منوعات

وسام الجمال يكتب: سلسلة الأيام

لم تكن تلك اللحظة التي مرت علي عم سعيد سوي أسوأ لحظة في حياته فبعد اكثر من خمسة وثلاثون عاما قضاها بين اروقة عمله بوزارة التنمية المحلية اليوم ينهي عمله ويحال للمعاش اليوم فقط سيترك محل عمله بعد أن أدي عمله علي اكمل وجه.

وقف سعيد أمام غرفة التكريم التي أعدت له خصيصا حيث تم توفير أكبر قاعه للاحتفال به وتم تحديد موعد الحفل عقب انتهاء يوم العمل الرسمي لان الجميع يرغب في تكريمه.

تذكر سعيد اول يوم له في عمله عندما أنهي دراسته الجامعية بكلية التجارة وحضر الي مقر الوزارة من قريته التي تبتعد عن العاصمة اكثر من خمسين كيلو متر حيث أنه من سكان القليوبيه.

حضر وقدم أوراقه بعد أن تم ترشيحه للعمل بالإدارة المالية بالوزارة كان أول يوم له عصيبا إنهاء أوراق وكشف طبي لم يتمكن يومها من استلام عمله بسبب ضيق الوقت لكنه فى اليوم التالي انهي أوراقه واستلم مكتبه بجوار زميليه الاستاذ حسين مدير الإدارة والأستاذ محمد زميله والذي حضر معه في نفس اليوم.

بدأ سعيد سلسلة من الايام بدأت بالتعارف علي زملائه بكافة المكاتب والادارات واخذ فكرة عن مهمة كل إدارة حتي أصبح ملما بكافة الإدارات.

مرت أعوام قليله وسعيد يثبت جدارته في العمل حتي أصبح محط أنظار كافة رؤسائه وكذلك زملائه فليس هناك إدارة لا يعلم متطلباتها اغلب زملائه حاولوا كثيرا ايقاعه في الغلط من باب الدعابة لكنه دائما كان الأجدر.

لم يكن سعيد مجرد زميل لهم بل كان سندا للجميع حتي اذا سألت من لايحبه عن السبب يقول لا أعلم سعيد لم يترك احد لم يساعده أو يقف بجواره أو يجامله حتي جاء اليوم الموعود حين قرر سعيد الزواج من زميلته إيمان التي تعمل في إدارة الشئون القانونية وقام الجميع بتزكيته عندها حتي وافقت وتمت الخطبة ثم حفل الزفاف الذي شارك فيه جميع الزملاء خاصة وأنهم يردون لسعيد جزء من مجاملاته.

شاءت الآقدار ان لايرزق سعيد بابناء من زوجته بسبب أنها عاقر لم يتردد سعيد عندما علم هذا وطلب منها تحضير أوراقها لسفرهم الي الأراضي الحجازية لاداء العمرة.

لم يكن سعيد الموظف المثالي التي حققها كل عام فحسب بل كان أيضا زوجا مثاليا وجارا مثاليا وقريب مثالي لكل أقاربه واقنع زوجته أن الله اردا ان يستمتعا بحياتهما في هدوء بعيد عن صخب الأبناء وعليهم مراعاة الأيتام والوقوف بجوارهم. وهو ما جعل زوجته تتعصب عليه وتسأله هل انت بني آدم انت بتحس انا عاقر روح اتجوز دي حياتك وأمل كل إنسان ام يري أبنائه ثم انهارت باكية بين أحضانه و هو يبكي معها قائلا لاتبكي يا ابنتي.

مرت حياة سعيد مع زوجته وفي عمله بهدوء تام لايناخر عن أحد.

انتبه سعيد مع صوت الوزير وهو ينادي باسمه لحضوره لحفل تكريمه بين زملائه فهو الموظف الوحيد الذي أصر الوزير علي التحدث عنه بنفسه بل وتأخير موعد الحفل ساعه عن موعده بسبب تأخره لاجتماع في مجلس الوزراء.

وقف سعيد بين زملائه باكيا حتي انتهي الحفل اخذ زوجته في يده وذهبا الي منزلهما لبداية حياة جديدة.

مر اليوم الأول علي سعيد طويلا مملا فهو بجلس في البيت وحيدا حيث أن زوجته باقي علي معاشها خمس أعوام.

نزل سعيد من منزله متوجها الي المسجد لصلاة الظهر ليجد فتاة تبكي في الشارع بسبب ضياع خمسون جنيها منها طبطب عليها سعيد ومنحها مائة جنيها لتفرح البنت التي أصرت علي الخمسين فقط وسط دعوات له بجبر الخاطر.. اكمل سعيد طريقه للمسجد وبعد انتهاء الصلاة ذهب الي البيت ليجد سيارة سمراء تنتظره ويسألون عن عنوانه دعاهم لدخول منزله لكنهم طالبوه بتغير ملابسه والذهاب معهم ليلتف حولهم اهل المنطقة متسائلين عن سبب طلبه وماذا فعل طمئنهم الشباب بالسيارة واخذوا سعيد وتوجهوا الي مقر رئاسة مجلس الوزراء ليفاجأ سعيد باستقبال وزيره أمام الباب مطالبا اياه بالهدوء ليجد رئيس الوزراء منتظره ليعرض عليه منصب مستشار مالي وإداري بمكان حساس تابع لرئاسة الوزراء فرح سعيد جدا وذهب الي منزله ليجد زوجته تنتظره مبتسمه سالها عن سر الابتسامه فاخبرته بماحدث له حيث أنها كانت تعلم قبل أن يذهب.

جلس سعيد علي انتريه المنزل ثم قام وتوجه الي الحمام ليحصل علي دش بارد من غبار اليوم ويصلي العصر ثم ركعتين شكرا لله.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى