منوعات

إلهام عفيفي تكتب: زيزي هانم ثلاثية تعيدنا إلى الزمن الجميل

عندما تتغير الثقافة يتغير المجتمع لذا فإن التغير الثقافي لابد وأن يصنع تغيراً انسانياً وكل ثقافة مهما كان طابعهـا تخضع لعمليــات التغير، وقد ينبع التغير الثقافي من داخل المجتمع عن طريق العلم بالاختراعات والاكتشافات، وقد ياتى من الخارج عن طريق انتشار السمات الثقافية الجديدة من ثقافات أخرى قريبة او بعيدة.

وهذا التغير الثقافي ينسحب على كل فروع الثقافة بما فى ذلك الفن والعلم والتكنولوجيا والفلسفة إضافة إلى ثوابت وقيم المجتمع.
دارت هذه الأفكار في رأسي وأنا أقرأ ثلاثية د. طارق منصور “زيزي هانم” فقد صنعت داخل رأسي دون وعي مني حالة من المقارنة بين حالة المجتمع المصري الأصيل الذي يظهر في القصص الثلاث حيث الابطال يحملون الصفات المصرية الاصلية والتي هي صفات الانسانية من الشهامة والمرؤة والكرم والتسامح وخفة الدم وغيرها من الصفات التي مثلت تركيبة فريدة اشتهرت بها الشخصية المصرية فيما مضى.

وبين حالة المجتمع المصري التي نعيشها الآن حيث تغيرت التركيبة وتبدلت عناصرها حتى لم نعد نستطيع التعرف على تلك الشخصية المصرية التي نراها فقط في الافلام.

استمتعت بقراءة تلك الثلاثية التي اشعرتني بأنها واحة خضراء وسط صحراء الابتذال والعنف والقلق والتوتر الذي نعيشه.. حيث جاءت صراعات الثلاثية كلها صراعات نفسية داخل الابطال حول ما يجب ان يفعلوه طبقا لمبادئهم حتى وان خسروا وبين ما يمكن ان يفعلوه بشكل اسهل ومضمون المكاسب، صراعات قيمية واخلاقية انتصر فيها الكاتب للقيم ليجعل ابطاله في كل مرة يختارون ما يرضي ضمائرهم.

مما اسعدني أن الشخصيات السلبية أو الشريرة في “زيزي هانم” هامشية جدا تظهر على استحياء ثم ينتهي وجودها سريعا، على عكس ما نجد الآن من التركيز على الشخصيات السلبية من مجرمين وبلطجية والتي أدت الى زرع القبح في نفوس الشباب، أعطى طارق منصور لكل شخصية الجزاء الذي استحقته نتيجة لاختياراتها فكانت مكافأة شوقي على مروءته وكرمه هي “شقة المعادي” بينما جزاء زوجة كفيله الخائنة كان الموت في حادث، وكانت مكافأة لورا اكتشافها ان امها “زيزي هانم” لا تسعى خلف ذلك الشاب الانتهازي وانما تسعى لمصلحة ابنتها فقط، حتى في القصة الاخيرة “ماكنش قصدي” كانت مكافأة الأم الصابرة أن ترى ابنتها وتطمأن عليها قبل أن تموت، فلم نجد في ثلاثية طارق منصور انتصارا لبلطجي أو تمكينا لخائن أو سيطرة لظالم.

ثلاثية “زيزي هانم” ذكرتني بنوعية من الافلام ظهرت في الستينات وكان كل فيلم يقدم ثلاث قصص مختلفة تربطها فقط الفكرة مثل “البنات والصيف” و”ثلاث لصوص” و”نفوس حائرة” غيرها من الافلام التي حملت اكثر من قصة في شريط واحد تناقش صراعات الانسان مع نفسه ومع المجتمع من حوله دون أن نشعر بأن القبح هو سيد الموقف، أتمنى ان تجد ثلاثية “زيزي هانم” وما يماثلها من اعمال تعلي قيمة الاخلاق وتعيد الينا شخصية المصري المفقودة طريقها الى الشاشات ليراها الجميع .. ربما تكون بداية لاصلاح ما فسد.
شكرا د. طارق منصور على هذا الجمال الذي أعدتنا به إلى الزمن الجميل لنعيشه ولو لمدة قصيرة هي زمن قراءة تلك الثلاثية الجميلة “زيزي هانم”.

زر الذهاب إلى الأعلى