آراء

منال الاخرس تكتب : جبروت

وقف منكس الرأس ، يتضاءل كلما هاجمه ذلك العملاق بسياط لسانه ، رأيته هزيلا ذليلا أمام جبروت رجل عنيف

ترى ما العلاقة بين ذلك الصرح الطبي وبين ذلك المشهد ؟ ربما كان المدير المسئول يعنف عامل أهمل في عمله .ولكن كيف لا يحتاط ولا يلتفت لصوته العالي حتى لا يزعج المرضى فبهم ما يكفيهم من آلام وإذلال ؛ بفعل مرضهم وما أدراك ما ألم مريض القلب !

اقتربت منهما ولا زال الرجل منكس الرأس ، لا يقدر على شيء سوى هز رأسه من آن لآخر، كلما سنحت له الظروف ،نتيجة إلحاح العملاق وإجباره على الرد بتلك الطريقة تحديدا ؛ فمسار الكلام ليس له سوى الرد بتلك الطريقة

فضولي جعلني أقترب أكثر وأكثر . كانت الكلمات كالكلمات قوية وصادمة وعنيفة وقاسية ولا أعلم كيف تحملها ذلك الرجل الهزيل المريض ، من بين تلك اللكمات عفوا الكلمات :أنت ستصاب بشلل نصفي ، جلطات كثيرة في المخ والأطراف ، وبفشل في التنفس وانسداد في الشرايين …الخ

بينما ينسكب ذلك السيل في وجه الرجل كالشلال ، نظرت إليه وإذا به ذلك الرجل الذي قابلته مصادفة صباح هذا اليوم ؛ كان بشوشا متفائلا نعم هو الذي قام من مكانه في الحافلة وأجلسني مكانه بعد جهد مني لأني لا أحتاج الجلوس فسوف أنزل قريبا لكنه أصر بشهامة وبشاشة لم أجد لها مثيل ، كنت متجهة لذات المستشفى . لم أتمالك نفسي حتى وقفت أمامه بعدما تركه العملاق الذي تبين لي أنه الطبيب المسئول عن حالته .

كان الطبيب ثائرا عندما اطلع على نتائج التحاليل والأشعة الحديثة حيث كان الأمر خطير لا يحتمل أى تأخير ، ما استطاع المريض قوله :ما هي الإجراءات المطلوبة لإجراء الجراحة ؟

رد عليه الطبيب : لابد من إجراء جراحة قلب مفتوح ،هز الرجل رأسه موافقا ..
استطرد الطبيب : ولكن لا يوجد أي مستلزمات لإجراء العمليات أصلا .لا يوجد مستلزمات طبية قي الوقت الراهن ولا حتى خلال الشهور القادمة ولا أحد يعرف متى تتوفر هكذا رد بانفعال شديد .

انسحب المريض من أمامه صاغرا يحيطه الحرج من كل جانب ، ابتعد بخطوات بطيئة مشتتة . ماذا يفعل ؟ أغلق الطبيب أمامه أي بارقة أمل .أخذته خطواته نحو باب الخروج . لا أعلم لماذا تحركت خلفه آخذ نفس مساره ، جاءته مكالمة هاتفية وبعد تردد منه رد . كان صوته منخفضا للغاية ، لم أتكمن من سماع شيء ، كان جسده وملامح وجهه ينطقون بكل شيء . كان جسدا من الإحباط واليأس يتحرك بهما . كانت الدموع رفيقا ملازما له منذ خروجه من المبنى

لمحته يتوقف قليلا والسيارات بجواره تسير بسرعة هائلة . كانت الشمس متوهجة في ذلك اليوم الخريفي .فجأة قرر الرجل عبور الطريق نحو الجهة الأخرى ، لم يلتفت إلى شيء كان ينظر فقط أسفل قدميه ، هرولت نحوه حتى أخذ بيده حتى يعبر الطريق السريع ، لكني لم أتمكن من ذلك ثم فجأة توقف أحد المارة بسيارته وتمكن من مفاداته ، امتلأ المكان ضجيجا من الكلاكسات وأصوات الفرامل ولا زال الرجل في طريقه لا يعبأ بما يحدث حوله ولم ينتبه لما حدث بسببه ..

استمر كما هو وإذا بسيارة لم يتمكن صاحبها من التوقف ، صدمته وسقط أمامها بلا ادنى مقاومة . هبط السائق وعاونته في إسعافه ونجحنا في إفاقته حتى وصلت الإسعاف ، رافقته أنا والسائق حتى نطمئن عليه ، وبعد إجراء بعض الفحوصات أكد الطبيب المختص بالطوارئ أن كل شيء على ما يرام . سألته عن الأوراق التى كانت معه وإذا به يقول : لقد قمنا بعمل اللازم والأمر لا يستدعي أي جراحة على الإطلاق وقد تم عرضه على استشاري جراحة قلب وأكد أن حالته جيدة جدا ولكن يحتاج لبعض الراحة نتيجة بعض الكدمات ..
كان الرجل مذهولا مما قاله الطبيب صاحب الوجه البشوش

تساءلت ماذا لو لم تكتب لهذا الرجل النجاة ؟ ولا زالت هيأته أمامي وكيف كان يائسا حتى من الشفاء ، كاد أن يموت الرجل بتشخيص خاطئ ..
Yoast

زر الذهاب إلى الأعلى