أهم الأخباردين و دنيا

د.حسني ابوحبيب يكتب : قاعدة طبية أدهشت الاطباء

“وكلوا واشربوا ولا تسرفوا” (الأعراف: 31).
هذا قول كريم من رحمن رحيم ، جمع فنون الطب وأصوله في ثنايا كلماته المعدودات ، وضمن لمن سار على هديها ، صحة في البدن ، وصفاء في الروح ، وقوة في العقل.

إن ربنا الكريم سبحانه أوجدنا بعد عدم ، خلقنا بيده ، وكرمنا وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا ، واستضافنا في كونه ، بعد أن هيأه لنا وسخره ، ونزل لنا من سمائه ماءً عذباً فراتاً ، وأخرج لنا من أرضه فاكهة وأبٌا ، وأمرنا بالأكل مما أخرج ، والشرب مما أنزل ، حباً منه لنا وكرامة ، ونهانا في الوقت نفسه عن الإسراف فيهما ، خوفاً منه علينا ، ورعاية منه لنا.

ونحن نؤمن إيماناً راسخاً بأن ربنا الجوّاد ما أمرنا إلا بما تنصلح معه أبداننا وتقام به أدياننا ، وتصح به أجسادنا وتصفو له أرواحنا ، وما نهانا إلا عما يفسد علينا ديننا ودنيانا.

ولقد تواترت النقول عن رسولنا الكريم محذرة أشد التحذير من الإسراف في المأكل والمشرب ، مبينة خطرهما الشديد على الصحة العامة.

من تلك النقول:
قوله صلى الله عليه وسلم: “ﻣﺎ ﻣﻸ ﺁﺩﻣﻲٌ ﻭﻋﺎءً ﺷﺮاً ﻣﻦ ﺑﻄﻦ. ﺑﺤﺴﺐ اﺑﻦ ﺁﺩﻡ ﺃُﻛﻼﺕ ﻳﻘﻤﻦ ﺻﻠﺒﻪ ، ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ ﻓﺜﻠﺚ ﻟﻄﻌﺎﻣﻪ ﻭﺛﻠﺚ ﻟﺸﺮاﺑﻪ ﻭﺛﻠﺚ ﻟﻨﻔﺴﻪ” (سنن الترمذي). ويُعد هذا الحديث بمثابة قاعدة طبية أدهشت الأطباء وأغنت عن الكثير من كلامهم ، وهي قاعدة شافية ووافية ، وفي الوقت نفسه كافية لضمان صحة مثالية لكل من يسير على هديها.

قوله صلى الله عليه وسلم: “صوموا تصحوا” (رواه الطبراني في الأوسط). ففي هذا الحديث الشريف يربط صلى الله عليه وسلم الصحة بالصوم وقلة الطعام.

وفي الحكم: “أفضل الدواء تقدير الغذاء” ، “الحمية رأس الدواء ، والبطن رأس الداء”.

ورحم الله الإمام الشافعي إذ يقول: الشبع يثقل البدن ويزيل الفطنة ويجلب النوم ويضعف صاحبه عن العبادة.

ولقد أثبت الطب الحديث أن الجوع أصل من أصول الوقاية الصحية ، وأكد على صحة الحكمة السائدة التي تقول: المعدة بيت الداء.

هذا وهناك أقوال لا تحصى ، وحكم لا تعد ، كلها يدور حول التحذير من الإسراف في المأكل والمشرب ، وقاية قبل أن تكون ديانة.

ما حملني على كتابة تلك الكلمات ما أراه آسفاً من كثير من المسلمين من شره في شراء المآكل والمشارب ، والاهتمام البالغ بهما ، ونحن مقبلون على شهر رمضان ، ذلك الشهر الذي فرضه الله علينا لتصفو به وفيه أرواحنا ، وترق له وبه قلوبنا ، ولن نصل لذلك إلا بالتقلل قدر المستطاع من المادة وأدرانها ،والاستزادة من العبادة وأفضالها.

ظن الكثيرون جهلا منهم بهذا الشهر الفضيل أنه شهر مأكل ومشرب ، فأخذوه بعيداً عن الحكمة التي فرض من أجلها.

وما أعظم تعاليم ديننا الحنيف لا سيما في الأمور المنظمة للحياة ، فمن تعاليمه العامة التعامل مع نعم الله بحرص وحذر للمحافظة عليها من ناحية ، ومن ناحية أخرى لأداء شكرها ، وعلمنا أن النعمة بمثابة الجار لنا إن أحسنا جواره بقي لنا وإلا تبدل وتغير.

دخل رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يوماً على أمنا عائشة رضي الله تعالى عنها ، فوجد كسرة خبز ملقاة في زاوية حجرتها فأخذها وقبلها وقال لها يا عائشة أحسني جوار النعمة فإنها قلما فارقت قوما وعادت إليهم مرة ثانية.

ونحن نقول لمن يسرفون في الاستئثار بالمأكل والمشرب خذوا ما يكفيكم وأهليكم بالمعروف واحرصوا على أن تتركوا الأسواق عامرة ، ليجد غيركم ما يكفيه وأهله.

وإياك أن تسول لك نفسك أنك يمكن لك أن تأخذ ما تشاء طالما تملك ثمنه وأنت حر في ذلك ، لا فإذا كان المال مالك وأنت حر فيه لكنك لست حرا في أقوات الناس ، فمالك لك وموارد البلد للجميع.

من هنا حرم الإسلام الاحتكار بكافة صوره ، وإن من صوره من يشتري فوق حاجته دون ضرورة إذا عرف أن ذلك سيؤدي إلى نقص السلع أو طمع التجار.

وللأسف عرف الغرب منا تلك المعاني التي تؤمن المجتمعات وعمل بها ، بينما نحن تناسيناها وأغفلناه ، فصار إلى ما صار إليه ، وصرنا نحن إلى ما نحن عليه.

وأسوق لحضراتكم قصة تصور ذلك. يقول احد الطلاب : عندما وصلت إلى ألمانيا
رتب أحد زملائي المقيمين بها جلسة ترحيب لي في أحد المطاعم ..

وعندما دخلنا المطعم كان هناك عدد قليل من السيدات كبيرات السن يجلسن جانبا ،
طلب زميلنا الطعام وكنا جياعا فطلب المزيد ، وبما أن المطعم كان هادئا وصل الطعام سريعا، لم نقض الكثير من الوقت في تناول الطعام وعندما قمنا بمغادرة المكان كان هناك حوالي ثلث الطعام متبق في الاطباق ،

ولم نكد نصل باب المطعم الا وصوت ينادينا ، لاحظنا السيدات كبيرات السن يتحدثن عنا إلى مالك المطعم ..وعندما تحدثوا إلينا فهمنا أنهن يشعرن بالاستياء لإضاعة الكثير من الطعام المتبقي ،

أجابهن زميلي: لقد دفعنا ثمن الطعام الذي طلبناه فلماذا تتدخلن فيما لايعنيكن ..؟؟

إحدى السيدات نظرت إلينا بغضب شديد واتجهت نحو الهاتف واستدعت الشرطة ،

بعد فترة من الزمن وصل الشرطي وحرر لنا مخالفة بقيمة 50 دولارا ،

التزمنا جميعا الصمت ، وأخرج زميلي قيمة ابغرامة قدمها مع الاعتذار إلى الموظف،

قال الضابط بلهجة حازمة : اطلبوا كمية الطعام التي يمكنكم استهلاكها .. المال لك لكن الموارد للجميع .. وهناك العديد من الآخرين في العالم يواجهون نقص الموارد ..ليس لديكم سبب لهدر الموارد.

وهذا ما يدور حوله خطاب: “وكلوا واشربوا ولا تسرفوا”.يا ليت قومي يعلمون !!!!!!.

Yoast

زر الذهاب إلى الأعلى