م. خالد محمود يكتب: الدروز بين الغموض العقائدي وتعقيدات السياسه

في مشهد الشرق الاوسط المتداخل دينياً وسياسياً، تبرز الطاقفه الدرزيه كحاله فريده تجمع بين الغموض العقائدي والواقعيه السياسيه. فمنذ نشأتها في بدايات القرن الحادي عشر الميلادي، ظلت هذه الطائفه التي تُطلق على نفسها “الموحدون” تتسم بالخصوصية والانغلاق، واحتفظت بموقعها على هامش الصراعات الدينيه والطائفية، قبل ان تفرضها الجغرافيا والاضطرابات المعاصره الى قلب النقاش السياسي في اكثر من بلد، خاصه في فلسطين المحتله وسوريا ولبنان.
جذور تاريخيه وهويه مغلقه
ينتمي الدروز الى طائفه دينيه انبثقت عن التيار الاسماعيلي خلال الحقبه الفاطميه في مصر، وتحديداً في عهد الخليفه الحاكم بامر الله، ويُعد حمزه بن علي بن احمد المؤسس الفكري الابرز للمذهب. ومنذ عام 1043م اغلق باب الدعوه الى المذهب، واصبحت الطائفه شبه مغلقه لا تقبل انضمام افراد جدد، مما عزز طابعها النخبوي والغامض، وجعلها محاطه بقدر من الريبه والاتهام في المجتمعات التقليديه، خصوصاً في السياق السني.
في اسرائيل اندماج مؤسسي مقابل قلق مجتمعي
منذ العام 1956، يشارك الذكور الدروز في اسرائيل في الخدمه العسكريه الالزاميه، وهو ما شكل سابقه فريده في صفوف المواطنين العرب داخل اسرائيل. كما ان الدوله اعترفت بهم رسمياً كطائفه دينيه مستقله عام 1957، ومنحتهم محاكم خاصه بالاحوال الشخصيه.
لكن هذا الاندماج الظاهري لا يخلو من مفارقات. فبينما يُبرز الاعلام الاسرائيلي الدروز كنموذج “للمواطن العربي المخلص”، فان شكاوى التمييز في الخدمات والتنمية لا تتوقف، وتفاقمت في اعقاب سن قانون القومية اليهودية عام 2018، الذي اثار موجة احتجاج كبيره داخل المجتمع الدرزي، اعتبرها كثيرون لحظه فارقه كشفت هشاشة “الاندماج الكامل”.
رفض التجنيس في الجولان… وممانعه داخليه
وفي الجولان السوري المحتل، لا تزال غالبيه الدروز ترفض الجنسية الاسرائيلية، متمسكون بهويتهم السورية رغم مرور اكثر من خمسين عاماً على الاحتلال. وقد شهدت المنطقة في الاشهر الاخيرة احتجاجات شعبية واسعة ضد اقامة مشاريع للطاقة المتجددة على اراضٍ يملكها الاهالي، ما يعكس تصاعد حالة التوتر بين السلطات والمجتمع المحلي، الذي يرى في هذه المشاريع تمهيداً للتغيير الديموغرافي والاقتصادي.
اما داخل الخط الاخضر، فتتنامى مؤخراً اصوات شبابية درزيه ترفض الخدمة في الجيش الاسرائيلي، رغم الضغوط المجتمعية والرسمية وهو ما يدل على انقسام داخلي اخذ في التوسع، خصوصاً في ظل الصراع الفلسطيني المتصاعد.
وفي سوريا، حيث يتمركز معظم الدروز في محافظة السويداء، تتخذ الطائفة موقفاً يوصف بـ”الحياد المحسوب” منذ اندلاع الازمه عام 2011. ففي حين رفض كثير من شبابها الانخراط في صراعات طائفية او الالتحاق بالمعارضة المسلحة، لم تبدِ الطائفة ايضاً تأييداً مطلقاً للنظام. وقد شهدت السويداء في العامين الاخيرين احتجاجات متكرره تطالب بالاصلاح وتحسين الاوضاع المعيشية، بعيداً عن الاصطفافات السياسيه الكبرى.
اما في لبنان، فالدروز يشكلون ما يقارب 5% من السكان، لكنهم يتمتعون بثقل سياسي ملحوظ من خلال الزعامه التاريخيه لآل جنبلاط. وقد اختار وليد جنبلاط مؤخراً تسليم قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي الى نجله تيمور، في ظل تحولات سياسية داخلية معقدة وانهيار اقتصادي غير مسبوق. ويُنظَر الى الدور الدرزي في لبنان باعتباره جزءاً من منظومه التوازن الطائفي التي تضمن بقاء النظام السياسي الحالي، رغم ما يكتنفه من اختلالات.
يبقى الدروز في موقع وسط بين الولاء للدوله التي يعيشون فيها، والحفاظ على هويتهم وخصوصيتهم. وهم، في كل الاحوال، ليسوا كتله متجانسه، بل طيف واسع من التوجهات والمواقف. وبينما ترى فيهم اسرائيل حليفاً وظيفياً، تنظر اليهم بعض القوى العربية بعين الريبة، في حين يسعى معظمهم، كما يبدو، للعيش بكرامة في مجتمعات امنة ومستقرة دون ان يتحولوا الى ادوات في صراعات الاخرين.