عايدة عوض تكتب : تخفيف الضغوط النفسية خلال الحظر

الفترة الحالية – ويبدو انها لفترة قادمه غير قصيرة – سيكون اغلب سكان العالم تحت التباعد المجتمعي social distancing وهذا يضع عبئ كبير على اي مواطن، ناهيك شعب بأكمله يعشق الاختلاط وخصوصاً في المناسبات كانت دينية او احتماعبة. المصريين في الفترة الحالية والقادمة يشعرون بذلك بالأخص لانه وقت أعياد ومناسبات اجتماعية كثيرة تمس كل المصريين.

ابتدأ من اسبوع الآلام وحتى عيد القيامة للمسيحيين الشرقيين في يوم الأحد ١٩ ابريل، الى يوم احتفال قومي للمصريين كلهم وهو عيد شم النسيم يوم الاثنين ٢٠ ابريل ، ووصولاً الى الجمعة ٢٤ ابريل وبداية شهر رمضان الذي احدى سماته المميزة هى الاجتماعات العائلية مع الأهل والأصدقاء للتعبد وللاحتفال.

والحرمان من هذه التقوس المحببة لقلب كل مصري قد اصابت المصريين بضغوط نفسية غير قليلة، وخصوصاً انها تتواكب مع وصول تطور الفيروس في البلاد الى الذروة.

وهذه الفترة الأكثر خطورة في تطور الفيروس لانه ان لم تتحكم البلد في السيطرة عليه سينتشر بشكل قوي جداً ويصيب الأجهزة المعنية بمحاربته بعدم القدرة على مواجهته كما حدث في ايطاليا وكان عليها الاستعانة بروسيا لانقاذها وإعادة السيطرة على مدى انتشاره. ومصر لا تريد ذلك لنفسها لانه سيعنى اننا قد فشلنا كشعب وحكومة في السيطره على مقدراتنا. أتمنى ان لا يحدث ذلك وأننا نتجاوزها بسلام.

اجتياز هذه الفترة بسلام يعتمد على قدرة كل واحد منا على التحكم في النفس والإدراك ان علينا كأفراد مسؤلية الالتزام بكل ما هو يعمل على حماية البلد من هذا الشر. اكثر شئ مدمر هو عندما يفكر اي واحد : هي يعني جات عليّا انا. لانه غير واعى انها فعلاً “جات عليه هو” لان من يفكرون مثله هم ملايين ولذا فأصبح العدد خطير.

اول شئ لابد من عمله للتخلص من الضغط النفسي هو التحرك البدني. بدأت برامج كثيره تبث لتمرينات يمكن عملها في البيت دون الحاجة لأي نوع من المعدات وخصوصاً لكبار السن. وهذا ما شرحته احدى المسؤلين في بريطانيا عن اهمية التحرك البدني وشبهت الجلوس لفترات طويله الان في البيت بخطورة التدخين. ولذا أعطت بعض التمرينات البسيطه جداً لكبار السن والتي يمكنها ان تقيهم اولاً من الإكتئاب المصاحب للضغط العصبي، وثانياً من تدهور الصحة وزيادة الوزن المصاحب للاكتئاب.

من اهم اثار التحرك الجسماني هو إفراز المخ لمادة الاندورفين والتي تعمل على ضبط المزاج وتحسين النفسية وبذلك نجد ان هناك ارتباط قوي بين الحركة والتمارين الجسدية والمزاج والحالة النفسية. وارتفاع المزاج والتخفيف من الضغوط النفسية بالتالي يعطي الطاقة التي تساعد على التحرك. أذا هى حلقة مفرغة لابد وان نكسرها بعزيمة نابعة من المعرفة بالفائدة التي ستعود علينا عندما نثابر في ممارستها.

لسنا مجبرين على المكوث في البيت طوال النهار. فمن الساعة السادسة صباحاً الى الثامنة مساء يمكن لنا الخروج دون التزاحم ، فعلينا اختيار الوقت المناسب حيث لا يوجد أعداد من الناس في الشوارع للنزول والمشي بجدية لمدة نصف ساعة. هذه النصف ساعة ستكون بمثابة العلاج الجسدي والنفسي الذي تحتاجه كل يوم لانك بالحركة سيفرز جسدك الاندورفين الذي يحسن المزاج، وبتغير المنظر بالخروج للشارع ستشعر بالتجديد وهذا يساعد في التخلص من الإكتئاب المصاحب للضغط النفسي.

الموسيقى من اهم العوامل في علاج الضغط النفسي. لم تسمى غذاء الروح من فراغ. لو تمكنت من تكريث نصف ساعة في اليوم للاستماع الى الموسيقى ستشعر بفرق كبير جداً في حالتك النفسية.

اي نوع من الموسيقى سيفي بالغرض. وكلما تنوعت كلما اثارت مشاعر مختلفة لديك وزادت من التنوع في حياتك التي قد شعرت انها أخذت طابع روتيني ممل بالشعور بالحبس في البيت. طبعاً الموسيقى الخفيفة التي لها إيقاع سريع او حتى وطني لها اكبر الأثر في رفع الروح المعنوية. بالنسبة لي أغنية بشرة خير تقوم بعمل السحر في رفع معنوياتي وحتى على القيام والتحرك.

وليست الموسيقى فقط هي التي تخفف من الضغط العصبي فمن اهم العوامل التي تبعث على الخروج من دائرة الضغط هى الضحك. وبما انك بتقرأ الكلام هذا هنا الان فهذا يعني ان لديك المقدرة على البحث عن مواقع النكات على السوشال ميديا، فعليك بالبحث عن الموقع الذي يعجبك ولا مانع من متابعته كل شوية.

وتبادل النكات على السوشال ميديا اصبح الان واجب وطنى في هذه الأيام فقوم بواجبك الوطن بنشر البهجة للجميع وشارك النكات التي ترى انها فعلاً تبعث على الضحك.

من اكبر المشاكل التي نواجهها جميعاً في هذه الفترة التي نمضي فيها وقت طويل في البيت هى كمية الأكل. وهذه مشكلة حقيقية لان زيادة الأكل احدى علامات الضغط النفسي والإحباط والاكتئاب.

 

دائماً يمكني قياس حالتى النفسية من وزني، كلما زاد كلما ادركت مدي الإكتئاب الذي يعتريني. وبالرغم من إدراكي العقلاني لذلك فهذا لا يساعد على تخطيه. ما احتاجه، واعتقد نحتاجه جميعاً ، هو إرادة وعزيمة على الحد من نوعيات المأكولات التي نترك فيها العنان لانفسنا في التمادي فيها. وأكثرها اغراء هى التسالي والحلويات. وبما ان رمضان على الأبواب فسيكون هذا احد اهم التحديات في الفترة القادمة كي لا يزيد وزننا بشكل غير صحي.

مع علاج البدن والمزاج لابد ان لا ننسى الجزء الثالث والذي قد يكون الأهم في المعادلة التي هى الانسان. الإشباع الروحي والذهني. قد نكون قد لمسنا جزء بسيط منه بالموسيقى ولكن الإشباع الحقيقي لا يأتي الا من المعرفة لإشباع العقل ومن التعبد لإشباع الروح.

نمر الان في مصر بأحد اهم الأوقات الدينية بالنسبة للمسيحيين ويشعرون بالحرمان الشديد لعدم إمكانهم من التعبد داخل الكنائس في هذه الفترة الهامة بالنسبة لدينهم ولكن بدأت الكثير من الكنائس تؤسس مواقع على الإنترنت لمتابعة الشعائر الدينية عليها. قد لا يفي هذا بالغرض لانه يحرم المسيحيين من التناول ولكنه على الأقل ينقل المشاعر بأسبوع الآلام الى اكبر عدد من الموجودين في بيوتهم ويشعرون بالتقرب الى ربهم عبر هذه القنوات.

اكتب هذه الكلمات يوم الجمعة الحزينه وهو من اهم الأيام في الديانة المسيحية لانه يوم صلب المسيح ومات على الصليب لكي يفيدنا بعذابه ومماته من الموت الأبدي ويخلصنا من ذنوبنا وهذا اليوم نمضيه بالكامل في الصلاة في الكنيسة ، ولكن ليس هذا هو الحال هذه السنة. عزائ أني امضي وقتي هذا في محاولة مساعدة الغير بما اكتبه. ولكن قامت الشرطة في الإسكندرية ببث جزء من قداس يوم الجمعة هذه في الشارع مما اعطي المسيحيين شعور قوي بانهم يتابعون القداس حتى في بيوتهم. كم أنت جميل يا شعب مصر.

القراءات الدينية والتعبد الشخصي ومناجاة الرب المباشرة بين الانسان وربه هي احدى اهم الوسائل الروحانية التى تدخل السكينة للنفس البشرية.

وفي الاسبوع المقبل سيكون الدور على المسلمين المرور بهذه المشاعر. رمضان كريم.

اكيد علماء النفس لديهم الكثير من النصائح لكيفية المرور بهذه الأيام بالطريقة التى تعود علينا بالنفع وتقلل من الأضرار ولكنى اجد ان من اهم الأشياء التي يمكنا عمله هو إيجاد روتين جديد لحياتنا لان هذا الروتين يعطى الانسان الإحساس بان حياته منظمة ولها هدف وعندما يصل الى الهدف يشعر بالراحة النفسية والرضا عن النفس.

علينا وضع أهداف قصيرة المدى مثل إنجاز عمل مؤجل في خلال يومين، حتى لو فعلاً انجز نشعر بفرحة هذا الإنجاز مهما كان صغير. تضع لنفسك هدف قراءة كتاب في خلال ١٠ أيام، والتخلص من ٢ كيلو من الوزن في خلال اسبوع. وعندما تنجز ذلك تجد لذه في تحدي نفسك الى أعمال اكبر، وتجد انه دائماً لديك شئ تنظر اليه وتنتظره.

واخيراً قد يكون التحكم في النفس وفي الغضب من اهم الإنجازات التى تسهل المعيشة لانك لست وحدك الذي تمر بهذه الضائقة بل كل من حولك، البلد كلها، تمر بنفس الضغط ولذا لابد ان نكون مقدرين للغير.

من يفقد أعصابه فعلينا جميعاً تقدير ما يمر به لانه اكيد سيجئ الدور علينا فعلى الباقي تقدير ذلك ايضاً. من اهم المشاعر التي يجب ان نمارسها في هذه الأيام هى التسامح والتعاطف لاننا كلنا نمر بنفس الظروف وكلنا تحت ضغوط عصبية مختلفة لكن تأثيرها واحد.

حفظ الله مصرنا الحبيبة وأبناءها الواعين

زر الذهاب إلى الأعلى