آراء

وائل عبد الفتاح الغبيسي يكتب : فى مفترق الطرق

خلوت بنفسي ذات مساء منتظرًا زوجتي بحديقة السلام بدمنهور، وكان دأبنا الاصطفاف حول بعض الأشجار الوارفة، وسماع زقزقة العصافير مرة واحدة أسبوعيا كعادة بعض البسطاء من موظفي هيئة النظافة.

وقد نستجيب لصياح أمعائنا الجوعى عقب يوم حافل. يعتمد هذا على الوفرة، وهي كلمة لم أعتد عليها أيضا. طال انتظاري، فتراءى لي أن أسير قليلًا – قطعا للوقت-

 وإذ بها تهاتفني:
– أبو أحمد – جارنا – في مصيبة.. لن أستطيع الحضور. نحتاجك سريعا.
لم يمهلني الظرف لحظة لأسأل، فلا ريب أن زوجي وجيراننا في كرب عظيم. لابد من الإسراع صوب الحافلة، لأنطلق للمنزل. وترامى لمسامعي صوت اثنين يتشاجران بغلظة وكادت الأيدي تتشابك مخلفة دمارًا. الخلق حولهما يشاهد كالمتفرج.. يأبون الاقتراب..

تطورت المشاجرة وتمرغ كلاهما في أديم الأرض.. فار الخوف في حلق الناس – وحلقي – ونحن نتابع حركة السكين الطائش حتى تناهى إلينا صوت من بعيد:
– دعه يا مناع.. المال في يدي.
ما أعجب ذلك! مشاجرة تنشب وتنفض في دقائق لوجود المال.

نسيت زوجتي وجارنا في خضم ما رأيت. كنت متشوقًا لمعرفة السر الخفي وراء الشجار حتى ظهر إيصال الأمانة، وحوله دارت الرحى. ما أقبحها من ورقة تلك التي كادت تزهق نفسين أو أحدهما فى عجالة! الناس لا يزالون على عادتهم يأبون الاقتراب، وكأنهم لا يصدقون.

تناول المدين الإيصال، فمزقه بمرارة طافحة، ثم طوق رأس المتبرع بقبلة سخية جعلتني أقبل الأرض شكرا لله. واصلت المسير كالتائه، وكان مرتادي هذه المرة كوبري شريط السكة الحديد – بعيدا عن الحافلات – على مقربة من تقاطع طريق عمومي تكثر به السابلة. هنا خط الزمن على ذاكرتي ما أثار شجوني، ففي تلك البقعة تحديدًا- والتي ساقتني إليها قدماي على رغمي –

شاهدت بائع الحلوى البائس مشطور جسده قبل عشرين عامًا، وهم ينادون عليه قبل عبور المزلقان. مرت السنون سراعًا، وكأنه بالأمس القريب..

تذكرت كم كان يحب ولده الوحيد الذي ناضل في أروقة المحاكم للحصول على التعويض اللائق لوالده ليتزوج بعدها من حسناء فاتنة. دنوت من مفترق الطريق، فقدح زناد نفسي عبور امرأة تهرول.

كانت تتبع شابة عشرينية. هتفت السيدة لمن حولها “أدركوها.” وللمفاجأة فإن الشابة أرادت أن تحيل بينهم وبين ما يشتهون، فتجردت من ملابسها، وألقت بها.

وكأن مطرقة دوت على قعر رأسى، فلم أتبين سوى” منه لله.. دمرها!” وتسمرت عيناي فوق السيدة المنكوبة فغمغمت بقهر.. رحمتك يا رب ” زوجة جارنا أحمد وابنته.”

 

زر الذهاب إلى الأعلى