إيهاب عمر يكتب : كيف انقلب تميم على أبيه بتزكية من الشيخة موزة؟
في يونيو 2013 تفاجأت الجماعات الإرهابية المشاركة في دول الربيع العربي بقرار أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بالتنحي عن الحكم لصالح ولي عهده الأمير تميم، وقد خرج حمد وقتذاك في خطاب حاول أن يجعله مؤثرًا ليعلن رغبته في تسليم جيل جديد شاب القيادة في الدوحة.
وليس سرًا أن ما جرى في الدوحة خلال صيف 2013 كان انقلابًا أمريكيًا، ولعل عبقرية الانقلاب الأمريكي في قطر هو أنه جعل كل أطراف الملف القطري محليًا وإقليميًا يظنون أنهم قد أداروا ودبروا ما يفيد مصالحهم في قطر والشرق الأوسط.
عقب تراجع المشروع الإسلامي في مصر وسوريا، رأت إيران أنه يفضل أن تصعد إدارة جديدة في قطر للتعامل معها بدلًا من حمد ورئيس وزرائه الذين ذهبا خلف الخطوط الحمراء لمعاداة طهران في الحرب السورية، كذا السعودية التي رأت أن محاولة قطر التنافس معها إقليميًا في الملف السوري قد تخطت الخطوط الحمراء المتفق عليها في حسابات الخليج منذ عصر العاهل المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود.
وحمد بن خليفة رأى في تنحيته وتسليم السلطة لابنه فرصة من اجل التقاط الأنفاس وفض الاحتقان الدولي حيال قطر بعد أن لعبت دورًا أكبر من حجمها في ملفات الربيع العربي، ولم تستطع أن تؤسس أنظمة إسلامية مستقرة في مصر وليبيا وتونس واليمن أو صناعة دول إسلامية مستقلة في مناطق الجماعات الإسلامية في سوريا والعراق، كما رأى حمد وزوجته الشيخة موزة بنت ناصر أنها فرصة للتخلص من رئيس الوزراء القوي حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني.
أما في واشنطن التي أدارت اللعبة، فإن إدارة باراك أوباما أرادت معاقبة قطبي تنظيم الحمدين، الأمير حمد بن خليفة ورئيس وزرائه حمد بن جاسم، بعد أن أخفقا في تنفيذ المطلوب منهم وتصعيد الإسلام السياسي، بعد أن أيقنت واشنطن أن نظام محمد مرسي في مصر لن يستمر، وأن الجيش السوري الحر في سوريا لن يصنع دولة مستقلة.
ولكن بقى السؤال بلا إجابة، لماذا كان تميم بن حمد هو اختيار واشنطن؟ رغم أن البعض يرى في ذلك بديهية أنه كان ولى العهد ولكن في واقع الأمر أن لقطر تاريخ في تنحي الحكام وانقلابات الشيوخ، وحتى في سنوات حمد فإنه سبق وأن عزل ابنه جاسم عن ولاية العهد في 5 أغسطس 2003 بعد أن شغل جاسم الشقيق الأكبر لتميم هذا المنصب منذ عام 1996، كما تخطى حمد في ترتيب ولاية العهد ابنه الأكبر مشعل والابن الثاني فهد.
لو كان هناك أمير آخر في آل ثاني لديه قبول في واشنطن لما ترددت إدارة أوباما في تسميته وليًا لعهد قطر قبل تنحية حمد لصالح ولى العهد الجديد.
ولكن وثائق الخارجية الأمريكية المفرج عنها في أكتوبر 2020 بقرار رئاسي من ترامب توضح أسباب اختيار واشنطن لتميم من أجل خلافة والده؛ إذ توضح الوثائق أن والدته الشيخة موزة عملت منذ اليوم الأول لوصول هيلاري كلنتون إلى وزارة الخارجية الأمريكية في يناير 2009 إلى مخاطبتها وتزكية نجلها ولى العهد من أجل كسب نفوذ إقليمي ودولي، وأغدقت على هيلاري بكل الإغراءات الممكنة من اجل أن يكسب تميم لدي الإدارة الأمريكية مساحات من التعاون والثقة.
وكانت جريدة تايمز البريطانية قد أشارت بتاريخ 10 سبتمبر 2015 إلى أن الشيخة موزة تواصلت مع هيلاري كلينتون عبر شيري بلير زوجة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، وذلك من دون إخبار رجال الأسرة الحاكمة في قطر، أي زوجها حمد بن خليفة ورئيس الوزراء حمد بن جاسم الذي كان يشغل أيضًا منصب وزير الخارجية أي المسؤول الأول عن التواصل مع الخارجية الأمريكية.
تضم وثائق الخارجية الأمريكية أكثر من 10 وثائق تضم رسائل متبادلة بين شيري وهيلاري، صاحبات الصداقة الوثيقة منذ كان بيل كلينتون يحكم الولايات المتحدة بالتزامن مع وجود بلير على رأس الحكومة البريطانية، حيث توضح شيري أنها على اتصال جيد مع الشيخة موزة، وأن الأخيرة تطلب لقاء هيلاري في أي وقت، ورقم هاتفها الخاص من اجل التواصل معها، وتبدي هيلاري موافقتها دون حماس لفكرة التواصل مع موزة، وقد ظلت الرسائل بين شيري وهيلاري وقد انضمت إليهما هوما عابدين تناقش تطور العلاقات بين هيلاري وموزة، وبدأ تحمس هيلاري لاستمرار التواصل مع زوجة أمير قطر.
الوثيقة هي رقم C05769776 التابعة لحقيبة الوثائق رقم F-2014-20439 بالخارجية الأمريكية، تحمل تطورًا جديدًا في التواصل بين موزة وهيلاري دون أن يعرف رجالات آل ثاني بهذا الاتصال بحسب التايمز البريطانية، حيث تشير شيري إلى رغبة موزة في أن تتعرف الوزيرة الجديدة على تميم ولي عهد قطر من أجل بناء صورة دولية أوسع للأمير القطري الذي يبلغ من العمر وقتها 31 عامًا وأنه قد عين رئيسًا للأمن الغذائي القطري.
شيري تحدثت مع هيلاري حول برنامج الأمن الغذائي القطري وهو جهاز حكومي مخصص لتوفير كافة احتياجات قطر من الطعام نظرًا لأن الدوحة لا تنتج أي شيء وتعتمد بنسبة 100 % على الاستيراد، وأن ميزانية هذا البرنامج 30 مليار دولار، وان الأمير تميم وأمه الشيخة موزة يودان أن تحصل الحكومة الأمريكية على حصة الأسد في هذه الميزانية وتوفر لقطر احتياجاتها الغذائية شريطة أن تجرى مباحثات مباشرة بين تميم وهيلاري في هذا المضمار.
وعلى عكس الاستحسان التدريجي الذى أبدته هيلاري لفكرة التواصل مع موزة، فإن وزيرة الخارجية الأمريكية أبدت موافقة وحماسة فورية للتواصل مع ولى عهد قطر على ضوء الميزانية الضخمة التي تقع تحت يديه، وفى رسالة ثانية يقترح تميم عبر شيري أن تساعد قطر في مشكلة الانسكاب النفطي أو كارثة تسريب النفط قبالة سواحل الولايات المتحدة الأمريكية BP Deepwater Horizon 2010 في خليج المكسيك، وتقوم شيري بإرسال رسالة مجمعة لكل اتصالاتها مع هيلاري إلى بيل كلنتون، ورغم أن الرئيس الأسبق ليس له منصب في الخارجية الأمريكية إلا أن الرسائل محفوظة في سجلات الخارجية الأمريكية وتحديدًا الوثيقة رقم C05773932 التابعة لحقيبة الوثائق رقم F-2014-20439
وبدأت هيلاري في مناقشة تفاصيل زيارة ولى العهد القطري إلى واشنطن بشكل فوري مع موزة وشيري وهوما عابدين، كما يظهر في الوثيقة رقم C05777900 التابعة لحقيبة الوثائق سالفة الذكر.
ويتضح من الوثائق السابقة آليات تسويق الشيخة موزة لتميم داخل الإدارة الأمريكية، من استخدام برنامج الأمن الغذائي وقدرات قطر في قطاع الطاقة سواء النفط أو الغاز من أجل الترويج لتميم باعتباره منقذ سواحل أمريكا في خليج المكسيك من التسريب النفطي، والرجل الذى دفع مليارات للإدارة الأمريكية من أجل حماية امن قطر الغذائي، ما جعل تميم هو أهم أمراء آل ثاني في حسابات البيت الأبيض والخارجية الأمريكية بعد الأمير الحاكم ورئيس وزرائه، ما جعله البديل المناسب للحمدين حينما قرر أوباما إزاحة تلك الكروت القديمة من سدة الحكم في الدوحة.
لعبت الشيخة موزة دورًا مهمًا في تزكية تميم لدى واشنطن من خلف زوجها، في لعبة “انقلاب القصر” تليق بالعصور الوسطى، لنكتشف بعدًا جديدًا لعبقرية الانقلاب الأمريكي في الدوحة، حينما ظنت موزة أنها تنفذ ما تريده بتصعيد تميم إلى سدة الحكم وإزاحة حمد بن جاسم على وجه التحديد، ولكن القرار لم يكن قطريًا أو نابعًا من طموحات موزة بل كان قرارًا أمريكيا خالصًا حدده أوباما بعد فشل قطر في الجولة الأولى من الربيع العربي وتأهب الإدارة الأمريكية لتبعات فشل النظام الإخواني في مصر.