آراء

د.حسني ابوحبيب يكتب : المنطق المعوج ودعاة الإصلاح مرضى القلوب وموتى المشاعر

قال تعالى “وربك أعلم بالمفسدين” (يونس: 40).

من تأمل أحوال الناس عامة ، ونظر أحوالهم وأفعالهم وأقوالهم نظر المدقق البصير ، لا شك أنه سيجد عجباً عجاباً.

يجد صنفاً من الأناسي دأبوا على الفساد والإفساد ، ويا ليتهم وقفوا عند هذا الحد ، بل حاولوا أن يُلبسوا فسادهم ثوب الصلاح ، ويظهروا إفسادهم في صورة الإصلاح ، بل ربما استطاعوا بمنطقهم المعوج وحججهم الداحضة وإعلامهم الكاذب تشويه صورة المصلحين والنيل من سمعة الصالحين.

وما يلاقيه ديننا الحنيف هذه الأيام من تشويه نتيجة لجهل بعض أبنائه ومكر أعدائه إلا صورة حية تعكس لنا صورة هذا الصنف من أشباه البشر.

وكم من مفسدٍ في الأرض ، مهلكٍ للحرث والنسل ، نراه يعمل جاهداً على تزيين قوله الخادع وفعله الشائن بعبارات رنانة وجمل براقة ينخدع لها من لا علم لهم ولا فقه ، وبعد ذلك كله تجده مدعياً للصلاح والإصلاح.

وقد ضرب الله لنا نماذج لهؤلاء في كتابه الكريم وصوَّرهم أدق صورة لنحذرهم ونُحذّر منهم خلقه ، قال تعالى: “ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام * وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد * وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد” (البقرة: 204 : 206).

وكم نرى من مخادعين لله ولعباده ، مرضى القلوب موتى المشاعر ، قتلهم الكره ، وأكلهم الحسد ، وتمكن النفاق من أفئدتهم ، يفسدون ولا يصلحون ، يكيدون ويمكرون ، ومع ذلك لا يقبلون نصحاً ، ويَدّعون الصلاح والإصلاح ، والله يعلم أنهم كاذبون في دعواههم ، “في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون * وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون” (البقرة: 10 : 12).

وقد أُخبرنا في قرآننا في غير آية أن إلهنا لا يحب الفساد ولا يرتضيه ، “والله لا يحب الفساد” (البقرة: 205) ، “والله لا يحب المفسدين” (المائدة: 64) ، ثم يؤكد ذلك في قوله تعالى: “إن الله لا يحب المفسدين” (القصص: 77).

أيضاً أُخبرنا في قرآننا أن ربنا واقف بالمرصاد لكل فاسد مفسد ، طاغيةٍ مستبد ، ظالم مخرب واقف له بسوط عذابه وسيف انتقامه ، “الذين طغوا في البلاد * فأكثروا فيها الفساد * فصب عليهم ربك سوط عذاب * إن ربك لبالمرصاد” (الفجر: 11 : 14).

وقد تضيق صدور المصلحين على وجه الحقيقة من أفعال تلك الطُغْمَة من الناس لا سيما عندما يرون أكاذيبهم تنطلي على جهلاء الناس وعوامّهم لذا يأتي ذلك القول الكريم مثبتاً لهم ومطمئناً لقلوبهم ، فيُعلنها صراحة أنه تعالى أعلم بهؤلاء المفسدين ، مطلع على خبايا صدورهم ، “وربك أعلم بالمفسدين” ، “فإن الله عليم بالمفسدين” (آل عمران: 63).

ليس هذا فحسب ، بل يأتي قوله تعالى ووعيده لهؤلاء في نفس السورة بعد إحدى وأربعين آية من قوله السابق ، ليربط على قلوب المصلحين ، وليبين للعالمين أنه تعالى لا يصلح عملاً لمفسد أبدأ ، فيقول: “إن الله لا يصلح عمل المفسدين” (يونس: 81).

ومن يطالع التاريخ ويراقب الدهر ويمعن النظر في صحائف الزمن ، يوقن بصحة قوله تعالى السابق ، ولا يرى فاسداً أو مفسداً إلا ذاق وبال أمره وكانت عاقبته خسراً.

أين من دلسوا وكذبوا وفجروا في الخصومة ، وخرّبوا الأرض وانتهكوا العرض ، وأحرقوا الحرث والنسل ؟!!!.

ألم تكن عاقبتهم جهنم ولبئس المهاد.

أين من بغى وتجبر ، واغتر بقوته وماله ، بعد أن نسي نصيبه من الآخرة ، وابتغى الفساد في الأرض ، وزعم أن ودائع الله عنده هي ملك له تحصّلها بعلمه وقدرته ؟!!!.

ألم يكن مآله الخسف والذل والهوان ، “فخسفنا به وبداره الأرض” (القصص: 81).

أين من اغتر بأوتاده ، وأتى شيئاً إدّا ، حتى قال: “أنا ربكم الأعلى” ، وطغى في البلاد بعد أن أكثر فيها الفساد ؟!!!.

ألم يصب الله عليه سوط عذابه ، وأخرجه جيفة بعد أن أغرقه أمام جنوده وخُدّامه ، وجعله لمن خلفه آية.

أين من سارعوا في الإثم والعدوان ، وأكلوا السحت وقالوا الإثم ، وبدلوا وغيروا ، وأججوا الخصومات ، وأشعلوا نيران الحروب بين الناس ، وتجرأوا حتى على الذات الإلهية فوصفوها بما لا يليق ؟!!!.

ألم يجنوا عاقبة ذلك عداوة وبغضاً فيما بينهم إلى يوم القيامة ، وأبغضهم الله وطردهم من حظيرة حبه ودار كرامته.

أين من أفسدوا العلائق بين الناس بالسحر والشعوذة ، وفرقوا بين المرء وأهله ، وسخروا سحرهم للشر وأهله ؟!!!.

ألم يتوعدهم الله ببطلان عملهم ، ومجازاتهم من جنس أعمالهم بإفسادها عليهم وعدم إصلاحها.

اقرأوا التاريخ وعوه ، وتعلموا من دروسه وعبره ، فالسعيد من اتعظ بغيره ، والشقي من اتعظ به غيره ، فلا يستوي أبداً في قانون العلي القدير المصلح مع المفسد ، كما لا يكون التقي كالفاجر أبداً ، “أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار” (ص: 38).

اللهم أصلحنا وأصلح بنا واجعلنا صالحين مصلحين ، وأجر على ألسنتنا ما يرضيك عنا ، واجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر.

وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

yoast

زر الذهاب إلى الأعلى