أهم الأخبارآراء

محمد حربي يكتب: ربيع نتانياهو قبل الخريف !


أضحى ربيع “نتانياهو”، وسقوطه، مسألة وقت، ليس إلا!؛ وخاصة بعد مشروع القانون، الذي تقدم به بيني غانتس زعيم حزب ” معسكر الدولة أو ” تحالف الوحدة الوطنية”، من أجل حل الكنيست الإسرائيلي، وإجراء انتخابات خلال فصل الخريف المقبل. وعليه، فإن كل المؤشرات تنذر باقتراب لحظة تصفية الحسابات القديمة، مع ” الدولة العميقة”، والقادمة لا محالة، مهما تأخر موعدها، أو تأجل زمن سداد فاتورتها؛ نتيجة لما استجد، بوقوع معركة” طوفان الأقصى” في يوم السابع من أكتوبر (عام 2024م.). والتي طرحت معها المعارضة خلافاتها جانباً، وانخرطت في تحالف صهيوني مع الائتلاف الحاكم، بقياد ” حزب الليكود”. وذلك في رسالة مفادها، إن الصهاينة وقت المحن، في خندق واحد، حتى الانتصار – تمشياً مع مزاج الصهيونية التي تضع الأهداف الحربية على رأس أولوياتها-!. وبدأ الأمرُ، وكأن الغانم الإسرائيلي الوحيد من كل هذا، هو رئيس حكومة الكيان الصهيوني؛ الذي وجد طوق النجاة، لإنقاذ نفسه من الغرق السياسي. وربما يعطي يفسر سبب رفع سقف الأهداف المعلنة في الحرب الصهيونية على قطاع غزة، ويزيل غموض عدم التحمس للتعاطي، والتجاوب، مع الأطروحات؛ التي كانت تسعى لوقف القتال، وإبرام صفقة لتبادل الأسرى الإسرائيليين. وترتب على ذلك، زيادة حدة القلق والخوف لدى أهالي الأسرى الصهاينة؛ الذين خرجوا في مظاهرات، يغذيها الغضب الشعبي في الشارع الإسرائيلي، وتؤججها المعارضة المتربصة.
وكان ” نتانياهو ” ماكراً – كعادته-!، فاستغل فرصة الحرب؛ ليمسك بكل الخيوط في يده، بعد إدخاله للمعارضة في “القفص”، وبث الفرقة والشقاق، والوقيعة بين مكوناتها، وتفكيك صفوفها الحزبية. وقد حدث هذا مع تحالف الوحدة الوطنية أو “معسكر الدولة” – يضم عدد من الأحزاب في إسرائيل-، بزعامة بيني غانتس رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي السابق، ومؤسس حزب ” الصمود الإسرائيلي”. إذ انسحب زعيم حزب ” الأمل الجديد” جدعون ساعر، وفض الشراكة مع هذا تحالف ” غانتس ” في شهر مارس الماضي؛ وذلك على خلفية رفض، واعتراض ” غانتس” على مقترحٍ لـ” نتانياهو “، بضمِ ” ساعر” إلى مجلس الحرب – هو ذو روح يمينية عقائدية متشددة، وكان يدعو لعدم تخفيف الضغط العسكري على غزة، ويحث على التقدم نحو تدمير قوات ” حماس”-.
وظن ” نتانياهو” ، أنه قد ضرب عصفورين بحجر واحد!. حيث أزاح ” ساعر” من حلبة المنافسة – كان غريمه السابق في الصراع على رئاسة حزب الليكود قبل أن يؤسس حزب أمل الجديد وهو من أكثر اليمينيين المتشددين بشأن حلم إقامة إسرائيل الكبرى -. ومن ناحية أخرى، عمل ” نتانياهو” على إضعاف تحالف” غانتس”، إذ أنه بانسحاب ” ساعر”، يكون قد فقد ” غانتس” أربعة مقاعد، وهذا يصب في مصلحة ” نتانياهو”؛ الذي لن يخش إزعاج ” غانتس” لاحقاً؛ بعد أن ظل يشكل خطرا سياسياً، ويهدد بإسقاط حكومة ” نتانياهو”، والدعوة لانتخابات مبكرة. والآن، يعيش” نتانياهو”، حالة تضخم الذات، وإعلاء المصلحة الشخصية، والحلم بالخلد السياسي، وأنه في مأمنٍ؛ بينما هو يبدو وكأنه يعيش في بيت زجاجي، وكل العيون تراه. وسوف تأتي لحظة سداد فواتير الحسابات المؤجلة في مواجهة ” الدولة العميقة”، سواء كانت: مؤسسات أمنية، أو أكاديمية، أو اقتصادية من رجال أعمال وبنوك تجارية وبورصة والبنك المركزي، وجهاز قضائي، ومع وجود لوائح اتهام ظلت عالقة، بسبب الحصانة.
وبما أن دوام الحال من المحال. فيبدو أن الحصانة لن تدم طويلاً؛ وقد كشف أحد استطلاعات الرأي أجراها مؤخراً “المعهد الإسرائيلي للديمقراطية”، عن تراجع شعبية ” نتانياهو”؛ فوصلت إلى 15 في المائة فقط، ممن يؤيدون استمراره رئيساً للوزراء. بينما أيد ” غانتس ” 23 بالمئة، لقيادة الحكومة الصهيونية الثامنة والثلاثون. ولعل هذه المؤشرات دفعت الإدارة الأميركية، لقراءة النهاية المبكرة لـ ” نتانياهو” ، والرهان على ” غانتس” بديلاً للمرحلة القادمة. والتي قد تشهد سيناريوهات مماثلة للماضي، عندما حدثت انشقاقات داخل حزب ” الليكود ” بعد ( عام 2005م.) بخروج أحد أبرز مؤسسيه ” شارون ” ومجموعة الصقور، وتأسيسهم لحزب ” كاديما.
وعلى الرغم من أن المجتمع الإسرائيلي، منذ بداية الحرب ظل صامتاً لفترة طويلة؛ إلا من صوت المعركة. ولكن سريعاً تكشف الحقائق أمام المجتمع الإسرائيلي، وأيقن أن استمرار ” نتانياهو ” في حرب غزة، ليس لتحقيق الأهداف القومية لإسرائيل، وإنما لحساباته الخاصة، ومصالحه الحزبية. ومما رسخ من قناعتهم بذلك، تجاهله لمطالب عائلات الأسرى، والمؤسسة الأمنية والعسكرية بالذهاب لصفقة تبادل الأسرى. وعليه بدأت الاحتجاجات في الشارع الصهيوني، ودخلت الشرطة في مصادمات مع الشعب؛ وأصبح الأمر مرشحاً للتصعيد، وصولاً إلى ثورة كبرى. ومما يعزز من فرص هذا الاحتمال، عدم شعور المستوطنين بالأمن، ولاسيما المتواجدين بالقرب من حدود الكيان المحتل، الجنوبية – توجد المقاومة الفلسطينية- والشمالية – يوجد حزب الله-. مع عدم إغفال حالة الاحتقان بين صفوف الأحزاب الدينية، “الحريديم “و”الصهيونية الدينية”.
وهذا المشهد المأزوم للداخل الإسرائيلي، تولد بفعل إدارة المقاومة” حماس” للمعركة مع ” نتانياهو”، فأربكت حسابات ” نتانياهو”، واسقطت كل أوراق اللعب من يده؛ وساعدها في ذلك ما عليه الوقع الإقليمي، وعمليات ” حزب الله” بالشمال، “الحوثيين” بالجنوب، مع حالة عدم رضا واشنطن على عشوائية أداء الحكومة الصهيونية، وما فجرته من المشاكل، إقليمياً، وعالمياً؛ بل وعلى صعيد المنظمات الدولية. وبذلك تفاقمت الضغوط على ” نتانياهو”، بعد أن فشل في تحقيق الأهداف المعلنة من الحرب على قطاع غزة، وبقيت ” المقاومة” الفلسطينية صامدة في الميدان، ونداً قوياً، تملي شروطها في التفاوض. وبالتالي وضعت ” نتانياهو”أمام مفترق طرق، بعضها قد يتعلق بتهديد وجودي للكيان الصهيوني، أكثر منه مجرد إسدال للستار على مستقبله السياسي، وبِدْء الربيع قبل الخريف.
كاتب وصحفي [email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى