منوعات

يوميات قلم امرأة من الشمال تكتبها: مليكة الجباري

لم تكن شخصية من ورق هلامي ،كانت امرأة في عقدها الرابع. كلما لمحتني قادمة تختلس النظر إلي من شرفة قريبة. كانت سباقة دوما للصعود بمفردها في انتظار جرس بداية حصص الدروس.
ربما هو نوع من الهروب المقنع.

قمحية الملامح ،لا تفصح عن رغبتها في الكلام ،موزعة بين محطات عمرها .تاريخ لا تسمح لأحد بفهم معماره.
مجندة…. ثمة شيئ تحكيه وقفتها تلك.

أقتنص كل هذا ،وأنا أمر بجوارها قاصدة حجرة الدرس. طقوس تحية الصباح، والمساء لا تسقطها من أجندتها .

أرفع أنا يدي ردا على تحيتها ،متجاهلة عزلتها.
احتراما لصمتها ،ولأني ربما حفظت طيلة خمس أشهر موقعها الجغرافي وسط الجماعة.

الإنشقاق في حجم عزلتها نوع من الإدمان على هروب موقوف التنفيذ.
كصفصافة ،لا تخبرك كم هو عمق مساحة جذورها ،تستقبل الشمس في شروقها وغروبها ولا تعلم في أي زمن ودعت صهيل الحياة.
كنت بحدسي أعرف أنها تراقبني وتتصيد فرصة الحديث إلي بعيدا عن عيون الجماعة.

لم أشجعها …..هو نوع من الصبر في استقبال تواصلها برغبة نابعة من قرارها ، وتنمية الشعور بالأمان لديها لنسف أسوار التردد بداخلها.
هكذا ..هو الإنسان بفطرته يسكنه الخوف من المجهول
كيفما كانت طبيعته.
حتى كان هذا المساء ،ابتسمت لي وأنا أتجاوزها .
سمحت بفسحة طافحة بالرغبة لتمد إلي حزمة من الأوراق البيضاء.
الكمامة تخفي النصف السفلي من وجهها، بينما النصف العلوي يتمردعلى حصن الصمت في عينيها ،تنفست بصعوبة وكأنها تجر الكلام جرا …
-أنت تكتبين…. ؟
قلت هامسة : هي حياة أخرى…
استرخت في وقفتها ،قائلة:
قرأت قصيدة لك ،القيود تسلسل معانيها…

ضحكت ،حتى ومضت ملامح الحياة على ملامحها، كطفلة ترغب في إعادة ترتيب الدمى في غرفتها…
نظرت إلى الأوراق البيضاء
قلت ماذا تعني… ؟
كشمس تنحدر على هضبة قريبة ،تقاوم الغروب
قالت:بلكنة أمازغية
مقدمة (طامطوط،إتعبن)
أوروفيخ،أگدمي تساولخ…و تململت في وقفتها ،هاربة من نظرات تعجب تمططت كجسم بارد بيننا..
اكتبيني….قالت
نعم اكتبيني …. البقية سأرسلها لك كل يوم.
دخلت حجرتها مسرعة،وانصرفت بدوري إلى حصة الدرس .
في غرفتي، زرعت نظراتي في السقف ،أتأمله وأعيد تركيب سيناريو اليوم .
من يحكي قصته للآخر… ؟
هل أنا أنامل الحكاية… ؟
أم هي الحكاية المكتوبة دون أنامل …؟
أم هو واقعنا المقلق ،ينتظر من ينصت إليه ،عندماتبعد فينا الغربة حد الإغراق في البحث عن بعضنا البعض.
كل الأسئلة بصوت امرأة قادمة من الشمال والحكاية امرأة قادمة من الأطلس…
من هنا قد تبدأ الرواية.

زر الذهاب إلى الأعلى