الدكتور فتحى حسين يكتب: الشاب العاطل ضحية الفقر والعطش

لا اجد تفسير لهذه الواقعة المريبة التي شهدتها منطقة وسط البلد في شارع عادلي والتي راح ضحيتها شاب عاطل عن العمل بسبب سرقته علبة كانز مياة غازية ” حاجة ساقعة” ولم يدفع ثمنها ،فما كان من اصحاب المحل الماركت أن قاموا بسحبه وتوثيقه بالحبال وطرحوه ارضا وانزلوا فيه عقابا و ضربا مبرحا لا يتحمله بشر.

حتي توفي بعدها في الحال ثم تركوه بجوار المحل !

وحدثت هذه الوقائع في وضخ النهار وامام المارة من الناس وامام الجيران من المحلات المجاورة دون أن يتحرك احد او تهتز لهم شعره .

وكأن الاحساس انقطع فجأة منهم بالرغم من وقوع المحل بالقرب من المعبد اليهودي ومنطقة وسط البلد التجارية المزدحمة وقريب من نادي القضاة ونقابتي الصحفيين والمحاميين.

الامر الذي كشف برأيي العديد من الدلالات التي ينبغي طرحها في هذا المقال اولها هي لا توجد اسباب للضرب المبرح للشاب الذي ربما دعته الظروف القاسية وفقره الشديد لتناول زجاجة مياه غازية لشعوره بالعطش في هذا الجو شديد الحرارة والرطوبة .

وليس معه المال فهل يستحق التوثيق بالحبال والضرب المبرح المميت من خلال ثلاث شباب مفترض انهم متعلمين وليس جهلاء يعلمون خطورة هذا الفعل وهو التوثيق لمجرد سرقة علبة كانز لا تساوي 5جنيهات !

الامر الاخر هو جنون المجتمع وعنفه في التعامل مع صغائر الامور مثل القتل لاتفه الاسباب مثل علبة كانز او مياه معدنية او علبة سجائر او القتل لاجل موبايل او القتل لاجل ديون تبلغ ٥٠ جنيه او ١٠٠ جنيه والقتل بسبب اسبقية ركن السيارة في مكان ما او التحميل من موقف الميكروباص قبل الاخر حتي اصبحنا مجتمع عنيف يلجأ الي العنف وليس القانون في معظم الأحيان حتي يحصل علي حقه وهو مؤشر خطير في المجتمع !

الامر الاخر الذي كشفت عنه هذه الواقعة البشعة هو شعور البعض من المواطنين أن القانون لا يخدم الا الاغنياء فقط مع شعورهم الدائم بالاحباط بسبب حالة التناقض التي يعيش فيها من وجود بطالة وفقر كبيرين في المجتمع من ناحية واعلانات لشقق وفيلات بالملايين واطعمة شهية وملابس بالآف الجنيهات.

لدرجة أن اي شاب يفكر في الزواج والاستقرار لابد أن يدخر اتنين مليون جنيه لشراء شقة باللوازم وتكاليف المعيشة التي اصبح فوق طاقة الغالبية من الناس الامر الذي جعل البعض يتجه الي تجاوز القانون في بعض الممارسات لاسيما أن هناك ما يقارب ٥٠ الف حكم قضائي لم ينفذ حتي الان !

الامر التاني وهو عودة اللصوص الذين سرقوا المال العام من الخارج الي الوطن وبراءتهم من تهمة السرقة والتربح من المال العام وعودتهم الحياة السياسية والعامة مجددا والتصالح مع الحكومة دون أن يتم حبسهم او وضعهم بالسجون بل قاموا بدفع المال المستحق عليهم فقط وهذا ربما يشجع البعض علي تجاوز القانون بشكل ما ثم التصالح وعدم السجن اسوة بالاخرين من رجال الاعمال !

كما كشفت الواقعةعن حالة السلبية واللامبالاة التي اصبحنا فيها وغياب الشهامة والمروءة والرجولة فلم يهتم احد من المارة او جيران محل السوبر ماركت بانقاذ الشاب من براثن اصحاب المحل الذين ظلوا يضربوه ويركلوه بعنف وقوة حتي الموت بسبب شيء ذهيد الثمن وهي علبة كانز ! او حتي التكفل من احدهما بالتبرع بدفع ثمنها من جيبه وانها المشكلة علي الفور حقنا للدماء الا أن هذا لم يحدث حتي توفي الشاب !!

وهذا مؤشر خطير في المجتمع بعدما انتزع الرحمة من قلوب البعض منا ربما بسبب الغلاء الجنوني في اسعار السلع الاساسية للمواطنين والمواصلات والخضروات والفواكه والمعيشة عامة مما جعل القتلى يضربون الضحية دون وعي وربما كمحاولة لتخفيف الضغوط والضيق والمرارة بسبب الفواتير العالية والضرائب والأجور العمالة المرتفعة ولكن هذا لا يبرر فعلهم هذا المشين .

لان الرحمة فوق كل شيء ..ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء !

زر الذهاب إلى الأعلى