أهم الأخبارآراء
أخر الأخبار

رؤية إنطباعية لكتاب يوميات قاض للمستشار بهاء المرى

 

بقلم د إنجى البسيونى

“أشجار الشر لا يجنى زارعها أبدا إلا ثمار
الندم”
موعظة ختامية أَنهى بها كاتبنا مقدمتة سِفره الشيق الثمين” يوميات قاض” و بدأت  بها رؤيتى الانطباعية لأهمية قصديتها  ومبتغاها ، يوميات قاضٍ ، ذلك العمل الذى انتزعنى بدوره  من هدوئى إلى عوالم مهيبة ، مرعبة ، صادمة من فرط قسوتها ولا معقوليتها وواقعيتها فى آن معا ، ثلاثون حكاية واقعية سردها قاضينا من قلب الأحداث التى عايشها  فى محاكم الجنايات بحكم عمله رئيسا فى محاكم جنايات مختلفة فى أنحاء الجمهورية  ، فيبدأ القارئ الحكاية  ليجد  نفسه فى نهايتها مشدوها مأخوذا ، يفغر فاهه وترتعد نفسه ، وكلما توغل أكثر وأكثر تزاحم فى قلبه الخوف والانقباض من دنيا البشر وعوالمهم الشاذة المضطربة ؛ وذلك لمجرد قراءتها  فمابالنا بمن عايشها  و أحدثت عصفا ذهنيا وشعوريا ووجدانيا  مدويا فى خلجات نفسه.

فى إطار فن الأدب القضائى يسرد قاضينا الفاضل حكاياته الواقعية بأسلوب أدبى رفيع ولغة دسمة ثرية وعبارات جزلة وصياغات محكمة مغلفة  بمعانٍ عميقة تتوارى خلف لغة السرد الشيق ، ويبث عبر السطور  حكاياته وأفكاره مخاطبا بأسلوبه الأدبى الرصين وجدان المتلقى قبل عقله ، و مخترقا عاطفته قبل إدراكه ، فلن يشعر القارئ بالملل قط بسبب التكثيف الذى يستخدمه الكاتب فى لغة السرد ومن ثم طريقته المميزة التى تتجلى فى تجويع اللفظ وإشباع المعنى ، و إيقاعه السردى السريع الذى يجعلك تلهث خلف السطور من البداية إلى الحبكة إلى الصراع إلى النهاية تلك النهاية التى يزيلها قاضينا بحُكمِهِ القضائى النهائى ؛ كاشفا لنا دوافع الجريمة والتى تقع علينا وقع الدهشة فى آخر القصة ، ثم يغّلق الستار عن حكاياته الغريبة لتنغلق معها أستار الأمان فى نفس القارئ  ، الذى يستشعر خبث النفوس المجرمة  أصحاب الفطرة الآسنة .
لقد اشتهرت أغلب مقدمات مرافعات المستشار بهاء المرى  بأنها مقطوعات نثرية بديعة وسيمفونيات أدبية ؛ تنتشل المتلقى من عالمه  فيستمع  لها بخشوع ،  وتخلق حول المشهد  هالة من الجلال ، جلالا يضاف إلى وقار المحكمة وهيبة اللحظة ،
ثم نجد قاضينا لا يمارس عمله بشكل روتينى رتيب ، ولكنه يعيش داخل قضاياه ويدرسها مستخدما علم النفس القضائى بشكل تلقائى ، وذلك لكشف حكمة الأسباب فى إرتكاب الجرائم مما يساعده على سبر أغوار الحقائق ، ومعرفة الدواعى النفسية لارتكاب الجرائم ،  حتى أننا نجده   يخبرنا بأنه أحيانا يعيد فتح قضايا انتهت بحكم البراءة ويكون المتهم فيها بريئا فى نظر القانون ، إلا أن قاضينا لا يستشعر الطمأنينة  فى صحة الحكم فيعاود المداولة ليعرف حقيقة ماحدث بالرغم من صحة التقرير الطبى وصحة الأدلة ، ليكتشف فيما بعد صدق حدسه وذكاء بصيرته ، وسيظل هذا الصراع يعتمل بين ضميره وإنسانيته ومقتضيات وظيفته طالما يرتدى معطف القاضى ، ليجد نفسه بمرور الوقت ممسوسا بالحكمة  ممارسا للرحمة  بتحقيق العدل  والقصاص … القصاص الذى على قسوته ؛ هو عين الرحمة بين العباد وفيه حياة للناس وبقاء للنوع الإنسانى .

زر الذهاب إلى الأعلى