مني عزت تكتب : الاتفاقية 190 ترسم خريطة طريق للقضاء على العنف والتحرش في عالم العمل

عام مضى على صدور الاتفاقية 190 الخاصة بالقضاء على العنف والتحرش في عالم العمل الصادرة عن منظمة العمل الدولية في يونيه 2019، ولم تأخذ هذه الاتفاقية حقها من النقاش والاهتمام في مصر رغم أهميتها، فهي اتفاقية شاملة، وتعاملت مع ظاهرة العنف والتحرش باعتبارهما “شكل من أشكال انتهاك حقوق الإنسان”، ويمثل العنف والتحرش تهديد لتكافؤ الفرص و اعتبرهما ظاهرة غير مقبولة وتتنافى مع العمل اللائق.

وفي حالة التصديق على هذه الاتفاقية  سوف  يكون مكسب كبير، وسند قوى يمكن على أساس بنود هذه الاتفاقية  توفير الحماية للنساء والرجال في عالم العمل، ويصبح لها قوة القانون وذلك بموجب المادة 93 من الدستور  التي تنص على أن “تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقا للأوضاع المقررة.

فثمة احتياج لهذه الاتفاقية حيث لا تنص قوانين العمل على  تجريم العنف والتحرش في أماكن العمل ، وأجري تعديل على قانون العقوبات عام 2014 تم أضافة مادة تجرم العنف الجنسي ومنها العنف في الأماكن المطروقة، ويمكن الاستفادة من هذا التعديل في تجريم العنف في عالم العمل، ورغم أن هذا التعديل إيجابي ويمكن الاستفادة منه لكنه غير كافي، لأن هذا التعديل يتعامل مع الجريمة بعد وقوعها، ما نحتاج له هو منع وقوع الجريمة والزم أطراف العمل (الحكومة – أصحاب الأعمال – التنظيمات النقابية) بإجراءات محددة  من أجل بيئة عمل أمنة وآليات للشكوى والمحاسبة .

وفي حالة تطبيق هذه الاتفاقية سوف تساعدنا على أن يكون لدينا رؤية متكاملة للقضاء على العنف في عالم العمل، وهذا ما نناقشه تفصيلا في السطور التالية:

– شمل التعريف جميع انواع العنف التي يمكن أن يتعرض لها الرجال والنساء في عالم العمل وهى الجسدي والنفسي و الاقتصادي والجنسي.

– توسيع نطاق الحماية في الاتفاقية على كل الأماكن التي تتعلق بجميع مراحل العمل، وليس داخل جهة العمل فحسب فعلى سبيل المثال المأموريات و السفر وجميع الأنشطة  خارج المنشأة والمتعلقة بالعمل، وأثناء الذهاب والعودة من العمل ، أيضا اثناء اجراء اتصالات عبر وسائل التكنولوجيا المختلفة ، على أن ينطبق ذلك في القطاعين العام والخاص، أيضا العمل المنظم وغير المنظم في الريف والحضر، وبالتالي لم يعد بيئة العمل الأمنة  قاصرة على داخل المنشأة فحسب بل يمتد ويشمل كل ما يتعلق بالعمل .

– تحدد المبادئ الأساسية  للاتفاقية مسئولية أطراف العمل الثلاثة الحكومة وأصحاب الأعمال والتنظيمات النقابية، في اتباع نهجا شاملا ليس للتصدي فحسب بل المنع والقضاء وهذا يتطلب اتخاذ اجراءات استباقية تحول دون وقوع جريمة العنف، وليس الاقتصار على المحاسبة بعد وقوع الجرم، وهذا يؤكد ما أشرنا إليه أعلاه من أن التعديل الذي أجرى على قانون العقوبات بتجريم العنف الجنسي هو تعديل ضروري وإيجابي لكن قضايا العنف تحتاج إلى تدخلات أوسع وأشمل للقضاء على هذه الجريمة وهذا ما تقدمه الاتفاقية.

حيث تلزم أطراف العمل الثلاثة بتطبيق قانون يجرم العنف والتحرش ويتزامن مع ذلك استراتيجية للمنع، وإرساء آليات للإنفاذ والرصد والمتابعة والتقييم، أي لا نكتفي بالقانون والاستراتيجية بل يجب التأكد من  انفاذ القانون وتطبيقه بما يحقق الغرض من أصدراه، وأن السياسات التي تنص عليها الاستراتيجية قابلة للتنفيذ وفقا لخطط زمنية وموارد مالية تضمن تحقيق أهداف ونتائج محددة يمكن قياسها للتأكد من الإنجاز، على أن يتم ذلك دون تمييز بين المعرضين للعنف، ويتم تأهيل والتدريب للقائمين على التنفيذ القانون والاستراتيجية.

فعلى سبيل المثال سوف يتعين على جهات العمل الحكومية تضمين هذه الاستراتيجية ضمن خطط عمل وحدات تكافؤ الفرص في جميع الوزرات والهيئات الحكومية، و تدريب إدارة الموارد البشرية وشئون العاملين في القطاع الخاص، أيضا دمج هذه الاستراتيجية في برامج عمل النقابات وخاصة نقابات العمالة غير المنظمة.

– يتطلب تفعيل نهج الحماية والمنع أن تقوم الدولة مع منظمات أصحاب الأعمال والنقابات بتحديد أماكن العمل الأكثر عرضه للعنف والتحرش، لأن هذه الأماكن تحتاج إلى تدخلات أشد،  كما يجب ان تتضمن اجراءات الصحة والسلامة المهنية  مراعاة الأضرار النفسية والاجتماعية الناتجة عن التعرض للعنف والتحرش في عالم العمل، وهذا سوف يحتاج إلى تدريب وتأهيل للقائمين على مراقبة إجراءات الصحة والسلامة المهنية و تعديلات في اختصاصاتهم، كما ايضا يجب ان يتلقى العمال والعاملات التدريبات اللازمة في هذا الشأن ويراعي أصحاب الأعمال ذلك داخل المنشأة .

– النساء في مجال العمل تكون محاصرة بين سلطة صاحب العمل والثقافة الذكورية التي تقهر النساء وتفرض هيمنه ذكورية تجعل موازين القوى لصالح الرجال، وتؤثر على قدرة النساء على مقاومة ما تتعرض له من عنف، خوفا من تواطؤ المجتمع المحيط بها فيتم تحميلها مسئولية تعرضها للعنف، أو أنها تضطر الصمت خوفا من عقاب في حالة إذا كان رئيسها في العمل هو الجاني ويصل الأمر ان تفقد فرصة عملها، أو لعدم تطبيق اجراءات حماية داخل أماكن العمل أو عدم معرفتها بالقانون، وبناء عليه نص الاتفاقية على آليات للشكوى أمنة وتحافظ على الخصوصية وسلامة وحماية الناجية والشهود هو أمر بالغ الأهمية، ويعتبر الأجراء الاساسي الذي في حالة عدم توافره يتسبب في إفلات الجاني من العقاب، واستمرار هذه الجريمة .

وأشارت الاتفاقية إيضا إلى ضرورة اتباع هذه القواعد في جميع مراحل التقاضي، وهذا يعود بنا مجددا إلى اهمية التدريب والتأهيل ودمج سياسات النوع الاجتماعي داخل أماكن أنفاذ القانون والقضاء من اجل تحقيق العدالة والانصاف.

– من الايجابي نص الاتفاقية على انعكاس العنف المنزلي على عالم العمل، وهذه مسألة منطقية لأن ثمة تقاطع بين العنف في المجالين العام والخاص، ووجود علاقة تأثير وتأثر ، فعلينا أن نتخيل عاملة تعرضت لعنف زوجي ضرب أو إهانة كيف سوف يكون حالها في العمل بالـتأكيد الأثار النفسية سوف تنعكس على انتاجيتها وطريقة تعاملها في العمل، وربما تكون شديدة التوتر أو انطوائية أو عصبية والعكس وارد أن يحدث في حالة التعرض للعنف داخل أماكن العمل يمتد أثره داخل المنزل،

وهنا أحدثت الاتفاقية نقلة مهمة أن القهر الذي تتعرض له النساء في المجالين العام والخاص هو مسئولية مجتمعية وقضية لا يجب غض البصر عنها وأن اجراءات الحماية يجب ان تشمل العنف في المجالين العام والخاص .

– من اشكال الحماية والنفاذ و الانصاف التي نصت عليها الاتفاقية هي الإقرار بآليات تسوية النزاعات داخل أماكن العمل، بالتأكيد أماكن عمل التي تقر آليات للحوار والتفاوض، وتخلق تفاعل وتواصل اجتماعي ، هي بتخلق بيئة عمل مؤاتيه يمكن أن يطبق من خلالها سياسات للحماية من العنف والتحرش، وتقدم الاتفاقية بذلك  تصور متكامل لبيئة العمل الأمنة والمحفزة للرجال والنساء.

أن ما تقدمه هذه الاتفاقية يستوجب العمل من أجله ليس من اجل النساء فحسب لكن من اجل عالم عمل أمن للرجال والنساء، في القطاعين المنظم وغير المنظم ، لكن يبدو أن الطريق طويل فكما ذكرنا اعلاه عدم نص قوانين العمل على تجرم التحرش كما شكلت وزارة القوى العاملة لجنة عام 2014 لصياغة مشروع قانون للعمل وتضمن المشروع مادة تجرم العنف في عالم العمل وعندما وصل المشروع للبرلمان بدأت تتداول نسخ أخرى للمشروع بدون النص على مادة تجريم العنف، وهذا يفرض مهام على كل من يؤمن بالعدالة وتكافؤ الفرص من جهات حكومية ومجتمع مدنى يعمل على ان نصدق علي   هذه الاتفاقية التي تمكنا من وجود خريطة طريق للقضاء على العنف والتحرش في عالم العمل .

بقلم : مني عزت مديرة برنامج النساء والعمل في مؤسسة المرأة الجديدة

زر الذهاب إلى الأعلى