنیم البرتقالي:
ـ ھاھاھا صحیح، إنھ یبدیك كالأمیرات.

ـ أعلم.
تستوي رنیم واقفة وھي تلاعب خصلات شعرھا الناعم الطویل البرتقالي.
ـ ستتمیزین بشيء ما وشعرك سیكون سرّك.
ـ كیف؟!
ـ لا أعلم، مجرد حدس.
عانقت رنیم مجددا جدتھا فاطمة بحبور:
ـ أحبك یا جدتي.
ـ وأنا أیضا أحبك، كما أحب زیاراتك المفاجئة، فلم أتوقع قدومك الیوم لولا تلك الرائحة التي سبقتك

أممم… الصراحة یا جدتي لم أكن أنوي زیارتك في نھاري ھذا، بل بعد یومین رفقة أبي وأمي،
بید أن حدثا ھاما دفعني للإسراع.
ـ وفیم العجلة؟
توشوش رنیم لجدتھا خبرا عن زھرتھا السریة التي نبتت في حدیقتھا وقد أبھرتھا وحیّرتھا في آن.
ـ أمممم.. فعلا خبر عاجل وسار.
أطرقت الجدة فاطمة مفكرة من ثم نظرت إلى رنیم:
ـ ما رأیك أنت؟
ـ حدث غریب یا جدتي.
ـ أعلى یقین أنت من أنھا تبدو فعلا جدیدة وفریدة؟ ربما لھا أخوات ولم یمر علیك ھذا النوع من
قبل فحسب.
ـ لا أعتقد، فقد التھمت كل كتبك عن الأزھار والورود، بل وابتعت غیرھا لاعتقادي أنھا تحوي
جدیدا، تالیا تیقنت أن ما تكنزینھ من كتب یجمع كل الأنواع المنتشرة في العالم.
ـ أواثقة أنت؟
ـ جدا.
من ثم ابتسمت الجدة وھي تدقق التحدیق في رنیم:
ـ ألیست حیلة منك لجرّي إلى بیتكم كوني لم أزركم منذ عھد سحیق؟
ـ ھاھاھا.. جدتي لست ممن یفعل ذلك، فقد سقیتني الصدق والأمانة، فما كنت لأحمل لك خبرا
غیر صادق وقد ائتمنتني على كل كلمة أنطق بھا أمامك.

ـ ألم یكن الأولى التقاط صورة لھا بموبایلك؟
ـ ھذا ما فعلت، بید أن الغریب أن لا ظل لھا.
ـ كیف عرفت؟
ـ ما دمت كلما التقطت لھا صورة لا تظھر على الشاشة؛ إذا فلا ظل لھا.
ـ أمممم.. لا أتمنى أن تكون زھرة سحریة.
ـ أھاااا.. حقا؟
ـ نعم، فھذه الأزھار لا تستمیلني.
ـ إذا ربما لم أحسن التقاط الصورة بالموبایل.
صمتت الجدة كأنما ابتلعت لسانھا إلى أن ھزّتھا رنیم:
ـ جدتي.
ـ نعم؟
ـ ما بك؟
ـ لا شيء.. أفكر فحسب.
دخلت الجدة فاطمة إلى المطبخ وأخذت كرسیا لتستریح علیھ فتبعتھا رنیم:

ـ یخیفني صمتك، ھل ھي سحریة؟ ھل ستؤذینا؟ ھل أقطفھا وأدعھا تموت خفافا؟
ـ لیس قبل معاینتي لھا.
ـ ھیییھ. – نطت رنیم طربا-
ـ إذن ھیا بنا.
ـ لیس الآن.
ـ لم؟
ـ أولا لم أستأذن جدك، ثانیا لم أحضّر لھ غداءه بعد.
ـ ھي فرصة لیرافقنا یا جدتي.

اسمعي.. أجري بحثك على الشبكة العنكبوتیة إلى أن أتمّ تحضیر غداء جدك، عقب ذلك یكون قد
وصل فنستأذن منھ أو ربما یقبل مرافقتنا.. ھیّا دعیني أنھي ما لدي لأتمكن من اصطحابك.
ـ لا حاجة لي إلى الشبكة العنكبوتیة، عشقت الكتب من عِرقك.
تضحك الجدة فاطمة دون تعلیق:
ـ ھاھاھا..
ـ العِرقُ دسّاس.
نظرت رنیم بلؤم إلى جدتھا فعلّقت الجدة فاطمة:
ـ اه منك.. إذن تعالي لمساعدتي في التحضیر لكن دون الإطناب في الأسئلة فعلي التركیز مع
الأكلة.
ـ ھاھاھا.. حاضر سأربط لساني قدر استطاعتي، أنا حفیدتك الھادئة المطیعة.
ـ جمیل، ھیا بنا.

السؤال الأبدي الذي كان یراود رنیم ھو: كم زھرة خلقت على ھذه الأرض؟ لطالما كررت ذلك
على مسامع الجدة فاطمة والتي على الدوام كانت تجیبھا:
ـ ما أحسبني عارفة بالعدد، فقد أمضیت عمرا أبحث في مجال الأزھار وكل أنواعھا بما في ذلك
الورود، بید أن الرقعة تتسع كلما انطلقت ببحثي، فأعزم على تركھ دون أن أغفل عن توثیق كل
ما مر علي. نتاج تلك السنون دونتھ في كتاب من أربعة أجزاء، كل جزء یتفرع إلى عدة فروع
وكل فرع یحوز على عدة فصول.
حینھا تفتح رنیم فاھا:

ـ إنھا أربعة مجلدات ضخمة یا جدتي!
أربع مجلدات ضخمة، غیر أن الجدة فاطمة ما تزال تجھل الوافر من الأنواع.
حنت السماء فطرقت الأسقف وقد غطت على كل الأصوات، توقعت رنیم أن الجدة فاطمة لن
تغادر البیت في ھكذا تغیر للطقس، لم تُسفر الجدة فاطمة عن نوایاھا لانشغالھا بالطبخة، فلم یعتد
الجد عبد القادر منھا سوى أكلا لذیذا مستویا كما یجب.
لوھلة تغیرت الأجواء بشمس طاغیة، حینئذ أطفأت الجدة فاطمة النار عن الطبخة لتغادر المطبخ.

عقب الظھیرة رافقت الجدة فاطمة حفیدتھا رنیم لتتعرف على ھذه الزھرة، فالغریب في زھرة
رنیم أنھا كانت بلون برتقالي تماما كما كان لون شعر رنیم.
اتسعت عینا الجدة بمجرد أن وقع نظرھا على الزھرة:
ـ یا الھي ما ھذه !!؟
انشرحت أساریر رنیم:ارايت

Yoast

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى