د. حسني ابوحبيب يكتب : الخسارة التي لا تعوض
“قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة” (الأنعام: 12).
سؤال أمر الله تعالى به نبيه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم أن يوجهه إلى أناس غرتهم أموالهم وأولادهم ، وزادتهم نعم الله عليهم نفوراً واستكباراً ، وبدلاً من أن تقربهم منه باعدتهم عنه ، وأنستهم النعم المنعم ، بدلاً من أن تذكرهم به ، كما ألهاهم مالهم عن مآلهم ، وصرفهم سلطانهم عن سلطانهم ، فشاقوا الله ورسوله ، ورفضوا الهداية وقبلوا الضلال ، وآثروا العاجلة على الآجلة ، فكانت نهايتهم كما نعلم جزاءً وفاقاً لبدايتهم.
قل يا محمد لهؤلاء ولمن سار على نهجهم: لمن ما في السماوات من بروج وأفلاك ؟، ولمن ما في الأرض من زروع وضروع وأملاك ؟، ولمن ما في البحر من درر وأسماك ، لا شك أن الجميع سينطق بلسان الحال قبل المقال: لله.
نعم لله ، لأنه لا يجرؤ أحد أن يدعي ملك السموات ، أو خلق شيء فضلا عن خلق نفسه ، لأن أعينهم عندما فتحت لأول مرة أبصرت تلك الأشياء وكأنها في انتظارهم ، كذلك لم يروا أحداً مهما بلغت قوته أخذ شيئاً منها عند رحيله المحتوم ، وما زادت بمولد أحد ، ولا نقصت بموته.
نعم لله ، يا كل من زعم أن ودائع الله عنده إنما أوتيها على علم عنده ، أو نالها بقوته ، أو استحقها بذكائه.
نعم لله ، يا كل من حاد الله تعالى بما حباه إياه من عطايا وهبات.نعم لله هي وغيرها وكل ما نراه ومالا نراه ، لله ملك الملوك ومالك الملك.
ومن العجب أن يذكر سبحانه بعد هذا السؤال الموجه لهؤلاء الضالين ، أنه كتب على نفسه الرحمة وأوجبها ، وكأنه تعالى بهذا يفتح لهم ولكل من شرد عن سبيله مهما كان ذنبه ومهما بلغ جرمه باب العودة إليه ، والسبل المؤدية إليه ، بعد أن أظهر لهم الآيات الدالة عليه.
ومن رحمته التي كتبها على نفسه تعالى ، جمع الناس لذلك اليوم الموعود ، الذي تُوفى فيه كل نفس ما كسبت ، بعد أن تشهد بنفسها على نفسها “اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون” (يس: 65).
ذلك اليوم الذي لا ظلم فيه ولا حيف ، فيه من رحمات الله ولطفه مالا يخطر ببال ، ولا يتصوره عقل ، وما ظنك بيوم مالكه الرحمن الرحيم ، “الرحمن الرحيم مالك يوم الدين” (الفاتحة: 3 ، 4) ، حتى يظن اللعين أنه سينال من تلك الرحمات ما ينقذه من مصيره المحتوم.
بعد هذا كله يأتي الحكم الإلهي ليقول قولته ، ويصدر حكمه بالخسران على كل من لم يؤمن بالله وشرد عن سبيله ، “الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون” وأي خسارة بعد خسارة النفس ، فهي الخسارة التي لا تعوض.
نسأل الله تعالى إيماناً صادقاً ، ويقيناً ثابتاً ، ورحمة من عنده تشملنا وتسعنا نحن ومن نحب.
yoast