كان يشاهدها في إحدى حدائق الأندية تجلس على نفس الطاولة شبه يومي، فتاة جذابة مبتسمة، لكن نظراتها بها حزن كبير، شدت انتباهه بشدة، فبدأ يسأل عنها العاملين بالنادي.
علم منهم أنها تهوى الرسم، وترسم لوحات لبعض الأشخاص، فقرر أن يتعرف عليها بحجة أنه يريدها أن ترسمه، وبالفعل ذهب إليها وسألها أن ترسمه، وافقت وبالفعل بدأت برسمه، استغل الوقت الذي ترسمه فيه، وبدأ بالحديث معها أثناء ذلك، وبتبادل عدة أحاديث بينهما أعجب بعقلها ورقتها وأناقتها،
وبدأت هي أيضاً بالإعجاب به، وكان يلاحظ أنه في آخر كل يوم تأتي صديقتها إليها، فيضطر للانصراف، وفي اليوم التالي يذهب للنادي ويجدها في نفس المكان ويجلس ليكمل رسمته ويكمل حديثه معها، ويزداد إعجابه بها يوماً بعد يوم، وكلما تحدث معها أكثر، تنجذب نحوه، وتشعر بإحساس لم تعرفه من قبل، وتعجب بتفكيره وعقله، وتجد فيه إنسانا ذا شخصية مختلفة، مرهف الحس، راقيا، مثقفا، ووجدت بينهما صفات كثيرة مشتركة.
وفي اليوم الأخير قبل الانتهاء من رسم صورته، وكان قد تحدثا معاً كثيرا، وعلما عن بعضهما الكثير، وبدأت مشاعر الإعجاب تتحول إلى حب، فقرر أن يصارحها بطبيعة شخصيته المعقدة، كما كان يصف نفسه، وبأن الكثير من الناس يتحفظ على شخصيته، وأنه من الشخصيات الصعبة في التعامل جدا، لكنها فاجأته برد لم يتوقعه منها، قالت له: أنا لا يهمني ما يعتقده الناس عنك، الأهم ما أراه أنا فيك.
وجد نفسه بدون شعور من شدة فرحه بردها يقبل رأسها، ارتبكت وارتبك هو أيضاً واعتذر ورحل سريعاً، وهو لا يدري كيف يبرر لها ولنفسه تصرفه هكذا.
قضى ليله يفكر فيها، وقرر أن يخبرها بأنه يريد أن يرتبط بها، وفي اليوم التالي ذهب ووجدها كالعادة، وبدأ حديثه بالأسف عما فعله بالأمس، فقالت: أتعلم بماذا شعرت بعد رحيلك؟!
فقال: بالطبع تخوفتِ مني، فقالت: شعرت بحنان أبي وصدق مشاعر “حــ”. فقال لها: أكملي.. ترددت كثيرا، فألح عليها.. ثم وجد دموعاً وحزناً كبيراً في عينيها، ووجد خوفا وترددا، فأقدم وصارحها قائلاً: أنا فعلاً أحبك، بالرغم من صغر المدة، فأنت شخصية تبهر أي إنسان. فقالت: ولكني كنت أكفر بالحب، فهل فعلاً الحب موجود؟
فقال: نعم الحب موجود. فقالت: لماذا أنت متأكد أن حبك هذا حقيقي وليس نزوة؟ فقال: الحب الحقيقي أن أبيع دموعي كي أشتري فرحتك، وهذا ما أشعر به، الحب الحقيقي أن أعطيك الأمان وأن أبث في روحك الدفء، وهذا ما أريد أن أمنحه لك.
فقالت: هل فعلا هناك أمل أن ينجح مثل هذا الحب، أم حبنا سيكون ميئوسا منه؟
فسألها: لماذا تقولين ذلك؟!
فسألته: هل سيكون لقاؤنا بداية لقصة لن تنتهي أم نهاية لحكاية عابرة يبقى منها ألم ووداع؟
فقال: لماذا كل هذا الحزن والخوف؟
فبكت، وقالت له: أنا أيضا أشعر تجاهك بمشاعر كنت أسمع عنها فقط في روايات الحب القديمة، ولم تكمل فأتت صديقتها لتأخذها وترحلا، فاعتذرت له ووعدته بأن يلتقيا غداً ويكملا الحوار ويستلم صورته التي رسمتها له، وأعطته وردة، ورفعت “الشال” الذي تضعه على رجليها، وكان يغطي الكرسي المتحرك، وأخذت الصديقة تحرك الكرسي بالفتاة، وسلمتا عليه وتحركتا وهو في حالة من الذهول، ووقتها فقط علم لماذا كانت خائفة ومترددة. سقطت الوردة، ولم يدر ماذا يفعل، يلتقط الوردة ويكمل معها ويساعدها على الوقوف أم يترك الوردة ويذهب. فقد أحبها بالفعل ويعلم أنها تحبه.
وقف يفكر، ولكنه بدون أن يشعر ترك الوردة، وعاد إلى منزله ولم ينم في تلك الليلة، ظل يفكر وندم أشد الندم أنه لم يأخذها.
وعاد في اليوم التالي مبكراً إلى النادي، وأسرع إلى مكان الوردة، والتقطها، ووجد أنها قد بدأت بالذبول، انتظر حبيبته لتأتي كالعادة، لكي يخبرها أنه لن يتخلى عنها، ولكنها لم تحضر، انتظر كثيراً، وبحث في كل مكان وتذكر أنه لم يسألها عن رقم هاتفها، سأل عنها ربما تكون أعطت رقمها لأحد العاملين في النادي ولكن لا أحد يعرفها .
ويمر أسبوع وهو يحضر كل يوم وينتظر ولا تأتي، إلى أن رأى يوماً صديقتها ولكنها وحدها هذه المرة، أسرع إليها ليسألها أين حبيبته، فأخبرته أنها مرضت وماتت، وأعطته لوحته ومعها رسالة، أخبرته أنها قبل وفاتها كتبتها له، وطلبت منها أن تعطيها له مع اللوحة، وودعته وذهبت لتركه في حالة من عدم التوازن، فقد وقع عليه خبر وفاتها كالصاعقة، ولم يتمالك نفسه وظل يبكي وفتح الرسالة وكانت المفاجأة.
حبيبي، لقد أحببتك بالفعل، وشعرت معك بإحساس لم أعلمه من قبل، رأيت فيك ما تمنيته وحلمت به، وكم كانت صدمتي شديدة عندما رأيتك وأنت تذهب تاركاً الوردة، بعدما رأيت الكرسي المتحرك، وعلمت أنني عاجزة عن الحركة، وكنت قد سألتك من البداية هل حبك حقيقي؟! ليتك لم تؤكد لي حبك، رأيتك تلقي بوردتي على الأرض تاركها لتموت، وقتها علمت أنك لم تحبني، وأنك لا تمتلك الشجاعة لكي تكون بجانبي وتساعدني على أن أقف على قدمي من جديد، وجدتك تتخلى عني وبمنتهى السهولة، وجدت حب العمر يضيع عندما رأيت نظرات التردد وأخذك القرار بالرحيل، أحسست أن قلبي يدمي، ولم أشعر إلا وأنا لا أستطيع التنفس، للأسف حبيبي مرضت بداء حبك، وتمنيت الموت، فأنا أعلم أنه هو الملاذ الآمن لي.
كنت أعيش على أمل أن أقف يوما وأتحرر من قيدي على يد فارس صنعته في خيالي، فحضرت أنت، وأحببتك، وحلمت بأنك من سيمد لي يده لأقف من جديد، ولكنك فضلت الهروب، وآهٍ لو تعلم شعور الأسير عندما يجد من يفك قيده أمامه ثم يختفي ليدعه مرة أخرى في ظلمات سجنه، أن يرى بصيص أمل من جديد ثم يختفي ليخيم عليه اليأس من جديد.
وختمت رسالتها:
لا تبك يا حبيب العمر ونبض الروح فقد فات الأوان.