الدكتور حسنى ابوحبيب يكتب : يوم بدر نصر الله أئمة الهدى على رؤوس الكفر
“ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله” (آل عمران: 123).
كلما أهل علينا يوم السابع عشر لشهر رمضان من كل عام ذكّرنا بفضل الله علينا وتأييده لنا ، وكأن هذا اليوم العظيم لا يتكرر كل عام إلا ليزيدنا ويزيد كل ضعيف مستضعف ثقةً في ربّه ومولاه ، ليزداد الذين آمنوا إيماناً بأن مولاهم وسيدهم لن يخذلهم أبداً ، وهو ملك الملوك بيده الأمر يُصرّفه كيف يشاء.
كان يوم بدر الكبرى في مثل هذا اليوم قبل تسعة وثلاثين وأربعمائة وألف عام ، حيث التقى فيه خصمان ، خصم ﻛﺎن ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﻔﻘﺮ ﻭاﻟﻌﺠﺰ والذلة والاستكانة ، ﻭآخر ﻛﺎن ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﺸﺪﺓ ﻭاﻟﻘﻮﺓ والصلف والكبر ، ﺛﻢ ﺇﻧﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺳﻠﻂ الأول ﻋﻠﻰ الثاني فغلبه بإذنه ، وقهره بتأييده ، وأذله بعزه ، فقتل منه وأسر ، واخذ منه وغنم ، ﻓﺼﺎﺭ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺃﻗﻮﻯ اﻟﺪﻻﺋﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ اﻟﻌﺎﻗﻞ اللبيب ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻻ ﻳﺘﻮﺳﻞ ﺇﻟﻰ ﺗﺤﺼﻴﻞ ﻏﺮﺿﻪ ﻭﻣﻄﻠﻮﺑﻪ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﺘﻮﻛﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻭاﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﻪ.
نعم إنه يوم النصر والتأييد جعله الله تعالى معلّماً وملهماً لكل من تمسك بحبله المتين ، والتزم صراطه المستقيم ، ودليلاً من أقوى الأدلة على أن النصر إنما هو من عند الله ، وأن المنصور من نصره الله كما أن المخذول من خذله ، “وما النصر إلا من عند الله” (آل عمران: 127).
خرج قوم مستضعفون عُراة من كل شيء عدا إيمانهم في قلوبهم وسيوفهم بأيديهم ، يطلبون حقاً ضائعاً ومالاً مسلوباً ، وقبل هذا ليعلنوا عن دينهم ودولتهم ، خرجوا لعير عليها سبعون رجلاً تقريباً من جبابرة الأرض وعتاة البشر بزعامة شيخ الكفر في ذلك الوقت أبي سفيان بن حرب ، وإذا بالحال يتبدل فينجو أبو سفيان وينجح في تأليب مكة عن بكرة أبيها للخروج لقتال أولئك المستضعفين ، خرجت مكة بخيلها وخيلائها بعد أن لبّت نداء رسول أبي سفيان ، خرجت لنهاية ساقتها الأقدار لها سوقاً لتتحقق القدرة الإلهية فيها لتكون على مر الزمان عبرة لكل من غرته قوته وأزهلته عن قدرة القدير.
وصل جيش مكة بدر وكذا جيش الحق ، وبعد أحداث وجد الجيشان بعضهما في مواجهة بعض ، وأصبحا لا يستطيعان تغييراً لما خطّته يد القدرة الإلهية في عالم الغيب ، لا سيما بعد أن ازداد كل فريق يقيناً في قدرته على قهر خصمه بمعجزة جعلت كلا الفريقين يستقلّ الآخر ، “ﻭﺇﺫ ﻳﺮﻳﻜﻤﻮﻫﻢ ﺇﺫ اﻟﺘﻘﻴﺘﻢ ﻓﻲ ﺃﻋﻴﻨﻜﻢ ﻗﻠﻴﻼ ويقللكم ﻓﻲ ﺃﻋﻴﻨﻬﻢ ﻟﻴﻘﻀﻲ اﻟﻠﻪ ﺃﻣﺮا ﻛﺎﻥ ﻣﻔﻌﻮﻻً” (الأنفال: 44).
بدأت الحرب بمبارزة بين ثلاثة هم رؤوس الكفر والضلال غرتهم أنفسهم فظنوا بالله غير الحق ، وثلاثة هم أئمة الهدى باعوا نفوسهم لله ، فكانت العاقبة كما هي دائماً للحق على الباطل ، ثم أخذ جيش الحق يحصد رؤوس جيش الباطل فقتل بعضه وأسر بعضه وفرّ الباقون لا يلوون على شيء.
وصدق الله وعده فنصر عبده وأعز جنده ، ووعد الله لا شك صادق في كل زمان ومكان ، فما تخلّى الله تعالى أبداً عن عباده ، وما خذلهم أبداً ما آمنوا به ونصروه ، فقدموا ما قدّم ، وأخروا ما أخّر ، وأحلوا ما أحل ، وحرموا ما حرّم.
أمّا من بدّل وغيّر ، وقدّم ما من شأنه التأخير ، وأحل ما من شأنه التحريم ، فأنّى له النصر ، وكيف تكون له الغلبة ، وقد ترك القوي من أجل الضعيف والقادر من أجل العاجز ، فقد قال ربنا وقوله الحق: “ﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا ﺇﻥ ﺗﻨﺼﺮﻭا اﻟﻠﻪ ﻳﻨﺼﺮﻛﻢ ويثبت ﺃﻗﺪاﻣﻜﻢ” (محمد: 7).
ما أريد قوله في هذه المناسبة العطرة: أنه ينبغي على المسلم أن يستلهم الدروس والعبر من تلك الغزوة المباركة ، وأن يكون على يقين أنه لن يجني أحد عزة إلا في جناب الله وفي ظل تقواه ، لذا أمرنا الله تعالى بتقواه بعد أن ذكرنا بنعمة النصر فقال: “فاتقوا الله” ونحن في شهر التقوى فعلينا جميعا أن نتخذ من طاعته تعالى وقاية لنا تقينا عذابه.
نسأل الله تعالى نصراً وتأييداً لكل من يدافع عن حمى أوطاننا وشرف أمتنا ، فنصراً يا ربنا لجيشنا جيش الحق وخذلاناً لكل من أراد أن يشتت شمل أمة نبيك وسعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل. إنك لا تحب الفساد وإنك لنعم المولى ونعم النصير.