آراءمنوعات

الكتابة سحر

بقلم….. إنجي مطاوع

الكتابة سحر، علاج فعَّال، إلا أنها وجع نتجرعه مع كل حرف‎‏، فيا من إليه أكتب، يا نبع الحب الذي تفجَّر في روحي.. أهواك، وقربك ترياق قلبي، يا من عيناه قِبلة قُبلتي، من عشقته لأني رأيت في أفعاله قرب الله، وكرهته لأنه رآني الدنيا، من عشقته لأني معه سموتُ فوق أبراج السماء وكتلها السرمدية، وكرهته لأنه ساواني بقحل الأرض، من لا أحتاج لإذن كي أحبه، يكفيني أني منذ وعيت ماهية الحب رسمته بيتًا يؤويني، حياة عليَّ تحنو، من لأنني هويته أتقبل منه كل ما كنت أراه في السابق سخيفًا.

يا من خاصمت الكون بقناعة الإنسان، وخضعت لي الأنثى راغبة إرضاء الإله ورضاءه، من أعلنت توبتي النصوح عمَّا سلف من تزيُّن جسدي وثيابي.. من عطر أنفاسي وكلماتي.. وحتى من البرَّاقة حقائبي وأحذيتي، تخليت عن لهوي وشقاوة فعلي، تبتَّلت بسكون صارخ، من رضخت وبكيت طائعة لحرمان يربي روحي، دعوت بقداسة لكل من سلك درب رهبنة الروح قبل الجسد من لقائه.

ثم ظهرت أنتَ.. فتقوضت أركان صومعتي بإشراقة نقائك، وفي لمحة عين أينعت نبتات رغبات الدنيا لتأسرني داخل قلبك عاشقة متيمة، لأضيع وسط مروج حبكَ بشوق بحر ثائر، وأتخذ روحكَ أنتَ ملجأ بين حناياه أعلنت ترهبني الأبدي.

يا من أردتني مرآة أفعالك، حبي عاكس لشخصيتك، كياني برواز تتغطرس عليه وسط الجميع، فصرت كما اشتهيت، فرشتني عباءة سحرية تنوِّم الفتيات إعجابًا فتجذبهن بكلماتي وحبي، ثم ببرود تنطعت وسطنا كما طاووس يتخايل زهوًا بريشِهِ، بتجبُّر كسرتَ ضلعك الأعوج.. ولم تراعِ ما أوصاك به الرسول.. ألا رفقًا بالقوارير يا كل الرجال، الحب رحمة من الله زرعه فينا من دون ثمن، لكن فقراء المشاعر ثمَّنوه فنالهم الضياع وسط دموع ورجاء بلا أمل، فرفقًا بنا يا مَن مِن ضلعهم خُلقنا.

يا رجلي المحبب، يا من تصرخ معاتبًا لا مبالاتي وهدوئي، قائلًا: ألا تغضبين؟ متى تثورين؟ ألا تحزنين؟! ولم تستوعب ردي المغلف بالرصانة والحكمة: بلى، أحزن وكثيرًا جدًّا، لكنني أحاول تقييد صرخات حزني.. وغضبي.. وثورتي، وتكميم أنَّات ألمي لتموت داخل روحي فتحولها إلى هضاب ثلجية، وتجعل قلبي قاسيًا يتمرد على الطيبة والرقة والحنان، ويصير وحشًا يرتع وسط الذئاب بلا خوف أو رهبة، أفتت كل مشاعري البريئة ثم أصبها في قالب لتتحجر؛ فأصير جبلًا لا تهزه ريح، يومًا سأكون الوحش بمباركة الجميع، سيخافون هم مني؛ ولا أحمل أنا ذرة هم سوى لله مالك كل الأكوان.

من قال لا أغار؟! لا والله؛ أغار وأغار، غيرتي بحر يغرقني قبل غيري، لكنني أحب الله أكثر ولا أقبل أن أظل متشبثة بذنب والموت يلوح أمام عيني بين ثانية وأخرى.. لست جاهلة، فبماذا سأبرر معصيتي لربي؟! أغار والله حبيبي، وأعشقك حد الموت فداءك، لكنني أيضًا أتمنى أن ننعم برحمة الله وغفرانه في فردوسه الأعلى.

لكم دعوت أن تأتيني مواسيًا: يا من سرق الحزنُ ملامحكِ، هل تنوين الحياة معي، أم تفضلين الموت من دوني؟ لا تجيبي؛ فلن أسمح لك بالابتعاد. أخبرني حبيبي.. لِمَ السعادة وقتية والحزن دائم؟ احضنِّي ودعني أتخلص من شوائب مخاوفي، احضنِّي فالحضن ابتسامة عيون لحظة لقاء النظرات على الرغم من المسافات.

تتساءل: ألا تفتقدين وجودي حبيبتي؟ اسمعني.. من لا يفتقد مثلك وأنت قنديل يضيء سماء مُلئت بغيوم الكآبة؟! من لا يفتقدك وأنت الفرحة والبهجة الساكنة في أروقة الروح؟! أخبرني.. مَن مِنَّا يشعر أنه يمارس إنسانيته بأريحية كحق مكتسب بالميلاد؟ فهذا حالي في غيابك؛ أفتقد إنسانيتي.

حسنًا.. لِمَ أبادلك الحديث وأنت هناك سعيد مع غيري؟! لِمَ أسميك حبيبي حتى الآن؟!

ماذا لو كنت ولدتُ شيطانة؟ هل كنت سأفتقد الإنسانية أم أمارس شيطنتي بسلاسة عليك؟ كنا نسامح صغارًا خوفًا من مقابلة من جرحونا يوم الحساب، الآن لا فرصة ولا أمل في منح سماح على حساب الذات، الآن أنتظر لحظة تحصيل حسابي.. وإن لم يحدث، فالموت قريبًا يمنحني فرصة تقديم شكواي لله لنيل حقي ممن خدع.. غش.. غدر.. خان.. أو سلبني يومًا شيئًا مستندًا إلى وهم قوته.

أعترف أنني وحيدة في انتظار أمل ضاع وسط أشواك الحياة، مُحي بفيضانات أوجاع أهديتها إلى قلبي، موجوعة ألتمس لمسة من عينيك تدفع الثقة لروحي من جديد، طفلتك وحيدة من دونك يا نرجسي الأفعال، وسط الزحمة وضجيج العالم يطمئنني عقلي بخيال مكسور الأمل، يخبرني أن هناك لحظة رضا ستأتي تريح قلبي وتمحو آلامه، لكنني أعلم أن بسبب عشقي للوحدة؛ عشقت من لا يناسبني لأهرب حين تحين فرصة الاقتراب أكثر؛ فيالنرجسيتنا ويالحمقنا البشري، ويالقسوتنا في حب من يذل فينا الأنفاس قبل الأجساد! حبيبي.. أحببتك قدرًا.. وكرهتك اختيارًا.

سامحك الله، كما نقطة خلٍّ سقطت في طبق العسل، أفسدت روحي بهوس عشق علم الألم كيف يكون إحساس الوجع وكيف يتألم!! الكتابة وجع وأنا أكتب لمن أوجعني حبًّا وعشقًا حد السكر بآلامي، وداعًا وردي الأسود.

زر الذهاب إلى الأعلى