آراء

عوالم الميتافيرس وماذا بعد الانترنت !

د.فتحي حسين

هناك تساؤلات تلوح دوما في الآفاق ونحن في ظل ثورة تكنولوجية إعلامية ،تفاعلية لا تنتهي ،وهو: ماذا بعد الانترنت ؟ ربما السؤال مربك حقا لنا جميعا ! ويبدو لنا أن الانترنت الحالي آزليا لن ينتهي !
وربما هذا صحيح ، فالانترنت يبدو لنا ايضا كيانا هلاميا عملاقا! يحتوي الكون بأكمله ولا نهاية قريبة له! ،ربما بسبب أن العالم به كهرباء وأجهزة إلكترونية ،ولكن الانترنت علي الأرجح ،لن يدوم طويلا بشكله الموجود في عالم اليوم .
وفي الواقع علي مدي عمره القصير ،لم يستمر الانترنت بنفس الشكل طوال الوقت ، فالصفحات النصية في بداية ظهورها في الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي ال ٢٠، تختلف بالطبع عن الانترنت الملون والمتطورة المفعم بالصور ،والفيديوهات بعدها ،ثم جاء بعدها انترنت تطبيقات الهواتف والبث المباشر ،الذي نعيشه الآن ،لكن العامل المشترك الذي لم يتغير من ظهور الانترنت، أنه وسيط شاشات فقط ،سواء كان علي شاشة حاسب آلي او هاتف أو منصة العاب او تلفاز زكي،لكن هل الشاشات هي أقصي ما تبلغه التكنولوجيا ؟!
حيث أن كل المنصات التكنولوجيا الضخمة مثل فيسبوك وآبل وجوجل وميكروسوف ، وغيرها تعمل علي شكل أو آخر من نظارات الواقع الافتراضي ،وكل يوم تتطور هذه التكنولوجيا إلي درجة مذهلة ،فتجعل العالم الافتراضي ليس مجرد بث ،علي الشاشة ،بل فضاء ثلاثي الابعاد، يسهل الولوج إليه باستخدام معدات يخف وزنها ،وتزداد قدرتها يوم بعد يوم .
وعندما ظهر الانترنت ،الي الوجود ،كانت ثمة تنبؤات تسبقه بشكله التكنولوجي ، والتطور الذي قد يسمح به ،لكن هذه التطورات لم تتجاوز التنظير الأكاديمي ،واحلام عشاق التكنولوجيا ،عندما تحقق هذا التطور علي أرض الواقع ،كان مفاجأة للعالم ،وكل ما نتج عنه من تغيير شامل ،لشكل الحياة البشرية ،ادهش الجميع بما فيهم صناعه،لكن التطور القادم بالرغم من أنه قادم من رحم التنظير الأكاديمي والبحثي ،ورؤي الخيال العلمي ،فإنه يصحبه استعداد شامل من القوي التكنولوجيا الهائلة،والحكومات الكبري ومنتهزي الفرص ،فالثورة القادمة ينتظرها الجميع بتلهف ويسعي الكل للوقوف في الصفوف الأمامية فيها انها ” الميتافيرس ” ،او العالم الماورائي.
فقد كان أول من صك مصطلح الميتافيرس ،هو مؤلف الخيال العلمي الشهير ،نيل ستيفنسون، في رؤيته “سنو كراش ” الصادرة عام ١٩٩٢ تخيل فيها عالما رقميا موازيا يتفاعل فيه البشر مع بعضهم باستخدام أفاتارات،واسم ذلك العالم ،ميتافيرس ، اي ما وراء الكون !
ورواية ” نيل ستيفنسون” لم تكن العمل الفني الوحيد الذي تخيل عالم متشابه، بل إن متابعي العالم الخيالي قد تعرضوا لعشرات الأعمال المشابهة ،مثل فيلم  : ” ريدي بلير وان ” وابطال الديجيتال ،باستثناء وحوش الفضاء الرقمي واشراره في الروايات والافلام ، ولم يعد الفضاء الرقمي الموازي خيالا علميا.
كما أن تكنولوجيا الجيل الخامس ستوفر سرعة اتصالية هائلة لمعالجة الرسوم والجرافيك في الوقت الفعلي ،ما ينفي الحاجة الي معدات ثقيلة تحتوي علي كروت شاشة ،ومعالجات ضخمة ،بل ربما انت بحاجة إلي نظارة خفيفة تتصل بسرعة الجيل الخامس بالخدمات السحابية التي ستقوم بكل المعالجات المطلوبة فورا .
كما أن هناك شريحة يعمل عليها مجنون التكنولوجيا ” ايلون ماسك” والتي تزرع في المخ ،فتوفر اتصالا فعليا ،بين الجهاز العصبي والأفكار والأجهزة التكنولوجية ،وهي تجربة لو نجحت ستجعل الميتافيرس المنتظر ،تجربة تشمل الحواس كلها ،لا السمع والبصر فقط!
ومن المعروف أن الانترنت بشكله الحالي لا يمتلكه احد ،فهو متناثر علي خوادم في جميع أنحاء العالم ،تلم الخوادم مرتبطة ببعضها ،عن طريق بروتوكولات متفق عليها ،بحيث لا يستطيع أحد التحكم فيه ،لكن هل سيكون الحال نفسه مع الميتافيرس ؟! حيث يتمني المتحمسون للتكنولوجيا أن يكون الميتافيرس كونا واسعا واحدا متكاملا لا مركزيا ،شائع الملكية مثل الانترنت ،لكن الشركات المطورة للتكنولوجيا ،لا تزال تحافظ علي براءات اختراعاتها ،بقبضات قانونية قوية ،ما ينبيء أن الميتافيرس عندما سيظهر سيكون ملكا لفيسبوك أو جوجل أو وتشات فقط أو سيكون عدة ميتافيرسات غير متصلة ما سيكون ضربة محبطة لحرية الانترنت القديمة لكن هناك امل دوما في التطبيقات مفتوحة المصدر التي قد تجد من يتحمس لها ويدعمها والعملات الإلكترونية مثال ليس منا ببعيد .
فيسبوك يعتقد أن مستقبل التواصل الاجتماعي هو الواقع الافتراضي والواقع المعزز لذلك غيروا اسمهم الي ميتافيرس، ويريدون خلق كون جديد افتراضي موازي للكون الطبيعي ويكون ثلاثي الابعاد ،من خلال استخدام تقنيات المواقع الافتراضي والمعزز .
مارك زوكر بيرج مؤسس الفيس بوك يقول الميتافيرس هو انك تكون داخل الانترنت بدلا من أن تتفرج عليه من الخارج ،ويعني انك وأصدقائك بدلا من التواصل فقط عبر الشاشة او التليفون عبر الفيس بوك او غيره ،يمكنكم أن تلتقوا فعليا افتراضيا في اي مكان بالعالم من خلال شخصياتكم الافتراضية. واذا كان الشخص متواجد يوميا في الميتافيرس ،فانه يحتاج ملابس افتراضية وأدوات ،كالنظارات والقفازات من أجل اللمس، وتجارب افتراضية بهدف الوصول إلي المليار شخص حول العالم !
ويذكر أن مواليد عام ٢٠٠٠ وما بعدها سيفاجئون بأن عالم الميتافيرس هو أقرب لهم من عالمهم الواقعي وبالتالي سيؤثر هذا علي التنقل والسفر والاقتصاد والاستثمار ، الميتافيرس سيؤثر علي عالم الأعمال والصحة والتعليم والسياحة وعلي عالم الوظائف وعلي مهن المستقبل ،فلابد من الاستعداد له والتعرف عليه ومتابعة تطوراته ،انه عالم اخر وليس كونه عالم ثلاثي الابعاد .
اي ان الميتافيرس هو عالم موازي به نظراء افتراضيون لنا بينتقلوا بين انعكاسات إلكترونية للاماكن والأشياء الموجودة بالفعل في حياتنا الواقعية.
وفي الميتافيرس ،سيكون العالم كله بين يديك في كل وقت وحين ،لانه بات بامكانك توقع الافضل دوما والوصول إليه فقط بضغطة زر ! كما سيقوم المختصون بدراسة الإشارات الكهربائية التي يرسلها الدماغ الي أعضاء الانسان ليشعر بكل ما حوله في العالم الافتراضي.
كما تقدم لنا العوالم الافتراضية قيمة تسويقية تبلغ ٧٥٠ مليار دولار خلال السنوات المقبلة .

 

زر الذهاب إلى الأعلى