دين و دنيا

د . حسنى ابوحبيب يكتب : مولد الكمال

كلما أهل علينا شهر ربيع من كل عام أثار في النفس شجوناً ، وأيقظ في الروح حنيناً ، وأشاع في الكون نوراً ، وأخذنا أخذاً لطيفاً للنقطة التي كانت منها بدايتنا ، والتي كانت هناك ، وما أدراك ما هناك ؟!!!.

حيث النعيم المقيم ، والفرح الخالد ، بجوار ربٍ رحيم ، في جنة عرضها السموات والأرض ، كل ما فيها جميل ، وكل جميل فيها لا يحول ولا يزول ، إلى أن كان من أبينا عليه السلام ما كان ، وبدر منه ما الكل به عليم.

عندها كان الهبوط ، وما أدراك بذاك الهبوط ؟ ، هبوط من سماء إلى أرض ، ومن دار نعيم إلى دار فتنة ، ومن جوار الخالق إلى جوار المخلوق ، “قلنا اهبطوا منها جميعاً” (البقرة: 38).

لكن رحمة الله تعالى لم تفارقنا لحظة ، ولطفه كان معنا حيثما كنا ، فكان المنهج الذي به نستطيع أن نجعل من تلك الأرض منارة تنير السماء وتزينها كمالنجوم والقمر ، وبه نحول دار الفتنة إلى دار نعيم ، وبه لا ننفك عن مجاورة الخالق ولا نخرج من حضرته.

ذلك المنهج الرباني الهادي الذي يضمن لنا التزام الصراط المستقيم ، والسعادة على كل حال ، والنجاة من الخوف والهم والحزن ، “قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون” (البقرة: 38).

كما يضمن لنا متى سرنا عليه والتزمنا آدابه البراءة من الضلال ، والبعد عن الشقاء ، “قال اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم من هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى” (طه: 123).

وبهذا صار الهبوط ما هو إلا عبارة عن انتقال من جنة غير مشروطة إلى أخرى لكنها مشروطة باتباع المنهج والتمسك بالهدي الإلهي ، فمن التزم المنهج عاش في جنة ، ومن حاد عنه فهو الظالم الظلوم.

ومن تلك النقطة أعني نقطة البداية كان سير الإنسانية نحو الكمال ، ذلك الكمال الذي جعله ربنا رسالة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.

فكان مولده مولد الكمال ، الذي وصلت به الإنسانية إلى كمالها المنشود في مختلف مناحي حياتها ، سلماً وحرباً ، بغضاً وحباً ، عملاً وقولاً ….
وكأنها من نقطة بدايتها تسير طالبة مولده الشريف ومتلمسة إياه لتنال به كمالها.

فإذا كان الأب (آدم) قد فتح لها الطريق للخروج من الجنة ، فقد كان الحفيد (محمد) فاتحاً لها طريق العودة إليها ، وإذا كان قد تحقق للإنسانية الوجود من خلال الأب ، فقد تحقق لها الكمال على يدي الحفيد صلى الله عليه وسلم ، فكان سبباً في كمالها كما كان أبوه (آدم) سبباً في وجودها.

نعم كان مولده صلوات ربي وسلامه عليه سر الكمال ، به كمل الدين ومن خلاله تمت النعمة ، ولأجله ارتضى الله الإسلام للعالمين ديناً.

ونحن اليوم إذ نحتفل بمولده الشريف يجب علينا أن نتلمس مواطن الكمال في شخصه الشريف وما أكثرها لنسير على دربها إلى أن نرد حوضه الشريف وندخل معه سويا الجنة برحمة رحمن الدنيا والٱخرة.

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا مولانا وقرة عيوننا وسبب نجاتنا محمد بن عبد الله عبدك ومصطفاك وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم ليوم الدين.

زر الذهاب إلى الأعلى