دين و دنيا

د. حسني ابوحبيب يكتب :ثمرة الطاعة لمقدمها وشؤم المعصية على مقترفها

فمن أبصر فلنفسه” (الأنعام: 104).

أقام الله كونه على العدل ، وأسس ملكه بالقسط ، وابتلى بني آدم بالعقول ومنحهم الاختيار حكمة منه وفضلاً ، ليجزيهم على الإحسان إحسانا ، وعلى الإساءة إما عفواً وغفراناً وإما ذلا وهوانا ، جزاء وفاقا ولا يظلم ربك أحداً.

ومن ثمّ كان كل فعل يصدر من الإنسان إما له وإما عليه.
فالمسئولية الفردية معتبرة في الإسلام متى عجز الإنسان عن إصلاح غيره بالسبل المرضية التي بينها الشرع الحنيف ، فالمرء لن يسأل عن عمل غيره ولكنه يسأل عن عمله ، فلن يضار أحد بعمل أحد ما استقام على الجادة والتزم الصواب ، بعد بذله جهده في هداية غيره ، “يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم” (المائدة: 105).

بهذا جاء قوله تعالى: “قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها” (الأنعام: 104).

والمطالعة لكتاب الله تعالى تبين مسئولية المرء الفردية عن عمله بوضوح وجلاء ، فما عمل عامل إلا لنفسه وما قصر مقصر إلا عليها.

• “فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها”.• فثمرة الطاعة لمقدمها ، كما أن شؤم المعصية على مقترفها ، “من عمل صالحًا فلنفسه ومن أساء فعليها” (فصلت: 46 ، الجاثية: 15).

• ونور الهداية للمهتدي ، وظلام الضلال على الضال ، “فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها’ (الزمر: 41).

• والزيادة المترتبة على الشكر مقصورة على الشاكر ، كما أن الضنك المتولد عن الكفر لا يقع إلا على الكافر ، “ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم” (النمل: 40).

• وما بذل باذل جهدا في تزكية نفسه إلا جنت نفسه جنى جهده ، “ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه” (فاطر: 18).

وما تعب مجاهد وكد إلا وحصد ثمرة جهاده عزا في الدنيا ونعيما في الآخرة ، وكان جهاده لنفسه ، “ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه” (العنكبوت: 6).

أيضا ما بخل بخيل ولا شح شحيح إلا على نفسه ، “ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه” (محمد: 38).

والذين ينكثون عهودهم ويخلفون وعودهم ولا كلمة لهم ، لا يحيق عملهم بأحد غيرهم ، “فمن نكث فإنما ينكث على نفسه” (الفتح: 10).

ومن كانت تجارته الإثم وبضاعته المعاصي فلا يقع إثمها إلا على نفسه ، “ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه” (النساء: 11).

وما بغى باغ ولا ظلم ظالم إلا كان بغيه على نفسه ، وظلمه عليها ، “يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم” (يونس: 23) ، (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) (البقرة: 57).

والذين يمكرون السيئات ، ويكيدون للناس ، ويتربصون بهم ، ويحاولون إيقاع الضرر بهم ، لا أحد غيرهم يضار بمكرهم وكيدهم وضررهم ، “ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله” (فاطر: 43).

وبعد ، فرب هذا كتابه ، وذاك قوله ، وذلك وعده ووعيده ، ما أصدقه وما أعدله وما أجله وما أجمله.

فالفائز السعيد من عمل على تزكية نفوسه وحملها على الطاعات ، وجاهدها كي تنأى عن الذنوب والذلات، ووقف معها وقفة مصارحة ومكاشفة ومحاسبة.

فسلفنا الصالح كانوا كثيرا ما يحاسبون أنفسهم ويؤنبونها على تقصيرها، فلطالما وقف الواحد مخاطبا نفسه ومعاتبا إياها بقوله:

يا نفس إلى متى كلما اشتهيت اشتريت ، فمتى تتعلمين الصبر ؟.

يا نفس حتى متي كلما تعبت استرحت ، فمتى تتدربين على الجهاد ؟.

يا نفس حتى متى كلما خلوت عصيت ، فمتي تتعلمين التقوى ؟.

•يا نفس حتى متى كلما اغتنيت تماديت ، فمتى تعودين إلى الرحمن ؟.

يا نفس حتى متى كلما صدقت كذبت ، فمتى تستقيمين على الصواب ؟.

وختاماً أقول: نجاة كل إنسان مشروع شخصي فلن يؤاخذ أحد على تقصير الناس معه ، إنما يؤاخذ على تقصيره بحق نفسه.

فاللهم اهد لنا نفوسنا فلا هادي لها إلا أنت ، اللهم ألهم نفوسنا تقواها وزكها فأنت خير من زكاها ، فأنت وليها ومولاها.

وصل اللهم وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

زر الذهاب إلى الأعلى