عايدة عوض تكتب: تركيا والإقليم

بالرغم من ان تركيا تعتبر احدي الدول المشاركة في حلف الناتو الا انها مؤخراً وخصوصاً بعد الانقلاب الاخير على اردوغان والذي تمكن بصعوبة في التغلب عليه، حدث شرخ في علاقتها بأمريكا لانها ايقنت ان هذا الانقلاب كان بإيعاز منها وبتورط الواعظ اندرو برانسون الذي اتهمته تركيا بالضلوع فيه وسجنته لمدة سنتين.

ومنذ ذلك الوقت وبعد تدخل تركيا في سوريا والعلاقات بين البلدين في تدهور ، ولكن عندما تكون لاي منهما مصلحه لدى الأخري تعود الى تحسن طفيف لقضاء المصلحة.

وفي نفس الوقت بدأت العلاقات التركية الروسية في تحسن بالرغم من ان السفير الروسي قتله بدم بارد وامام مشاهدي التليفزبون احد المتمردين الأتراك، وبالرغم من إسقاط تركيا لإحدي الطائرات الروسية ، الا ان العلاقات – بعد فترة وجيزة من التوتر – عادت احسن من الاول لان هناك مصالح مشتركة .

ولكن كما هو الحال في السياسة فلم تكن العلاقات دائماً جيدة بل شابها بعض الشوائب عندما لم تقوم تركيا بما اتفق عليه بالنسبة لإرهابي إدلب في شمال سوريا.

تركيا لها اطماع وطموحات إقليمية كبيرة ومعروفة . كان اولها إعادة الخلافة العثمانية ولذا كانت علاقة اردوغان بالإخوان عندما حكموا مصر علاقة وطيدة . لكن بعد خلع الاخوان وهدم أحلام اردوغان بالخلافة تأصلت كراهية لمصر في شخص السيسي لدي اردوغان. ومنذ ذلك الوقت وهو يعمل بمنتهى التعاون مع قطر لافشال مصر والسيسي بكل طريقة. وزادت هذه المشاعر باكتشاف اكبر حقل للغاز الطبيعي داخل الحدود الاقتصادية المصرية في شرق المتوسط. ولم يتورع عن محاولات التهديد بالتحليق بطائراته بالقرب من الحقل لكن تصدت له الطائرات والسفن الحربية المصرية وفر سريعاً.

ولكنه لم ييأس بل بدأ يحاول التشكيك في الحدود المرسومة مع قبرص على انها غير قانونية لان تركيا كانت لابد ان توقع بما انها محتله جزء من شمال قبرص، غير ان الامم المتحده لم تعترف بذلك وصدقت على رسم الحدود. وبدأ اردوغان يهدد قبرص ويحاول السطو على آبار الغاز التابعه لها والتي تقوم إيطاليا بالتنقيب عليها فدخل في مشكله مع إيطاليا وهي ايضاً عضو في حلف الناتو.

تقارب اردوغان مع روسيا كان بسبب خط الغاز الذي تريد روسيا تمريره عبر تركيا الى اوروبا لانها اكبر مستورد للغاز الروسي. ولكن دوام الحال من المحال. مع تغير الاوضاع الاقتصاديه ودخول المانيا الى ركود اقتصادي ، وتطبيق امريكا عقوبات اقتصاديه على روسيا وعلى اوروبا من جراء تحديهم لها بعدم الخروج من الاتفاقية النوويه مع ايران، بدأ السوق الأوروبي للغاز الروسي ينكمش ولذا فالخط عبر تركيا لم يعد بالحيوية التي كان عليها من قبل.

وبدأت روسيا تبيع الغاز للصين التي في حاجة شديده للغاز والبترول. وبذلك أهمية اردوغان وتركيا قلّت بالنسبة لروسيا وبدأت الأخيرة تضغط عليها بالنسبة لادلب والإرهابيين التابعين لها هناك. فبدأت تركيا تنقلهم الى ليبيا حيث بدأت تحارب خليفه حفتر هناك بالمرتزقة الذين نقلتهم من إدلب.

منذ بدء مشاكل سوريا وتركيا متربصة وتتحين الفرصة كي تدخل وتسطو على جزء من أراضي سوريا بحجة أمنها القومي ضد الأكراد في شمال سوريا وعند الحدود المتاخمة لتركيا. وكانت امريكا تستخدم الأكراد لمقاتلة بعض الجماعات المرتزقه التركية والمعروف عن الأكراد انهم مقاتلين غاية في الشراسة. وكانت امريكا تحميهم لانهم يحاربون بالوكالة عنها في سوريا.

ولكن خطة تركيا هي السطو على المنطقه لنقل اللاجئين السوريين لديها اليها وتوطينهم بها كي يكوّنوا حائط صد بينها والأكراد. ولكن ذلك سيغير من التركيبة السكانية للمنطقه ويزعزع سيطرة الأكراد ويعطي فرصة لداعش للظهور مره اخري ولذا فأغلب الأطراف تعارض هذه الخطة بما فيهم روسيا وإيران وطبعاً سوريا.

والان تغير الوضع بشكل جذري. اعلن ترامب بشكل مفاجئ انه حان الوقت لامريكا للانسحاب من سوريا والحرب التي “لا تنتهي”. وبالرغم من انه قد اعلن ذلك منذ عدة اشهر الا ان وجود چون بولتون في ادارته قوّد رغبته وظل الجيش الامريكي، بل وزاد وبدأ في بناء قاعده جديده في شمال سوريا.

ولكن مع إقالة بولتون يشعر ترامب انه الان يمكنه تنفيذ خطته بانسحاب امريكا من سوريا. ولذا اعلن ترامب ان القوات ستنسحب من سوريا في الوقت الذي كان من المفروض انها تساعد تركيا في تأمين الحزام الفاصل بينها وبين سوريا. ولكن فجأة اعلن ترامب انسحاب امريكا واعلنت تركيا عزمها على القيام بهجمه على شمال سوريا لتأمين حدودها.

في واحدة من تغيرات ترامب الفجائية هدد ترامب اردوغان انه سوف يدمر اقتصاد تركيا لو خرجت عن الحدود في هجمتها على شمال سوريا. وطبعاً لا نعرف ما هي الحدود التي يقصدها ترامب. بل يكفي ان نعلم انه بهذا الإعلان عن الانسحاب المفاجئ قد قدم الأكراد الذين ساعدوه مساعدات كبيره، قدمهم لقمه صائغة لأردوغان للقضاء عليهم بكامل جيشه.

بالرغم من كل هذه الحشود التركية إلا انها لم تقم بالهجمة التي هددت بها وكان هناك اجتماع لوزراء الخارجية والدفاع ولرؤساء المخابرات الروسيه والتركيه للتنسيق بالنسبة لشمال سوريا بعد إعلان امريكا الانسحاب. الإعلان فقط ولكن لم يتم الانسحاب بعد.

وفي نفس الوقت يبدو ان الجيش السوري الوطني قد تقدم شمالاً الى حيث يمكنه أضاعة أحلام تركيا في حزام أمان بينها وبين سوريا عرضه ٣٠ كم بطول الحدود التي تمتد حوالى ٤٧٠ كم.

الوضع في شمال سوريا شرق الفرات مازال مبهم وغير معروف ماستقوم به تركيا. هناك تكهنات ان “الانسحاب” هو لعبة انتخابيه من جهة ترامب للفت أنظار شعبه بعيداً عن محاولات إقالته. ولكن الوضع اكثر جدية بالنسبة لأردوغان الذي يريد القضاء على الأكراد. هل المحادثات الروسيه التركية سيفضي عنها عدول تام من ناحية تركيا عن هذه الهجمة؟

زر الذهاب إلى الأعلى