آراءأهم الأخبار

إيهاب عمر يكتب : 25 يناير.. والمؤامرة الأمريكية

 

لم تبدأ احداث 25 يناير 2011 في ذلك اليوم في السويس او القاهرة، ولكن البداية كانت أواخر تسعينات القرن العشرين، حينما شهدت الأراضي الامريكية سلسلة اجتماعات بين كافة ساسة ونشطاء ومنظرو تيار المحافظين الجدد الأمريكي داخل الحزب الجمهوري، من اجل وضع مشروع “القرن الأمريكي الجديد”.

 

افضت تلك الاجتماعات الى حزمة من التوصيات أصبحت لاحقاً هي برنامج إدارة الرئيس جورج بوش الابن، تضمنت إشارات الى ان المعادلات الامريكية للتعاطي مع الشرق الأوسط قد انتهت مع انتهاء الحرب الباردة، وان إدارة الديموقراطي بيل كلنتون استكملت المهام الأمريكي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة لتفكيك وتصفية الاتحاد السوفيتي ويوغوسلافيا.

 

 وحان الوقت لان تبدأ أمريكا في التخطيط للهيمنة على العالم في القرن الجديد، ما بين عامي 2000 و2100، ووضع قائمة بالمنافسين من اجل القضاء عليهم.

 

وضمت القائمة روسيا ما بعد بوريس يلتسن، والصين التي تحتفظ بالصيغة الشيوعية ليس بشكل أيديولوجي ولكن من اجل استمرار نظام الحزب الواحد والنخبة الحاكمة بينما سياسات الصين خاصة فيما يتعلق بالنشاط الاقتصادي والتجاري قد أصبحت نيوليبرالية بحتة، تشترك في نظام العولمة واقتصاد الأسواق الحرة.

 

وفى الشرق الأوسط نظر المحافظين الجدد بعين الريبة الى حلفاء موسكو التاريخيين، نظام صدام حسين في العراق ومعمر القذافي في ليبيا وعلى عبد الله صالح في اليمن، الى جانب إيران التي تتنافس مع إسرائيل الحليف الأول للمحافظين الجدد الامريكان، بالإضافة الى اليسار اللاتيني في أمريكا الجنوبية او الفناء الخلفي للولايات المتحدة الامريكية

وللمفارقة فأن قائمة أعداء أمريكا في القرن الحادي والعشرين تضمنت بعض الحلفاء والأصدقاء.

 

 اذ تنص الادبيات الامريكية في القرن الجديد انه يجب استمرار الاتحاد الأوروبي ولكن دون ان يصبح قطب دولي ينافس الزعامة الامريكية وانه لا بأس من دعم بعض الأنشطة التي تضعف الاتحاد الأوروبي ولكن دون المساس ببقائه باعتباره كيان سياسي ينسق ويدعم الدور الأمريكي ولا ينافسه او يطغى عليه.

 

وشمل هذا المشروع سيطرة على موارد الطاقة حول العالم بالشكل الذي يجعل الصين وروسيا وحتى أوروبا تسعى الى التفاوض مباشرة مع الولايات المتحدة الامريكية للحصول على احتياجاتها من الغاز والنفط.

 

وفيما يتعلق بالشرق الأوسط، نظر المحافظين الجدد الى انظمته الحليفة باعتبارها غير قادرة الى مواجهة المد الصيني والروسي الجديد، وانه يجب العمل على امرين، اولاً سياسة الأرض المحروقة الى اسقاط أنظمة تلك الدول واسقاط الدولة وتفكيكها الى إدارات محلية متصارعة، تصبح كلها بحاجة الى الولايات المتحدة للعب دور الحكم سواء بشكل عسكري او دبلوماسي، وثانيا ان تلعب الجماعات الإسلامية دور رئيسي في هذه “الفوضى البناءة” التي لم تحدث الا بالدعوة لتفكيك وخلخلة المجتمعات من الداخل عبر دعم الديموقراطية وملفات حقوق الانسان بما يحدث سيولة تؤدى الى التفكيك.

 

وأخيرا دعي المحافظين الجدد الى ان يتحرك الجيش الأمريكي ليؤسس ولايات جديدة حول العالم، وتبدأ عملية احتلال بعض المناطق المتصارع عليها، وانه حان الوقت للتوسع الولايات المتحدة مرة أخرى بعد توقف دام قرابة المئة عام.

 

وحينما فتح الحزب الجمهوري الباب لاختيار مرشح للرئاسة، كانت دوائر المحافظين الجدد تحبذ جون اشكروفت، او ديك تشيني، بل وحتى دونالد رامسفيلد، ولكن مع عدم وجود شعبية انتخابية حقيقية للأسماء الثلاث داخل الحزب الجمهوري قبل ان نتحدث عن الشعب الأمريكي، جرى الاتفاق على التواصل وتأهيل حاكم تكساس الشاب جورج دابليو بوش للعب هذا الدور وذلك عقب التواصل مع والده الرئيس السابق جورج بوش الاب، الذى سبق وان تزامل مع تشيني ورامسفيلد في إدارات الرؤساء نيكسون وفورد وريجان بل وعمل تشيني ورامسفيلد في إدارة بوش الاب حينما تولى الرئاسة.

 

وهكذا اتى بوش الابن رئيساً بدعم من قواعد التطرف المحافظ داخل الحزب الجمهوري، بمخطط جديد شامل للعالم من اجل سيادة الدولة الامريكية على النظام العالمي الجديد لمئة عام على الأقل!

 

وفى القاهرة كان هنالك تعاطي سريع مع المقترحات الامريكية، التي راحت تنهمر على القاهرة عبر قنوات الاتصال الدبلوماسي، دون ان تسفر عن توجهات أمريكا الحقيقة حيال الشرق الأوسط ومصر والقضية الفلسطينية، الا ان مصر تفهمت ان الإدارة الامريكية الجديدة المنتخبة في نوفمبر 2000 قد أتت ومعها خرائط جديدة للشرق، من اندونيسيا الى الجزائر، بل وتفكيك روسيا والصين ان أمكن.

 

ومع قيام ارييل شارون صديق المحافظين الجدد بإشعال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، تفهمت القاهرة ما هو قادم، وقرر الرئيس حسني مبارك استبدال وزير الخارجية عمرو موسي صاحب الخطاب الهادئ خلف الكواليس بإحدى صقور الخارجية المصرية السفير أحمد ماهر صاحب النبرة القوية خلف الكواليس حيث يعرفه الامريكان جيداً حينما كان سفير مصر في واشنطن.

 

كما تقرر استحداث وزارة التعاون الدولي واسنادها الى السفيرة فايزة أبو النجا التي أصبحت لاحقاً مستشارة الامن القومي لرئيس الجمهورية عقب ثورة 30 يونيو 2013، الى جانب فصل عدداً من الملفات الدولية من وزارة الخارجية واسنادها الى جهاز المخابرات العامة المصرية برئاسة اللواء عمر سليمان، وبدء تحديث الحزب الوطني الديموقراطي لمواجهة دعوات الديموقراطية والانتخابات الرئاسية التعددية.

 

وفى اليوم الأخير من رئاسة بيل كلنتون، وبينما بوش الابن يتأهب لأداء اليمين الرئاسي، كان كلنتون يجتمع مع كولين باول وزير خارجية أمريكا الجديد وقتذاك، ويوصى بالتخلص من نظام مبارك في مصر وولى العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود الحاكم الفعلي وقتذاك للسعودية على ضوء الازمة الصحية للملك فهد، ورئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات، وأشار كلنتون الى بأول بان ثلاثتهم تسبب في فشل مفاوضات كامب ديفيد الثانية أواخر العام 2000 حينما رفضت مصر مقترحات الولايات المتحدة حول تصفية ملف القدس وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى بلادهم.

 

بدأ بأول عصره باطلاق مبادرة كولين بأول للديموقراطية في مصر والسعودية وكلف ليز تشيني ابنة ديك تشيني بمنصب نائب مساعد وزير الخارجية والمسؤولة عن تنفيذ المبادرة، وهي المبادرة التي تسلمتها كونداليزا رايس في الولاية الثانية لبوش الابن وعزلت ليز تشيني عن منصبها، والأخيرة أصبحت اليوم من اهم زعماء الحزب الجمهوري وعضوة مجلس النواب وقادت تكتل من الجمهوريين صوت ضد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في يناير 2021.

 

رفضت مصر فكرة نشر الديموقراطية بأوامر أمريكية، كما رفضت التعاون مع الولايات المتحدة الامريكية في فكرة استهداف المصالح الروسية والصينية وإطلاق مشروع الشرق الأوسط الكبير وتفكيك دول العالم الثالث والتعاون في تنفيذ الخرائط الامريكية الجديدة للمنطقة.

 

كما رفضت مصر أفكار بوش الابن لابتعاد القاهرة وفصلها عن القضية الفلسطينية، ورفضت مصر الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق وتالياً رفض الرئيس مبارك ارسال الجيش المصري للعمل كقوات حفظ سلام للمشروع الأمريكي في أفغانستان والعراق، كما رفضت القاهرة ان تكون سوريا او إيران هدف جديد للعسكرية الامريكية ورفضت مصر التعاون في أي عمل عسكري مستقبلي حيال سوريا او إيران.

 

وقد ردت إدارة بوش الابن بان اغرقت الأوساط السياسية والحزبية والحقوقية وحتى الإعلامية والصحفية والثقافية المصرية بمئات الملايين من الدولارات، التي صنعت نخبة أمريكية خالصة، اشعلت اضطرابات عام 2005 او ما يعرف بحراك القاهرة عام 2005، وكانت تلك النخبة قد تعاونت مع أمريكا للإشعال تظاهرات عام 2000 ثم عام 2003 ولاحقاً عام 2007، وتأسيس حركتي كفاية و6 ابريل، الى جانب حزب الغد وارسال مئات الشباب المصري للتدريب الاستخباراتي في الخارج وهم الشباب الذى عاد لملء ميدان التحرير بالائتلافات الثورية والأحزاب الجديدة عقب يناير 2011.

 

وعقب لقاء مبارك ببوش الابن في أمريكا عام 2004، قرر الرئيس المصري الراحل عدم زيارة واشنطن مرة أخرى، بينما ردت الإدارة الامريكية بإرسال الدعوة الى رئيس الوزراء احمد نظيف وليس الرئيس مبارك لزيارة واشنطن سنوياً.

 

وبعد انتهاء ولاية بوش الابن الثانية والتي لم يطأ فيها مبارك بقدمه الأراضي الامريكية للمرة الاولي منذ سنوات جيمي كارتر، حينما كان نائب للرئيس قبل ان يصبح رئيسا في سنوات رونالد ريجان، أتت إدارة باراك أوباما، والتي تظاهرت بتحقيق انفراجه في العلاقات المصرية الامريكية ما بين يناير 2009 ويناير 2011.

 

ولكن في الكواليس كان هنالك مراجعة أمريكية لسنوات بوش الابن، وان القاهرة صمدت امام رياح التغيير والديموقراطية وحقوق الانسان والغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان، ولكن الاختراق الحقيقي كان في الجبهة الداخلية عبر تنظيم أربع اضطرابات شعبية أعوام 2000 و2003 و2005 و2007 كانت اشبه بثورات مصغرة قادها التحالف بين الإسلام السياسي واليسار المصري مدعوماً بشبكة من النشطاء والطابور الخامس داخل الاعلام والصحافة والوسط الثقافي.

 

رأى أوباما ان تفجير الشرق الأوسط بوجه روسيا والصين، وتحويله الى قاعدة عسكرية كبري للإسلاميين والإرهاب وتقسيمه الى جماعات متقاتلة كلاً يسيطر على بضعة احياء سكنية او مناطق جغرافية هو الحل الأفضل للولايات المتحدة التي سوف تقوم بدعم الجميع ضد الجميع بالسلاح مقابل استيراد النفط والغاز من تلك المناطق المنفلتة بسعر يقل 90 % عن السعر الحقيقي للنفط والغاز مقابل سد حاجة تلك الميلشيات للسلاح.

ومثل كافة المخططات الامريكية منذ اربعينات القرن العشرين، رأت واشنطن ان الإسلاميين هم الفيلق الاقدر على لعب هذا الدور، وقد شهدت سنوات أوباما أكبر اتصال وارتباط بين الاجندة الامريكية والجماعات الإسلامية عبر التاريخ الحديث.

 

والى جانب تسليم جماعات الفوضى لمنابع النفط والغاز، فان إدارة أوباما وجدت في الفوضى فرصة هامة لتعطيل اكتشافات الغاز في دول حوض المتوسط خاصة مصر وليبيا وسوريا ولبنان، ما يفوت على البلاد العربية نهضة اقتصادية وعمرانية بناء على عوائد هذه الثروات الغازية.

 

هكذا في سنوات ما بعد الحرب الباردة والقرن الحادي والعشرين، وعبر إدارة بوش الابن وإدارة باراك أوباما تكون بنك اهداف المؤامرة حيال مصر، متضمناً هدم الدولة المصرية ومؤسساتها التاريخية وعلى رأسها القوات المسلحة ونسف الاثار المصرية لمحو الهوية المصرية والحضارة المصرية القديمة وتحويل مصر الى ولاية اخوانية منقسمة على ان يتم لاحقاً تقسيم مصر الى دويلات طائفية ما بين شمال اخواني وجنوب قبطي، وتقسيم سيناء الى ثلاثة دويلات ما بين دويلة لسكان قطاع غزة ودويلة ثانية لداعش والثالثة تحت الاحتلال الإسرائيلي بدعوى ان تل ابيب مضطرة لاجتياح الحدود وحماية امنها من دولة مصرية بلا جيش.

 

تتضمن الخطة تهجير المسيحيين خارج مصر والإبقاء على نسبة صغيرة لصنع دويلة مسيحية غير مستقرة في الجنوب كما الحال مع جمهورية جنوب السودان، يتضمن بنك اهداف المؤامرة صراع سياسي مطول ومتشعب ويصل الى الصدام العسكري على نهج سيناريو الحرب الاهلية السورية ما بين القوى المدنية والإسلامية ولاحقاً ما بين القوى الإسلامية نفسها، يتضمن بنك اهداف المؤامرة توطين منظمات إرهابية غرب مصر تعمل في الداخل الليبي.

 

تتضمن اهداف المؤامرة ان تصبح مصر ملعب إقليمي وليس لاعب دولي له صوت في قضايا العالم، على ان يتم الغاء الدور المصري في القضية الفلسطينية وتصفيتها وتحويل الملعب المصري الى ساحات تنافس إقليمية بين قطر وتركيا وإيران وإسرائيل، كلاً له رجالاته وميلشياته.

 

يتضمن المشروع الأمريكي لمصر عقب الربيع العربي ان يتم تصدير خير الشباب المصري الى العمل الإرهابي داخل الصين وروسيا، بل وإيران وأوروبا إذا لزم الامر، وان تنشيط شبكات الرقاق الأبيض في مصر لتصدير المرأة المصرية كجارية في شبكات الدعارة العالمية وشبكات جهاد النكاح الاخوانية، وتدمير العملية التعليمية المصرية والاكتفاء بمؤلفات العميل البريطاني حسن البنا والعميل الأمريكي سيد قطب.

 

وكان يفترض على حكومات الدويلات المصرية ان ترفض أي تعامل مع روسيا والصين وحتى بعض الدول الأوروبية، وانهاء سياسات التوازن المصري بين الأقطاب الدولية وتعدد مصادر السلاح وتوريد خير الدولة المصرية الى الولايات المتحدة ببخس الثمن على مدار العام، ورعاية المؤامرة الامريكية بحق روسيا والصين وان تتحول مصر بنظر المجتمع الدولي الى دولة راعية للإرهاب وتصدره كما فعلوا في أفغانستان اثناء وبعد الحرب الباردة.

 

ولعل غضب المجتمع الدولي عموماً وإدارة أوباما من ثورة 30 يونيو 2013 المصرية، انها انهت اجندة أمريكية وترتيبات دولية كان يفترض ان تبقى طيلة القرن الحادي والعشرين، فلم تكمل 30 شهراً فحسب، لتصبح ثورة يونيو المصرية ليست طوقاً لنجاة مصر من الربيع العربي ومؤامرة يناير ولكنها سقوط كامل وفشل ذريع للولايات المتحدة الامريكية وسياستها في الشرق الأوسط، سقوط فشل أوباما في التصدي له طيلة الولاية الثانية وحتى رحيله في يناير 2017 بعد ثلاثة سنوات ونصف من ثورة يونيو 2013.

زر الذهاب إلى الأعلى