بوابة العمال

د. حسنى ابوحبيب يكتب :كمال التوفيق وطائف الشيطان

“كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء” (يوسف: 24):

توفيق الله تعالى للمرء له صور شتى ، منها: هدايته تعالى لعبده إلى الخير ، ودلالته عليه ، وتوفيقه للطاعة ، ومعونته عليها ، والأخذ بناصيته لما يرضي ، وقبوله منه ، وإلهامه الرشد ، والعمل بمقتضاه ، وإنارة بصيرته ، وسيره على هداها ، وهداية قلبه ، وتقويم لسانه على دوام ذكره وشكره ، وحفظ جوارحه ، وعصمتها من الزلل ، إلى غير ذلك من مظاهر التوفيق التي تجل عن الحصر ، وتزيد على العد.

إذا كان هذا وغيره يعد توفيقاً من الله تعالى لعبده وصنعة يده ، فهناك درجة أعلى من ذلك وأسمى ، ألا وهي كمال التوفيق منه تعالى لعبده.

ذلك أن المؤمن مهما بلغت درجة تقاه ، وسمت منزلته عند ربه قد يلم به طائف من الشيطان ، وتناله دسيسة من دسائس النفس ، ويغلب عليه الطبع الغريزي الذي رُكب فيه ، وتسيطر عليه طينيته التي خُلق منها ، وتسيره شهوته التي جُبل عليها ، فتدعوه إلى مخالفة منهج السماء ، والعدول عن اتباع الهدى ، فيسعى إلى ما نُهي عنه.

لكن قبل الوقوع فيه تتدخل العناية الإلهية ويتجلى اللطف الرباني ليصرفه عن السوء والفحشاء ، فيسوق الله تعالى إليه البراهين والآيات التي تذكره بربه ، وترده إليه ، “إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون” (الأعراف: 201).

فإن تذكر وعاد فبها ونعمت ، وإلا صرف الله عنه السوء والفحشاء ، فلا يجد إليهما سبيلاً ، وتلك منزلة بالطبع أعلى شأواً من التي قبلها.

فإذا كان العبد مصروفاً عن السوء ، محفوظاً من الذنب ، مُبعداً عن المخالفة ، فهذا يُعد من توفيق الله تعالى له.

أما إذا صرف الله تعالى السوء عن عبده ، حتى لا يرى له طريقاً ، وأبعد عنه الفحشاء ، فلا يعرف له سبيلاً ، وحال بين الذنب وبينه ، فلا يرد له على بال ، وعصم الخطايا عنه ، حتى لا تعترضه على أي حال ، فهذا يُعد من كمال توفيق الله له.

ويُعد من باب حماية الله تعالى لعبده من خطايا الدنيا وذنوبها ، جاء في الأثر عن أنس قال: أوحى الله تعالى إلى موسى بن عمران ، يا موسى إن من عبادي من لو سألني الجنة بحذافيرها لأعطيتها له ، ولو سألني علاقة سوط من الدنيا لم أعطه له ، ليس ذلك لهوان له عندي ، ولكن أريد أن أحميه من الدنيا كما يحمي الراعي غنمه من منابت السوء.

‏إذن العباد عند الله تعالى درجات ، كما قال تعالى: “هم درجات عند الله” (آل عمران: 162) ، فهناك درجة أعلى من درجة برفع الله تعالى لأصحابها ، “ورفع بعضهم درجات” (البقرة: 253) ، وتلك الدرجات منة من الله تعالى وتكرماً على عباده ، فمن أراد الله له رفع الدرجة ألهمه الطاعة وأعانه عليها ، وتكرم عليه بقبولها منه ، لتكون فقط سببا في رفع درجته.

كذلك تفضل عليه بصرفه عن كل ما يبعده عنه ، أو بصرف كل ما من شأنه إبعاده عنه.

ما أريد قوله: إذا كان صرف العبد عن الذنوب -صغيرها وكبيرها – توفيقاً من الله تعالى له ، فإن صرف الذنوب عنه من كمال توفيقه إياه.

فسبحانه “يختص برحمته من يشاء” (آل عمران: ،74) ، ويرفع درجات من يشاء ، “نرفع درجات من نشاء” (الأنعام: 83).

وأختم بحكمة لسيدي ابن عطاء الله السكندري ، يقول فيها: “قوم أقامهم الله لخدمته ، وقوم اختصهم بمحبته ، (كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً)”.

فاللهم إنا نسألك أن تصرف عنا السوء والفحشاء وتوفقنا لطاعتك وأن تجعلنا من أحبابك وأصفيائك وأوليائك بمنك وفضلك وكرمك.

وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
Yoast

Exit mobile version