آراءأهم الأخبار

جمال امين يكتب : رحل احمد حرك انبل رئيس تحرير قابلته

ذات يوم رمضاني حار في صيف 1982 ساقني القدر إلى الأستاذ أحمد حرك رئيس تحرير جريدة العمال والنقابي الشهير، وكانت المرة الاولى التي أسمع بها عنه أو أراه، رغم أني كنت اسمع وأتابع شقيقه الإذاعي الشهير بإذاعة القرآن الكريم وقتها الأستاذ عزت حرك.

كنت قد أنهيت خدمتي العسكرية للتو وبدأت رحلتي للبحث عن عمل، التي استهللتها من مبنى مؤسسة الأهرام، حيث التقيت الأستاذ أحمد يوسف القرعي مدير تحرير مجلة السياسة الدولية، التي كنت أود أن أعمل بها، لكن الأستاذ القرعي عندما علم أني لا خبرة لي بالعمل الصحفي وجهني إلى الأستاذ أحمد حرك لبداية حياتي في مهنة البحث عن المتاعب من جريدة العمال التي يصدرها اتحاد عمال مصر، قائلا لي،، جريدة العمال مدرسة صحفية كلنا بدأنا بها، وستقابل أنبل رئيس تحرير تقابله في حياتك.

ورغم أني كنت غير مقتنعا بتوصية الأستاذ أحمد يوسف القرعي لي، وظننته يصرفني، إلا أني كنت مضطرا لتنفيذ وصيته، فلم يكن أمامي سوى ذلك الخيار.
خرجت من مبنى مؤسسة الأهرام متوجها إلى مبنى اتحاد العمال، حيث جريدة العمال، وما أن دلفت إلى داخل المبنى وصعدت عددا من درجات السلم الرخامية البيضاء، حيث استوقفني موظف الاستقبال والأمن،،إلى أين يا استاذ؟ رددت عليه: الأستاذ أحمد حرك، قال لي: في الدور السابع . ما أن وطأت قدماي الدور السابع خارجا من ،،الأسانسير،، إلا و صافح أذناي صوت جهوي، سألت قالوا لي إنه الأستاذ أحمد حرك، مكتبه في الغرفة الأخيرة في الجناح الأيسر للسلالم الرخامية والأسانسير، ، تملكني شعور بالخوف، لكني واصلت التوجه إلى مكتبه وكان هو يتحدث من هاتف المكتب إلى شخص ما على الطرف الآخر.

طرقت الباب مستأذنا بالدخول فأومأ إلى بالدخول والجلوس على الكرسي الجلد الرصاصي اللون المواجه لمكتبه ، ظجلست وعندما أنهى مكالمته رحب بي فعرفته بنفسي وأني من طرف الأستاذ احمد يوسف القرعي،فرحب بي مرة أخرى وقال انت من الآن انضممت إلى قافلة “العمال”فلتبدأ على بركة الله عملك الآن بأول مهمة صحفية، وستكون بصحبة المصور المخضرم نبيل السمالوطي، مصور الجريدة، إنزل الآن إلى الجراج أسفل المبنى ستجد سيارة بها بعض من شباب الكشافة العمالية متوجهين إلى مدينة العاشر من رمضان، لإقامة أمسية، سيتم فيها تكريم بعض الشخصيات هناك، احضر معهم الامسية المناسبة، وسجل وقائعها بالورقة والقلم واكتب لي تقريرا صحفيا متكاملا عن الحدث، وأراك إن شاء الله غدا.

كان ذلك التكليف الأول لي على الاطلاق في عالم الصحافة، كنت أدرك قيمة الفرصة التي منحني إياها الأستاذ أحمد حرك، وأدركت أيضا أن إتقان أداء تلك المهمة سيترتب عليه مستقبلي المهني، فكنت حريصا على كتابة كل شاردة وواردة لتضمينها في التقرير، كما كنت حريصا على أن أكون لبقا و ودودا مع الحضور، لأني توقعت أن يسألهم عني.

وعندما حضرت في اليوم التالي لكتابة التقرير وتسليمه للاستاذ أحمد حرك، استقبلني بترحاب شديد يشعرك أنك أحد أفراد أسرته وأنك تعرفه منذ زمن، يستقبلك بحفاوة وحرارة تذهب عنك رهبة اللقاء، و تشجعك على المزيد من العطاء والتفاني والعمل .

توالت التكليفات لي من الأستاذ أحمد حرك، وكانت كتاباتي تجد اهتماما كبيرا من جانبه، بعد أن أبلغه رئيس قسم الأخبار الأستاذ محمد حسن الجندي، ورئيس قسم التحقيقات الأستاذ حمدي عبدالعزيز، رحمه الله، أني شاب واعد. على حسب قولهم.

عرفت في الأستاذ أحمد حرك، الإنسان الودود، البار بأهله، المحب للناس المشجع للشباب، وعندما علم أني أسكن بالقرب منه في نفس المنطقة التي يقطنها كان يصر أن يصطحبني في سيارته إلى باب العمارة التي يسكنها، في نهاية يوم عمله، وكان يستمتع أن يحكي لي الكثير من الحكايات التي تتضمن الخبرات الحياتية التي مر بها لأستفيد منها.

قضيت في جريدة العمال أكثر من عام تقريبا تدربت خلالها على فنون العمل الصحفي، وعندما أحسست أني تمكنت إلى حد ما من المهنة استأذنت الأستاذ أحمد في العودة مرة أخرى للأهرام بحثا عن فرصة بها، فشجعني عندما علم أن وجهتي هي مجلة الأهرام الاقتصادي،، داعيا لي بالتوفيق ومذكرا لي بالتعاون فباب ،، العمال،، مفتوح لي في أي وقت.

رحم الله الأستاذ الكبير و الأب الحنون أحمد حرك، الصحفي و رئيس التحرير الإنسان، الذي تبنى كثيرا من الصحفيين الشباب، في بداياتهم، إلى أن أصبحوا صحفيين كبارا يشار إليهم بالبنان.وأعترف ولي الشرف أني أحد هؤلاء،أنا وزملائي الأساتذة، مع حفظ الألقاب : محمد الحداد، محمود عبدالقادر،الأهرام، ومحمد عبدالهادي رئيس تحرير الأهرام السابق.واسماعيل محمد اسماعيل.
و جزى الله الأستاذ أحمد حرك خير الجزاء وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، مع النبيين والصديقين و الشهداء وحسن أولئك رفيقا.

بقلم : جمال أمين
صحفي بالأهرام ، و عكاظ ،،سابقا.

زر الذهاب إلى الأعلى