دين و دنيا

د . حسنى ابو حبيب : جزاء المبطلين

قال تعالى “فأتبعنا بعضهم بعضاً وجعلناهم أحاديث ، فبعداً لقوم لايؤمنون” (المؤمنون: 44).هذا القول الكريم يصف لنا صنفاً من البشر رافضين للحق محاربين لأهله ، قابلين للباطل مناصرين لحزبه ، جاءتهم رسل ربهم تترا لإنقاذهم من زيغهم وانتشالهم من باطلهم ، لكنهم لم يلقوا منهم إلا جحودًا ونكراناً ، وكان نصيبهم منهم صدوداً وخذلانا.

كلما جاءهم رسول كذبوه وحاربوه ، وتآمروا عليه واتهموه بالجنون مرة وبالافتراء أخرى ، حتى جاءهم أمر ربهم وحاق بهم عقابه ، وأحاط بهم عذابه ، فمنهم من أخذته الصيحة ، ومنهم من أدركه الغرق ، ومنهم من خسفت به الأرض ، ومنهم ، ومنهم….

حتى أتبع الله بعضهم في العذاب ببعض ، وجعلهم عبرة وأحاديث للناس ، وخصهم بالبعد من رحمته ، والطرد من جنته ، فلهم اللعنة ، وعليهم الغضب.

وشاءت حكمة الله تعالى وإرادته أن يجعل أمثال هؤلاء الحمقى في كل زمان ومكان فتنة للناس ، وما ذاك إلا ليتعظ بهم الخلق ، وليؤمنوا أنه لا انتصار إلا للحق ، وليعلموا أن جزاء المبطلين ليس إلا المحق ، فتجد أولئك الصنف لا يتعظون إلا بأنفسهم ، ولا يبصرون إلا ساعة هلاكهم ، ولا يفيقون إلا وقت احتضارهم ، وقد قيل في الحكم: “العاقل من اتعظ بغيره ، والأحمق من اتعظ بنفسه”.

ومع أن الإنسان جعله ربه على نفسه بصيرة ، ووهبه ما يميز به بين الضار والنافع ، ويعرف من خلاله الحق والباطل ، إلا أن ذلك الصنف لهم قلوب لا تفقه ، وأعين لا تبصر ، وأذان لا تسمع ، حواس عطلوها ونعمة كفروها ، لذا استحقوا ان يكون أضل من البهائم ، حتى قال الله فيهم: “أولئك كالأنعام بل هم أضل” (الأعراف: 179).

وأنبياء الله تعالى ورسله وورثتهم من العلماء بعثوا للعمل على إنقاذ هؤلاء وأمثالهم مما هم فيه من الشقاء وأسبابه بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة والرفق واللين فمنهم من يهتدي وأكثرهم هالكون ، فلا يذعنون للحق إلا بعد فوات وقته ، ولا يهدأون إلا بعد أن يصيروا أحاديث على الألسنة ، وعلكة في الأفواه ، ولا يؤمنون إلا وهم على أبواب جهنم حيث لا ينفع إيمان ، وقد صور لنا ربنا في كتابه بعضاً من مواقف تلك الطعمة من الناس بعد فوات وقت النفع ، فقال تعالى: “ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً ، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً ؟ قالوا نعم. فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين” (الأعراف: 44).

ما اريد قوله: أن العاقل الفطن عليه أن يُعمل عقله وان يستغل تلك النعمة _ التي هي قبس من نور الله ، وهي سبب تكريمه_ في كون الله ونواميسه ، فيذعن للحق ويعلم أن الحق وحده هو المنصور لا محالة ، وأن الباطل لا شك داحض وزاهق ، وأن لا يترك عقله لغيره.

زر الذهاب إلى الأعلى