آراء

وكيل وزارة اوقاف الفيوم د. حسنى ابوحبيب يكتب :ﺃﻓﻀﻞ اﻟﺤﺴﻨﺎﺕ لا إله إلا الله

“فاعلم أنه لا إله إلا الله” (محمد: 19).أمر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بالانقطاع إلى تلك الكلمة القدسية ، والاستغناء بها عمن سواها ، فهي أفضل الحسنات ، وأم العبادات ، وأصل الطاعات.

بها قام الدين ، ولها خلقت الجنة ، وبها تفتح ، خير شهادة ، ومنها تتفجر ينابيع السعادة ، وهي للدين أس وأصل ، ولشجرته ساق وجذر ، ولفسطاطه عمود ووتد ، أعلى شعب الإيمان وأفضلها.

لا يدخل أحد الدين إلا بها ، ولا يخرج عنه إلا بجحودها ، تكفي من تحقق بها ، وأخلص لها ، بها نطق الكتاب ، وعليها دارت السنة ، من قالها دخل الجنة.

قال عنها ابن القيم رحمه الله في زاده: “لِأجلها نُصِبَت الموازين ، ووُضِعت الدواوين ، وقام سوق الجَنّة والنار ، وبها انقسمت الخَليقة إلى المؤمنين والكفار ، والأبرار والفجار ، فهي منشأ الخلق ، والأمر ، والثواب ، والعقاب ، وهي الحقّ الذي خُلقت له الخَليقة ، وعنها وعن حقوقها السؤال والحساب ، وعليها يقع الثواب والعقاب ، وعليها نُصبت القِبلة ، وعليها أُسّست المِلّة ، ولِأجلها جُرّدت سيوف الجهاد ، وهي حقّ اللهِ على جميع العباد”.

هي الحسنة التي قال الله فيها: “من جاء بالحسنة فله خير منها”. جاء في تفسير القرطبي عن ﻋﻠﻲ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻢ أنه قال: ﻏﺰا ﺭﺟﻞ ﻓﻜﺎﻥ ﺇﺫا ﺧﻼ ﺑﻤﻜﺎﻥ ﻗﺎﻝ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ ﻭﺣﺪﻩ ﻻ ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻪ، ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺃﺭﺽ اﻟﺮﻭﻡ ﻓﻲ ﺃﺭﺽ ﺟﻠﻔﺎء ﺭﻓﻊ ﺻﻮﺗﻪ ﻓﻘﺎﻝ: ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ ﻭﺣﺪﻩ ﻻ ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻪ ، ﻓﺨﺮﺝ ﻋﻠﻴﻪ ﺭﺟﻞ ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺱ ﻋﻠﻴﻪ ﺛﻴﺎﺏ ﺑﻴﺾ ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ: ﻭاﻟﺬﻱ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﻴﺪﻩ ﺇﻧﻬﺎ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺎﻝ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ عنها: “ﻣﻦ ﺟﺎء ﺑﺎﻟﺤﺴﻨﺔ ﻓﻠﻪ ﺧﻴﺮ ﻣﻨﻬﺎ” (النمل: 89).

ﻗﺎﻝ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ: ﺃﻱ ﻭﺻﻞ ﺇﻟﻴﻪ اﻟﺨﻴﺮ ﻣﻨﻬﺎ، ﻭﻗﻴﻞ: ﻓﻠﻪ اﻟﺠﺰاء اﻟﺠﻤﻴﻞ ﻭﻫﻮ اﻟﺠﻨﺔ. ﻭﻟﻴﺲ” ﺧﻴﺮ” هنا ﻟﻠﺘﻔﻀﻴﻞ ، إذ لا شيء خير منها.

وهي كفيلة بمحو كل سيئة مهما بلغت ، عن أبي ذر رضي عنه قال: “قلت يا رسول الله علمني عملاً يقربني من الجنة ويباعدني من النار. قال: إذا عملت سيئة فاعمل حسنة فإنها عشر أمثالها. ﻗﺎﻝ: ﻗﻠﺖ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺃﻣﻦ اﻟﺤﺴﻨﺎﺕ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ؟ ﻗﺎﻝ: ﻣﻦ ﺃﻓﻀﻞ اﻟﺤﺴﻨﺎﺕ” ﻭﻓﻲ ﺭﻭاﻳﺔ ﻗﺎﻝ: ﻧﻌﻢ ﻫﻲ ﺃﺣﺴﻦ اﻟﺤﺴﻨﺎﺕ كفؤاً” (حلية الأولياء).

وهي الكلمة الطيِّبة المضروبة مثلاً في القرآن الكريم ؛ إذ يقول تعالى: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ﴾ (إبراهيم: 24). ﻗﺎﻝ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ: اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻄﻴﺒﺔ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ ، ﻭاﻟﺸﺠﺮﺓ اﻟﻄﻴﺒﺔ اﻟﻤﺆﻣﻦ.

من كانت آخر كلامه فاز بالجنة ، ومن ختمت بها حياته أمن النار ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ رضي الله عنه ، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: “ﻟﻘﻨﻮا ﻣﻮﺗﺎﻛﻢ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ الله ، ﻣﻦ ﻛﺎﻥ آﺧﺮ ﻛﻼﻣﻪ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﺪ اﻟﻤﻮﺕ ﺩﺧﻞ اﻟﺠﻨﺔ ﻳﻮﻣﺎ ﻣﻦ اﻟﺪﻫﺮ ﻭﺇﻥ ﺃﺻﺎﺑﻪ ﻗﺒﻞ ﺫﻟﻚ ﻣﺎ ﺃﺻﺎﺑﻪ” (موارد الظمآن إلى زائد ابن حبان).

وهي القول الثابت الذي يثبت الله به من أراد رحمته من عباده ، قال تعالى: “يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة” (إبراهيم: 27).

وأختم بما قاله سلطان العاشقين ابن الفارض رحمه الله تعالى فيها:

وإنْ خَطَرَتْ يَوماً على خاطِرِ امرِئ . أقامَتْ بهِ الأفْراحُ، وارتحلَ الهَمُ

ولو نَظَرَ النُّدمانُ ختْمَ إنائِها

لأسكرهمْ منْ دونها ذلكَ الختمُ

ولو نَضَحوا مِنها ثَرى قَبْرِ مَيتٍ

لعادَتْ إليهِ الرُّوحُ، وانْتَعَشَ الجسْمُ

ولو طرحوا في فئِ حائطِ كرمها

عليلًا وقدْ أشفى لفارقهُ السُّقمُ

ولوْ قرَّبوا منْ حلها مقعدًا مشى

وتنطقُ منْ ذكري مذاقتها البكمُ

ولوْ عبقتْ في الشَّرقِ أنفاسُ طيبها

وفي الغربِ مزكومٌ لعادَ لهُ الشَّمُّ

ولوْ خضبتْ منْ كأسها كفُّ لامسٍ .لما ضلَّ في ليلٍ وفي يدهِ النَّجمُ

يقولونَ لي صفها فأنتَ بوصفها خَبيرٌ

أجَلْ! عِندي بأوصافِها عِلْمُ

صفاءٌ، ولا ماءٌ، ولُطْفٌ، ولاهَوًا

ونورٌ ولا نارٌ وروحٌ ولا جسمُ

تقدَّمَ كلَّ الكائناتِ حديثها

قديمًا ولا شَكلٌ هناكَ، ولا رَسْمُ

وقامَتْ بِها الأشْياءُ، ثَمّ، لحِكْمَة

بها احتجبتْ عنْ كلِّ منْ لا لهُ فهمُ

اللهم حققها في قلوبنا واجعلنا من أهلها وأدخلنا بها جنتك ونجنا بها من نارك يا أرحم الراحمين.

yoast

زر الذهاب إلى الأعلى