قال حكيم: “مَنْ أَشَارَ عَلَيْك بِاصْطِنَاعِ جَاهِلٍ أَوْ عَاجِزٍ ، لَمْ يَخْلُ أَنْ يَكُونَ صَدِيقًا جَاهِلًا أَوْ عَدُوًّا عَاقِلًا ؛ لِأَنَّهُ يُشِيرُ بِمَا يَضُرُّك وَيَحْتَالُ فِيمَا يَضَعُ مِنْك”
بمعنى أن المستشار مؤتمن وغالباً ما يكون المستشار أعرف وأعلم من المستشير بالفرع أو بالتخصص الذي هو مستشار فيه ، وينبغي على المستشير أن لا يستشير كل إنسان بل يستشير العاقل الناصح والمحب وإلا جنى مغبة اختياره وحاق به سوء عمله.
وَلله در الشاعر عندما قال:
إذَا مَا كُنْت مُتَّخِذًا خَلِيلًا *** فَلَا تَثِقَنَّ بِكُلِّ أَخِي إخَاءِ
فَإِنْ خُيِّرْت بَيْنَهُمْ فَأَلْصِقْ *** بِأَهْلِ الْعَقْلِ مِنْهُمْ وَالْحَيَاءِ
فَإِنَّ الْعَقْلَ لَيْسَ لَهُ إذَا مَا *** تَفَاضَلَتْ الْفَضَائِلُ مِنْ كِفَاءِ
وقد قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ”.[ سنن الترمذي].
ومن هنا كان المستشار الذي يشير على من استشاره باصطناع أو تولية جاهل أو عاجز فقد أشار عليه بما يضره ولا يخلو هذا من أمرين: أحدهما: أن يكون عن قصد. وثانيهما: عن غير قصد.
فإن كانت الأولى فهو عدو عاقل يعرف كيف ينال من عدوه في مقتل فليس هناك عمل أضر على ذي سلطان من توليته للعاجز أو للجاهل ، فهذا سبب للخراب ونذير للشؤم وتضييع للأمانة التي بها عمار الكون ، وقد بين لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن هذا يكون بمثابة مقدمة للهلاك العام والدمار الشامل معبراً عنه صلى الله عليه وسلم بالساعة ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ. قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ” [صحيح البخاري].
وكم من ممالك فُكّكت ومن دول دُمِّرت ومن حضارات أُبيدت ومن أمم بُدلت بسبب تولّي العجزة والجهلة قياد الأمور فيها.
أما إن كانت الثانية ، فالمستشار فيها جاهل وهذه تعدل تلك ولا تقل عنها في الخطورة، فمشورة الجاهل دونها السم الناقع ، فلا شيء يعجل بالخراب كالجهل وقديماً قالوا: عدو عاقل خير من صديق جاهل.
وكلتا الحالتين تصفان حال المستشير وتقدحان فيه بقدر القدح بالمستشار فلا يستشير عدو أو جاهل إلا من انطمست بصيرته وكان أحمقا أو جاهلا ، وإذا أردت أن تعرف عقل الرجل فانظر إلى من يختارهم لخدمته ومعونته ومن يصطفيهم لمشورته ، فحال هؤلاء وأولئك إنما هي حاله وقدرهم قدره ، نعوذ بالله من صديق جاهل وعدو عاقل.