دين و دنيا

الدكتور حسنى ابوحبيب يكتب: سورة الخير

{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر : 3]. الشنآن هو: البغض والكره ، مأخوذ من شنأ يشنأ فهو شانئ ، أي مبغض ، والأبتر: من لا عقب له ، وتطلق على اﻟﻤﻘﻄﻮﻉ اﻟﺬﻧﺐ من الحيوانات ﻭاﻟﺤﻴﺎﺕ اﻟﻘﺼﻴﺮة اﻟﺬﻧﺐ الخبيثة الطبع ، وعلى ﻣﻦ ﻻ ﻋﻘﺐ ﻟﻪ ﻭﻻ ﺧﻴﺮ ﻓﻴﻪ من الناس.

وهذا القول الكريم هو ثالث آيات سورة كريمة وختامها ، تلك السورة التي تمتاز بكثرة معانيها مع قلة مبانيها ، وبلاغة وعظها على إيجاز لفظها ، وهي سورة الخير ، بله والخير الكثير ، هي السورة الخالصة لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، هي سورة الكوثر.

وهذا النص الخالد إنما نزل دفاعاً عن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، ضد أقوام مردوا على الكفر ، وجُبلوا على سوء الأدب ، كانوا كلما ذُكر سيدنا الحبيب ، قالوا دعوا ذكر هذا الأبتر الذي لا عقب له ، ولا شك أن هذا القول اللئيم من هؤلاء السفلة كان يترك أثراً سيئاً في نفس رسولنا الأكرم ، كما كان يلقى قبولاً في بيئة تتعاظم وتتفاخر بكثرة الأبناء ، فجاء الرد من فوق سبع سماوات ليقول: يا محمد لا تحزن ولا تهتم بهذا القول القبيح فإن ﺷﺎﻧﺌﻚ ومبغضك ﻭﻣﺒﻐﺾ ﻣﺎ ﺟﺌﺖ ﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﻬﺪﻯ ﻭاﻟﺤﻖ ﻭاﻟﺒﺮﻫﺎﻥ اﻟﺴﺎﻃﻊ ﻭاﻟﻨﻮﺭ اﻟﻤﺒﻴﻦ ﻫﻮ اﻷﺑﺘﺮ اﻷﻗﻞ اﻷﺫﻝ اﻟﻤﻨﻘﻄﻊ ﺫﻛﺮﻩ الذي لا خير فيه.

والبغض والشنآن داء قتّال أول ما يقتل يقتل صاحبه ، وقبل ذلك يُعميه ويُصمه ويُضله ، فلا يرى حقّاً ، ولا يسمع نصحاً ، ولا يفعل صواباً ، عن اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﻗﺎﻝ: ﻟﻤﺎ ﻗﺪﻡ كعب ﺑﻦ اﻷﺷﺮﻑ ﻣﻜﺔ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ ﻗﺮﻳﺶ: ﺃﻧﺖ ﺧﻴﺮ ﺃﻫﻞ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻭﺳﻴﺪهم ، ﺃﻻ ﺗﺮﻯ ﻫﺬا اﻟﺼﻨﻴﺒﻴﺮ (النخلة الصغيرة التي لا أصل لها) اﻷﺑﻴﺘﺮ ﻣﻦ ﻗﻮﻣﻪ ﻳﺰﻋﻢ ﺃﻧﻪ ﺧﻴﺮ ﻣﻨﺎ ﻭﻧﺤﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﺤﺠﻴﺞ ﻭﺃﻫﻞ اﻟﺴﺪاﻧﺔ ﻭﺃﻫﻞ اﻟﺴﻘﺎﻳﺔ؟ ﻗﺎﻝ: ﺃﻧﺘﻢ ﺧﻴﺮ ﻣﻨﻪ، ﻓﺄﻧﺰﻟﺖ: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} ، ﻭﺃﻧﺰﻟﺖ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} [النساء : 51].

ولقد بلغ الحسد والبغض من هؤلاء القوم مبلغاً حملهم على الإقدام على قتل رسولنا صلى الله عليه وسلم ، فقُتلوا بحسدهم وهلكوا ببغضهم ، والمبغض الحاقد هو القاتل المقتول ، الظالم المظلوم ، لذا قيل: ما رأينا ظالماً أشبه بمظلوم من الحاقد الكاره غمٌ دائم وهمٌ متواصل ، وهو عدو نعم الله تعالى يتمنى زوالها عن كل من نالها.

ولقد شاءت حكمة الله تعالى أن يصدق هذا القول الكريم على كل من شانأ رسوله ومصطفاه ، فيُقطع عنه الخير ، ويُبتر عنه المعروف ، فيندثر اسمه ، وتذم سيرته ، ولقد سمعنا الكثير عمن تطاولوا على رسولنا صلى الله عليه وسلم وشانئوه ورأينا من تجاوز حدود الأدب معه ، ثم نظرنا إلى مآلهم جميعاً وعاقبتهم ، فرأينا أن عاقبتهم كانت خسراً ، ومآلهم إلى بوار.

وما زال المبغضون الشانئون يواصلون سيرة أجدادهم وينتهجون نهج أسلافهم في بغض سنة رسولنا وكره سيرته ، في المقابل ما زالت سيرته وسنته تزداد شيوعاً وانتشارا ، وكلما مرّ عليها الزمن لم يزدها إلا أريجاً يداوي عرفه كل ناشق ، فيفنى مبغضوها وتبقى ، ويتلاشى شانئوها ولا تبلى ، كل ذلك تصديقاً لقوله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}.

وعلى هذا قس كل مبغض لغيره ، حاقد على من سواه ، حاسد لمن أنعم الله عليهم ، ردد عليه هذا القول الكريم ، {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} ، وما أروع ما قال الشاعر:

ﺃﻻ ﻗﻞ ﻟﻤﻦ ﻛﺎﻥ ﻟﻲ ﺣﺎﺳﺪا … ﺃﺗﺪﺭﻱ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺃﺳﺄﺕ اﻷﺩﺏ
ﺃﺳﺄﺕ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺣﻜﻤﻪ … ﻷﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﺮﺽ ﻣﺎ ﻗﺪ ﻭﻫﺐ
ﻓﺠﺎﺯاﻙ ﺭﺑﻲ ﺑﺄﻥ ﺯاﺩﻧﻲ … ﻭﺳﺪ ﻋﻠﻴﻚ ﻭﺟﻮﻩ اﻟﻄﻠﺐ.
نعوذ بالله من الكره والكارهين والحسد والحاسدين.

زر الذهاب إلى الأعلى