قدم إبراهيم كالين المتحدث باسم الرئاسة التركية مصطلح “الوحدة الثمينة” فى أدبيات العلاقات الدولية لأول مرة عام 2013م , أثر إندلاع الخلافات السياسية بين القاهرة وأنقرة التى كانت علاقاتها متوترة بالفعل مع سوريا وإسرائيل وقبرص واليونان , وتواجه صعوبات مع بعض دول الخليج العربى , فضلاً عن سوء علاقاتها مع دول البلقان .
وقد قدم كالين للمصطلح كمحاولة لتبرير الحالة السياسية التركية المتوترة مع جيرانها , فشبه عزلتها الإقليمية بالوحدة الثمينة التى ستؤتى ثمارها نفوذاً , بتكريث الصورة العثمانية كورقة ضغط على الإتحاد الأوروبى .
وعلى الرغم من الخلافات السياسية بين أنقرة والقاهرة , لم يتوقف التعاون الإقتصادى , ولم يقف الإخوان المسلمين فى طريق التبادل التجارى بين البلدين .
ووفقاً لتقرير موقع إقتصاديات التجارة حتى مارس 2021م , زادت قيمة الصادرات المصرية إلى تركيا بنسبة 9,7% فى عام 2018م لتصل إلى 2,2 مليار دولار مقارنةً بالعام السابق 2017م حيث حققت الصادرات المصرية 1,9 مليار دولار , ولكنها عادت وانخفضت بنسبة 11% عام 2019م محققة 1,7 مليار دولار .
بينما نمت واردات مصر من تركيا بنسبة 52% خلال الفترة نفسها , محققة 2,3 مليار دولار عام 2017م إلى حوالى 3,5 مليار دولار عام 2019م .
تحدد قضايا الإختلاف الرئيسية بين القاهرة وأنقرة لاسيما منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى السلطة فى مصر عام 2014م , فى الدور الإقليمى وتنافس كل دولة على التأثير فى ساحتها الإقليمية , وتتجلى بوضوح أدوار كل من الدولتين فى ليبيا , وعلى مستوى إقليم شرق البحر المتوسط .
ثم التحالفات بين مصر ودول الخليج العربى ومقاطعة قطر , وتصاعد الخلافات والتوترات بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية من جهة وبين تركيا من جهة أخرى , بعد فترة قصيرة من التعاون الإقتصادى والتجارى والعسكرى , خلال الفترة من 2011م إلى 2015م , واتسمت هذه الفترة بإنعدام الثقة والخلافات المتزايدة بين الطرفين .
ويمكن إيجاز قضايا الإختلاف الرئيسية الحالية بين مصر وتركيا فى الآتى:
دعم تركيا للإخوان المسلمين .
تنافس مصر وتركيا على النفوذ فى ليبيا .
إختلافات تركيا التاريخية مع شركاء مصر فى شرق المتوسط .
طموحات حزب العدالة والتنمية الإقليمية .
كما شكلت الأحداث دوافع للتقارب المصرى التركى كالآتى:
إستمرار التجارة بين مصر وتركيا , ولايزال إتفاق التجارة الحرة المبرم بينهما منذ عام 2005م سارى المفعول , رغم إعتراضات الجانب المصرى لما فيه من إجحاف لمصر .
إحترام مصر للحدود الجنوبية للجرف القارى التركى فى شرق المتوسط , عند توقيع القاهرة مع أثينا إتفاقية ترسيم الحدود البحرية .
التعاون الإستخباراتى المستمر بين البلدين عبر رسائل من عواصم دول مختلفة .
تصريحات القيادة السياسية التركية على إستعداد تركيا للمحادثات مع مصر .
خسارة ترامب فى إنتخابات الرئاسة الأمريكية وفوز جو بايدن , الأمر الذى دعى الدولتين لإعادة الحسابات السياسية .
التطورات الإيجابية بين مصر وقطر نتيجة الديناميات السياسية المتغيرة فى الخليج العربى .
التطورات الإيجابية بين تركيا وفرنسا مع وجود العلاقة المتميزة بين مصر وفرنسا .
ويمكن إيجاز الأسباب التى تدفع تركيا للمصالحة فى الآتى:
مصر هى بوابة تركيا إلى دول الخليج العربى , حتى تستعيد أنقرة بعض علاقاتها الدبلوماسية المتوترة مع الدول العربية , تعويضاً عن العقوبات الأمريكية المفروضة على إدارة الصناعات الدفاعية التركية (SSB) .
قلق التورط فى مواجهة عسكرية مع مصر على الأراضى الليبية .
إنخفاض إحتياطات تركيا من العملة الصعبة بشكل حاد .
إضعاف علاقات القاهرة بأثينا من خلال إتفاق تركيا مع مصر بشأن ترسيم حدود شرق المتوسط البحرية .
رغبة تركيا فى دعم موقفها خلال المحادثات الإستكشافية حول شرق المتوسط بينها وبين اليونان .
رغبة تركيا فى ترسيم حدودها البحرية بدعم مصر , حتى يتثنى لها إنشاء خط أنابيب الأناضول لنقل الغاز .
إستغلال فرصة مصالحة قطر مع أعضاء مجلس التعاون الخليجى .
تشكيل التحالفات الإقليمية بين دول شرق المتوسط , وإستبعاد تركيا من منتدى غاز شرق البحر المتوسط .
العزلة الإقليمية المتزايدة على تركيا .
تطبيع العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية , وعروض إسرائيل لمشاريع النقل التى تهدد شركة النقل الوطنية التركية .
إعتقاد تركيا أن بإعادة العلاقات مع إسرائيل سيتحسن المناخ السياسى مع واشنطن .
أما بخصوص الأسباب التى تدفع مصر للمصالحة فهى كالآتى:
محدودية قدرات مصر تجاه تصعيد مجالات المنافسة على عدة جبهات مختلفة .
قروض مصر المتزايدة .
الإنتكاسات العسكرية لحلفاء مصر فى ليبيا بقيادة خليفة حفتر .
رغبة القاهرة فى عدم الزج بالجيش المصرى فى الأراضى الليبية أو فى مواجهة أى عمليات حربية مستقبلية .
إتفاقيات التطبيع بين عدة دول عربية وإسرائيل , والتى تهدد دور مصر التاريخى كوسيط فى قضية فلسطين .
منافسة إسرائيل لمصر أن تصبح مركزاً إقليمياً للطاقة , بمحاولة إنشاء خط أنابيب إيست ميد يمتد فى مناطق يسيطر عليها الأتراك .
فشل الوساطة الأمريكية فى الخلاف حول سد النهضة الأثيوبى .
وكان العرض التركى على مصر بسيطاً ومقتضباً يتلخص فى الآتى:
فرض حل لنزاعات تقسيم المناطق البحرية , وذلك بإبرام إتفاقية ترسيم حدود بحرية فى شرق المتوسط الغنى بالغاز بين مصر وتركيا , ستحصل بموجبها مصر على حصة من المياه الإقتصادية أكبر من سابقتها فى إتفاقيات مصر وقبرص واليونان .
لم ترد مصر حتى الآن على مبادرات أنقرة , ولكن ليس من اليسير تخيل عودة دافئة للعلاقات .
ومن المتوقع أن تستمر بعض الإحتكاكات حتى لو تمت مصالحة , فما تريده مصر يصعب على تركيا تقديمه فجأة .
ويمكن إيجاز مطالب مصر فى الآتى:
عدم دعم الإخوان المسلمين .
عدم التدخل فى الشأن المصرى الداخلى .
إحترام سيادة الدولة المصريةومقتضيات الأمن القومى العربى .
إضفاء الطابع الرسمى على قوات حفتر فى جيش وطنى ليبى مستقبلى .
تسوية الخلافات التركية اليونانية .
الأمثلة كثيرة عبر التاريخ للأحداث التى دفعت فيها المتغيرات الإقليمية أو العالمية , الدول إلى تعديل سياساتها الخارجية , من خلال تقديم المصلحة الوطنية على الأيديولوجيا .
تلك المصالحة التى تفرضها البراجماتية والمصالح المشتركة , للتكيف مع الظروف السياسية , ولا تحتمها القيم والمبادئ والأيديولوجيات , هى مصالحة زائفة ستزول بمجرد تغير الأحداث الدافعة إليها أو بمجرد ضمان المنفعة منها .
قد تكون المصالحة واقعة بموجب ما تفرضه الظروف والأحداث , ولكن سيظل صعود الإستبداد فى الداخل التركى وطموحاته فى الهيمنة والنفوذ , وراء إحجام الدول عن تطبيع العلاقات مع تركيا .