Site icon بوابة العمال

الدكتور حسني ابوحبيب يكتب : أول معصية عُصي بها الله

هناك صنف من الأناسي همه لازم ، وحزنه دائم ، إذا سعد الناس اغتم ، وإذا رضي الناس اهتم ، بنعم الله على عباده مكروب ، وبنصره لهم مغلوب ، لا هم له إلا كشف العيوب ، ذلك هو الحاسد صاحب النصب وأخو اللغوب.

والحسد لا ريب من أقبح الرذائل وأخبثها ، وهو أول معصية عُصي بها الله تعالى في السماء ، بحسد إبليس لآدم ، وهو كذلك أول معصية عُصي بها في الأرض ، بحسد قابيل لهابيل ، فكان أولاً: سبباً في الكفر ، وثانياً: سبباً في القتل ، وأبشع بهما من معصيتين.

ﻗﺎﻝ ﺃﺭﺩﺷﻴﺮ ﺑﻦ ﺑﺎﺑﻚ: ﻛﻞ ﺧﺼﻠﺔ ﺭﺩﻳﺌﺔ ، ﻓﻬﻲ ﺩﻭﻥ اﻟﺤﺴﺪ ، ﻷﻥ اﻟﺤﺴﻮﺩ ﻳﺴﻌﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺃﺣﺴﻦ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﻳﺒﻐﻲ اﻟﻐﻮاﺋﻞ ﻟﻤﻦ ﺃﻧﻌﻢ ﻋﻠﻴﻪ.

قال الحسن: ﻣﺎ ﺭﺃﻳﺖ ﻇﺎﻟﻤﺎ ﺃﺷﺒﻪ ﺑﻤﻈﻠﻮﻡ ﻣﻦ اﻟﺤﺎﺳﺪ ، ﺣﺰﻥ ﻻﺯﻡ ، ﻭﻧﻔﺲ ﺩاﺋﻢ ، ﻭﻋﻘﻞ ﻫﺎﺋﻢ.

والحاسد عدو لنعم الله تعالى باغ على عباده ، جاء في الأثر: أن الله تعالى يقول: “الحسود عدو نعمتي ، متسخط لقضائي ، غير راض بقسمتي”.

روي عن ابن مسعود قوله: لا تعادوا نعم الله. قيل: ومن يعادي نعم الله؟. قال: الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله.

والتحرز من الحسد والحساد لا سبيل إليه ولا قدرة لأحد عليه ، لا سيما لذوي نعم الله تعالى ، وأرباب مننه ، فكما قيل: كل صاحب نعمة محسود.

ومن ثمً كان كثرة الحساد دليل على تميز ونباهة المحسود ، ولا خير فيمن لا يُحسد ، إذ لا يُحسد إلا النابه ، ولا يُنظر إلا الناجح ، لذا كان بعض ذوي النعم يفخرون بكثرة حسُادهم ، كما قال قائلهم:

ﺇﻧﻲ ﻧﺸﺄﺕ ﻭﺣﺴﺎﺩﻱ ﺫﻭﻭ ﻋﺪﺩ * ﻳﺎ ﺫا اﻟﻤﻌﺎﺭﺝ ﻻ ﺗﻨﻘﺺ ﻟﻬﻢ ﻋﺪﺩا
ﻣﺎ ﺯﻟﺖ ﺃﻗﺪﻡ ﺃﻓﺮاﺳﻲ ﻣﻜﻠﻤﺔ * ﺣﺘﻰ اﺗﺨﺬﺕ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎﺩﻫﻦ ﻳﺪا.

ﻭﺑﻠﻎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻃﺎﻫﺮ ﺃﻥ ﻗﻮﻣﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻮاﻟﻲ ﻳﺤﺴﺪﻭﻧﻪ ، ﻓﻘﺎﻝ:

ﺇﻥ ﻳﺤﺴﺪﻭﻧﻲ ﻓﺈﻧﻲ ﻏﻴﺮ ﻻﺋﻤﻬﻢ * ﻗﺒﻠﻲ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺱ ﺃﻫﻞ اﻟﻔﻀﻞ ﻗﺪ ﺣﺴﺪﻭا
ﻓﺪاﻡ ﻟﻲ ﻭﻟﻬﻢ ﻣﺎ ﺑﻲ ﻭﻣﺎ ﺑﻬﻢ، * ﻭﻣﺎﺕ ﺃﻛﺜﺮﻫﻢ ﻏﻴﻈﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﺠﺪ
ﺃﻧﺎ اﻟﺬﻱ ﻳﺠﺪﻭﻧﻲ ﻓﻲ ﺻﺪﻭﺭﻫﻢ * ﻻ ﺃﺭﺗﻘﻲ ﺻﻌﺪا ﻣﻨﻬﺎ ﻭﻻ ﺃﺭﺩ.

كما أنه كان كثير من أهل الفضل وأصحاب النفوذ لا يعبأون بحسد حاسد ، إذ كانوا يعتبرون ذلك دليل كمالهم ونقص من سواهم ، ﻗﺎﻝ ﻋﻤﺎﺭﺓ ﺑﻦ ﻋﻘﻴﻞ ﺑﻦ ﺑﻼﻝ ﺑﻦ ﺟﺮﻳﺮ:

ﻣﺎ ﺿﺮﻧﻲ ﺣﺴﺪ اﻟﻠﺌﺎﻡ ﻭﻟﻢ ﻳﺰﻝ * ﺫﻭ اﻟﻔﻀﻞ ﻳﺤﺴﺪﻩ ﺫﻭﻭ اﻟﻨﻘﺼﺎﻥ
ﻳﺎ ﺑﺆﺱ ﻗﻮﻡ ﻟﻴﺲ ﺟﺮﻡ ﻋﺪﻭﻫﻢ * ﺇﻻ ﺗﻈﺎﻫﺮ ﻧﻌﻤﺔ اﻟﺮﺣﻤﺎﻥ.

ولطالما تمثل ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎﺏ ﺑﻬﺬﻳﻦ اﻟﺒﻴﺘﻴﻦ:
ﻗﻮﻡ ﺳﻨﺎﻥ ﺃﺑﻮﻫﻢ ﺣﻴﻦ ﺗﻨﺴﺒﻬﻢ * ﻃﺎﺑﻮا ﻭﻃﺎﺏ ﻣﻦ اﻷﻭﻻﺩ ﻣﺎ ﻭﻟﺪﻭا
ﻣﺤﺴﻮﺩﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻧﻌﻢ * ﻻ ﻳﻨﺰﻉ اﻟﻠﻪ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﺎ ﻟﻪ ﺣُﺴﺪﻭا.

وإذا كان الكثيرون ممن اختصهم الله تعالى بنعمه وعطاياه محسودين على تلك النعم والعطايا ، فواجب عليهم أن يتحصنوا بحصن الله من شر أولئك الحساد.

وكيفية التحصن من ذلك الظالم المظلوم موضوعنا في المقال التالي بمشيئة الله تعالى.

اللهم اكفنا بقدرتك وحولك شر الحاسدين الحاقدين وشر كل ذي شر يا رب العالمين. وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

Exit mobile version