13توصية لمؤتمر الأزهر تدعو لاستثمار مؤلفات “الفارابي” في شتى مجالات المعرفة
أصدر مجمع البحوث الإسلامية اليوم الثلاثاء من مقر مشيخة الأزهر الشريف بيانًا ختاميًّا للمؤتمر العلمي الدولي الذي عقده المجمع عبر تقنية “فيديو كونفرانس” على مدار يومي 15و16 مارس 2021م، بعنوان “إسْهاماتِ الفارابيِّ (المُعَلِّمِ الثَّاني) في إثراءِ الحضارةِ الإنسانيةِ”، بالتعاون مع سفارة جمهورية كازاخستان بالقاهرة، وتناولت محاوره إسهامات الإمام أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ الفارابي في علوم عصره وإسهاماته في الجانب الإنساني والفلسفي والسياسي والأخلاقي والجوانب الفكرية.
وجاء نص البيان الذي القاه امين مجمع البحوث الإسلامية د.نظير عياد كالآتي:
البيانُ الختاميُّ لمؤتمرِ “إسْهاماتِ الفارابيِّ (المُعَلِّمِ الثَّاني) في إثراءِ الحضارةِ الإنسانيةِ”
بسم الله الرحمن الرحيم
السَّادةُ الحضورُ، العلماءُ الأجلاءُ، الضيوفُ الكرامُ، الباحثون في مجال العلوم الإنسانية والفلسفة في العالم،،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في مَحْفِلٍ عِلْميٍّ دَوْلِيٍّ جمعَ بين العلماءِ والباحثينَ من مِصْرَ الأزهرِ منارةِ العِلْمِ وقِبْلةِ العلماءِ، وبالتنسيقِ مع جمهوريةِ كازاخستانَ ذاتِ الإرثِ الحضاريِّ الإسلاميِّ والإنسانيِّ، التقى الجميعُ على مائدةٍ علميةٍ شهدتْ على مدارِ يومينِ نقاشاتٍ ثريَّةً جادَّةً لإحياءِ تراثِ أحدِ عظماءِ الحضارةِ الإسلاميةِ والإنسانيةِ “الفيلسوفِ والمفكرِ أبي نصرٍ الفارابيِّ” رحمه الله، والملقَّبِ بـ”المعلِّمِ الثاني”..
عقدَ مجمعُ البحوثِ الإسلاميةِ بالأزهر الشريف مؤتمرًا علميًّا بعنوان: «إسهامات الفارابيِّ (المعلمِ الثاني) في إثراءِ الحضارةِ الإنسانية».
ذلكم المؤتمرُ الذي بدأ بجَلسةٍ افتتاحيةٍ شاركَ فيها نخبةٌ من علماءِ الأزهرِ الشريفِ وعلماءِ كازاخستانَ الكبارِ، ثم تتابعتْ جَلَسَاتُهُ العِلميَّةُ والحواريةُ تضمُّ نخبةً متميزةً من العلماءِ والباحثينَ والمتخصِّصينَ الأكاديميِّينَ داخلَ مصرَ وخارِجَها، والتي قد أسفرتْ عن عددٍ من الرُّؤَى والأُطْرُوحاتِ الجادَّةِ حولَ محاورِ المؤتمَرِ المتعددةِ لِتُلْقِيَ الضوءَ على عَلمٍ من أعلامِ الحضارةِ الإسلاميةِ والإنسانيةِ، وفيلسوفٍ مِن فلاسفةِ الإسلامِ العِظامِ، والذي أقرَّ له الجميعُ بالفضلِ واعترفوا له بالمكانة العُظْمى في الفلسفةِ والمنطقِ وعلمِ الطَّبيعةِ وما بعد الطبيعةِ، وأشرقَ فِكْرُهُ في علومٍ شَتَّىّ، ليتفرَّدَ بين الفلاسفةِ، فَيُلَقَّبَ بـ«المعلِّمِ الثاني» بعد أرسطو.
وإنَّنا إذْ نشكرُ كلَّ من أسهمَ في إقامةِ هذا المؤتمرِ المهمِّ، الذي شهدَ الجميعُ منذُ الإعلانِ عنه بأهميَّتهِ في تَعْمِيقِ صِلَةِ الأجيالِ الحاضِرَةِ بعُلمائِهم ورُمُوزِهم؛ لإدراكِ ما قدَّموهُ للإنسانيةِ، وما يُمْكِنُ أن يُقَدِّمه حاضِرُهُمْ قياسًا على ما قدَّمه ماضيهم، فإنه وبعدَ الاستماعِ إلى جَلَسَاتِهِ ونِقَاشاتِهِ، حيثُ تضمَّنَتْ جَلْسَتُهُ الافتتاحيةُ ثلاثَ عشْرةَ كلمةً، كما طُرِحَ في جَلَسَاتِهِ نحوُ خمسةٍ وأربعينَ مُلَخَّصًا بحثيًّا وورقةً علميةً، انتهى فيه المشاركونَ إلى مجموعةٍ من التَّوْصِيَاتِ المتعدِّدَةِ نذكُرُها على النحو الآتي:
أولًا: ضرورةُ التعاونِ الجادِّ والمثمرِ بين المؤسَّساتِ المعنيَّةِ بالتُّراثِ الحضاريِّ والإنسانيِّ الدوليةِ، وأهميَّةُ تجليةِ دَوْرِها في حفظِ التُّراثِ الإنسانيِّ، والعملُ على استحضارِهِ بالمشهدِ الثَّقافي والواقع المعرفي.
ثانيًا: ضرورةُ إعادةِ طرحِ الإسهاماتِ العلميةِ والفلسفيةِ والكلاميةِ لعلماءِ الإسلام ومُتَكَلِّمِيهِ وفَلَاسِفَتِهِ بصورةٍ تأصيليَّةٍ، وبِلُغةٍ تجديديَّةٍ تُناسِبُ العصرَ الذي نعيشُ فيه بصورةٍ أكثرَ مُرُونةً ووضوحًا، حتى يستطيعَ باحثو العَصْرِ ومثقَّفُوهُ من الاطِّلاعِ عليها ومطالعَتِها بيُسْرٍ وسُهولةٍ.
ثالثًا: ضرورةُ إحياءِ الجوانبِ المثمرةِ من التُّراثِ الإسلاميِّ والإنسانيِّ التي تخدُمُ الإنسانيةَ في الواقعِ والمستقبلِ، وتُقَدِّمُ معالجاتٍ منهجيَّةً لكثيرٍ من الإشكالاتِ التي تهمُّ المجتمعَ في جميعِ النَّواحي الحياتيةِ المتعدِّدَةِ.
رابعًا: دَعوةُ المفكِّرينَ والمختَصِّينَ بتوجيهِ النَّظرِ البحثيِّ والعمليِّ لفكرِ المعلِّمِ الثاني أبي نَصْرٍ الفارابيِّ، واستثمارِ ما حَوَتْهُ مؤلَّفاتُهُ من كنوزٍ في شتَّى مجالاتِ المعرفةِ النظريةِ والعمليةِ.
خامسًا: إلقاءُ الضوءِ على أثرِ فكرِ الإمامِ الفارابيِّ في الحضارةِ الغربيةِ، لا سِيَّما عصرُ النهضةِ وما تلاهُ حتى الفلسفةِ الحديثةِ حيثُ وجودُ التشابُهِ – وربَّما التطابقِ – بينَ ما جاءَ في فلسفةِ الإمامِ الفارابيِّ وبينَ ما صَرَّحَ به نماذِجُ مِن فلاسفةِ الغَربِ مِن أمثال “جان جاك روسو” في كتابه “العَقْدِ الاجتماعيِّ” و”هوبز” في “سُلطةِ الحاكم” و “هيجل” في مفهومِهِ للدولة، و”لالالند” في تعريفه المنهجَ والفلسفةَ المنهجيَّةَ.
سادسًا: العملُ على الاستفادةِ من منهجِ الفارابيِّ في تفعيلِ العَلاقَةِ بين فُروعِ العِلْمِ المختلفةِ بما يَخْدُمُ الإنسانيةَ، ويُحَقِّقُ المَطالبَ العاليةَ التي تدعو إليها الأديانُ.
سابعًا: توجيهُ الباحثينَ إلى دراساتٍ عِلْميةٍ جديدةٍ تُبرزُ دَوْرَهُ، وتُعطيهِ حقَّهُ ومكانَتَهُ، كرائدٍ اجتماعيٍّ وفيلسوفٍ ومفكِّرٍ سبقَ عَصْرَهُ خُصوصًا في الجوانبِ الاجتماعيةِ وقضايا المرأةِ والعَلاقةِ بين النقلِ والعقلِ، والجوانبِ الفِيزيائيةِ والفَلَكِيَّةِ.
ثامنًا: التأكيدُ على أهميةِ المنهجِ التوفيقيِّ بينَ القضايا العقليةِ والأصولِ العَقَديةِ والشرعيةِ، الذي يجمعُ ما فَرَّقتهُ الاختلافاتُ الفرعيةُ.
تاسعًا: ضرورةُ تسليطِ الضوءِ على منهجِ الإمامِ الفارابيِّ في تحصيلِ السَّعادةِ الإنسانيةِ، وعلاقَتها بالمراتبِ السُّلوكيةِ والمعرفيةِ في ضوء الشرعِ الشريفِ.
عاشرًا: ضرورةُ العملِ على تصحيحِ ما يستدرِكُهُ بعضُهم – دونَ وعيٍ- على تراثِ الإمامِ الفارابيِّ وفلسفَتِهِ، خصوصًا فيما يتعلَّقُ بالجوانبِ العَقَديَّةِ (النُّبُوَّةِ وقضاياها)، ويكونُ ذلكَ في دراساتٍ متعددةٍ تُبَيِّنُ مبادئَهُ ورُؤيتَهُ الصحيحةَ لتلك الموضوعاتِ.
حادي عشرَ: ضرورةُ الاستفادةِ مِن المساهمةِ التي قدَّمَها الإمامُ الفارابيُّ للفِكرِ السياسي، مِن خلالِ رَبْطِهِ المتفرِّد بين السياسةِ المدنيَّةِ وبينَ تحقيقِ المقاصدِ الدينيةِ والإنسانيةِ، وذلك ببيانِهِ المنهجيِّ الدقيقِ لمعالمِ المدينةِ الفاضلةِ.
ثاني عشرَ: ضرورةُ الكشفِ عن النظرياتِ العِلْميةِ التي يَرجعُ الفضلُ فيها إلى الإمامِ الفارابيِّ والعملِ على تفعيلِها في الواقعِ العَمَليِّ.
ثالثَ عشرَ: ضرورةُ عَقْدِ الاتِّفاقياتِ والبُروتوكولاتِ واللقاءاتِ الحواريةِ المتعددةِ بينَ المؤسَّساتِ العِلْميةِ والبحثيةِ تكونُ مهمَّتُها التركيزُ على تُراثِ المعلِّمِ الثاني (أبي نصرٍ الفارابي)؛ وذلك بُغيةَ توجيهِ الباحثينَ إليهِ من ناحيةٍ، وتجليتِهِ للأجيالِ من ناحيةٍ أخرى، وبيانِ إسهاماتِهِ الحضاريةِ في الفِكْرِ الإنسانيِّ من ناحيةٍ ثالثةٍ.