طارق الصاوي يكتب ..الصاحب ساحب

تنهض المجتمعات والمؤسسات ومنظمات العمل بما تملكة من طاقات بشرية تخطط وتنفذ وتقود لاعمال التنمية والإنتاج و الإصلاح و التعليم ، وتتكون هذه الطاقة البشرية من افراد ومجموعات هم في الاصل من الزملاء أو الاصدقاء او الأقارب ، ويجب ان يكونوا علي قدر من التآلف وحسن المرافقة لتحقيق اهدافهم الإجتماعية أو التنموية او الإنتاجية وغيرها ، دونما إحداث خلل يصيب هذه المنظومة فى صميم أهدافها ومقاصدها.
و لاشك أن رفقاء الحياة هم ادلتنا إما إلى الخير وإما إلى الشر إما إلي الفلاح وإما إلا الخسران المبين.

ولذلك إهتم الإسلام بهذه القضية المحورية في بناء المجتمع. حتي لا يختلط اهل السوء بالصالحين فيفسدوا عليهم حياتهم وياخذونهم من الهدي إلى الضلال والغواية.

فبين لنا نبينا صلوات ربنا وسلامه عليه فَضِيلَة مُجَالَسَة الصَّالِحِينَ وَأَهْل الْخَيْر وَالْمُرُوءَة وَمَكَارِم الأَخْلاَق وَالْوَرَع وَالْعِلْم وَالأَدَب, وَالنَّهْي عَنْ مُجَالَسَة أَهْل الشَّرّ وَأَهْل الْبِدَع, وَمَنْ يَغْتَاب النَّاس, أَوْ يَكْثُر فُجْرُهُ وَبَطَالَته, وَنَحْو ذَلِكَ مِن الأَنْوَاع فيما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي موسى الأشعرى (مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ؛ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ, وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ, وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً, وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ, وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً).

وكذلك أمر ربنا تعالي في الآية ال ٢٨ من سورة الكهف في قوله تعالى {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }
فدين الإسلام دين تربية وتعليم وتوجيه , دين يريد من أتباعه أن يسلكوا سبل النجاة , وأن يتبعوا طريق الحق

فبينت الآية الكريمة لنا أن القيمة الحقيقية التي يجب أن تحملها نفوس المؤمنين هي قيمة الإيمان والعقيدة وتلكم العقيدة هي التي يرتاح لها العقل السليم فيجب ان يبحث عن البيئة والصحبة التى تربي فيه هذه المثل والعقائد وترسخ فيه قيمها ومبادئها ، وان يبتعد عن الغافلين عنها من الذين اغوتهم الدنيا ومفاتنها واوضح ان صحبتهم تجر إلى الهلاك وفتنة الدنيا وعذاب الآخرة.

وعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم ، أن الصداقة والمصاحبة والرفقة بين إثنين تطبع بينهما فى كثير من الخلق والطباع والمعتقدات والأفعال والأقوال.
فكل منهما يجر الآخر بحكم المخالطة والمعايشة والمشاركة إلى ماهو عليه من فكر وخلق واعتقاد ، فلابد لكل مسلم عاقل أن ينتقي من يصاحب ويخالل.

واكد ذلك الحديث النبوى الذى رواه الترمذى وأبو داوود فى السنن ” المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يُخَالِل”.

وجائت الآيات القرآنية تؤكد أن هذه المجالس والصداقات والرفقة الدنيوية سوف يتحول اغلبها عند الحساب يوم القيامة إلي عداوات ، حيث يلقي كل منهما التبعة علي الآخر فيما وقع به من ضلال وغواية واعمال استجلبت عليه سخط الله وأوجبت عليه المعاقبة و شدة الحساب.

فيقول ربنا في الآية ٦٧ من سورة الزخرف ” الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ”
ثم يبين ربنا تعالى شدة الندم التي سيعانيها من ضلوا بالإنسياق خلف أصحابهم ورفقائهم الذين اوقعوهم فى سخط الله وملئوا قلوبهم بالعداوة والبغضاء لخلق الله واخذوهم الحق إلي الباطل ومن الهدي إلى الضلال ومن الخير إلى الشر. فقال سبحانه في سورة الفرقان ” وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا (29 ) ” .

ومن هذا المنطلق حرص دين الإسلام على بناء مجتمع يعم فيه الصلاح والإستقامة ويكثر فيه المصلحون ويحرص فيه الناس على مجالس الخير والذكر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى واتباع الخير وأهله بمصاحبة الصالحين واهل الصواب المخلصين ذوي الخلق الكريم والعمل القويم.

كما حرص علي نبذ مريدى العوج الاشرار وأهل السوء ومجالس اغيبة والنميمة والإيقاع بين الناس وإفساد ذات البين ودعاة التضليل والفسق والأمر بالمنكر والنهى عن المعروف. وامرنا الشرع بالبعد عنهم وعدم مجالستهم او مصاحبتهم او الإنسياق خلف افكارهم وأفعالهم.

وان يكون ذلك دستورا في حياتنا ومجتمعنا ومؤسساتنا ونوادينا ومدارسنا وجامعاتنا ومصانعنا ، وكل اماكن تواجدنا في الحياة لنصاحب الصالحين المصلحين. وننبذ الفاسدين المفسدين ونبتعد عنهم، ونربي أبنائنا على ذلك لتنهض اوطاننا بالخير والنماء ونقضي علي الشر والفساد واتباعه.

 

بقلم : طارق الصاوي المستشار الاعلامي لجمعية الطرق العربية ، عضو الاتحاد الدولي للطرق IRF

زر الذهاب إلى الأعلى