آراءمنوعات

مؤتمر المناخ ومقاصد الشريعة

بقلم: هبة النجار

يتزامن مؤتمر الـمُناخ الذي تنظمه مصر في مدينة شرم الشيخ المصرية مع سلسلة من الأحداث التي كان لها تداعيات جسام، يأتي على رأس تلك الأحداث التغيرات المناخية التي يشهد آثارها العالم أجمع، بل وأصبح يعاني كوارث لم يحسب لها حسابا.
ولقد كان من قدر مصر أن تنظم مؤتمرًا، تستجيش من خلاله الطاقات وتستصرخ الهمم، لعل في ذلك دفعًا للضرر وجلبًا لما هو نافع للبشر، وإنني بوصفي مصرية، أعشق وطني وأحب أن أراه يتسنَّم ذروة المجد على الدوام، ألمس مدى الثقة التي يوليها العالم بأسره مصر الحبيبة الغالية؛ إذ تتبوأ من الصدارة منزلا ساميا وتظهر في الاهتمام بقضايا العالم إدراكًا تامًّا وفهمًا واعيًا، وهذا ما يجعل كل مصري يلبس لباسًا مطرزًا بالفخر، مَوْشِيًّا بالعزة والكرامة.
إنني أكتب هذه السطور وكلي أمل ورجاء في أن يتوصل قادة ورؤساء الدول إلى صياغة حلول جذرية وتصورات مدروسة، وخطوات ملموسة من أجل أن يتمتع كل شعوب الأرض بالسلام والعدل والرفاهية والرخاء، لا سيما تلك الشعوب الفقيرة التي هي أحوج ما تكون إلى العيش الكريم، وعسى أن تترجم نتائج هذا المؤتمر إلى واقع محسوس.
كأني الآن أبصر عيونًا تراقب نتائج هذا المؤتمر، وقلوبًا تنبض بالأمل في النجاة من كل ما من شأنه أن يسوء البشرية، وكأني بالألسنة تلهج بالدعوات، تدعو الله وتستلهمه الوسيلة في حماية الأرض مما يُخشى.
إن حماية الأرض والحفاظ على خيراتها مظهر من مظاهر شكر الله – عز وجل – في المقام الأول، ومسؤولية يتشارك في حملها الجميع؛ وليت العالم أدرك في السابق معنى المسؤولية الجماعية في الحفاظ على البيئة، ولكن ما زال في الوقت متسع لاستدراك ما فات.
والحديث عن المسؤولية الجماعية يستدعي إلى الأذهان حديث رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم – الذي يشبه فيه القائمين على حدود الله، الممتثلين لأوامر الله تعالى، الآمرين بالمعروف والناهيين عن المنكر، وأولئك الذين يجاوزون حدود الله، ويقارفون المنكر، بقوم كانوا على سفينة فاقترعوا ليأخذ كل منهم نصيبًا، فأراد من هم في أسفلها أن يحدثوا في السفينة خرقًا ليصل إليهم الماء، دون أن يتكلفوا الصعود على ظهر السفينة، فإن تركهم شركاؤهم الذين بأعلى السفينة وما أرادوا، هلكوا جميعًا، وإن زجرروهم وذادوا عن السفينة نجوا، ونجا معهم الساعون في تخريب السفينة.
قال النَّبِيِّ ﷺَ:” مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا ”
إن الأرض بمثابة سفينة لا وجود لقوارب النجاة على متنها، فإن تكاتف الجميع وتناصروا ليأخذوا على يد المعتدين الذين يعيثون في الأرض فسادًا، كف أولئك عن غيهم ولم يتمادوا في باطلهم، بل إن ضُيِّق عليهم لم يكن أمامهم إلا الإذعان إلى ما عليه عامة الناس من إعمار الأرض الذي وصّى به الله – سبحانه وتعالى – عباده.
إن الشريعة الإسلامية غنية بالأحكام والقواعد التي يتحقق من خلال تظبيقها غاية الإعمار، والإسلام يحث أبلغ الحث على بذل الجهد واستفراغ الوسع في إعمار الأرض حتى في أحلك الظروف، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول ﷺ:”إن قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة ، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها”.
إن الإعمار والإصلاح في الإسلام لا يقتصران على جانب واحد، بل يمتدان امتدادًا يشمل إعمار الأرض وإصلاح من جُعِل خليفة ليعمر الأرض، ولم يدع الإسلام وسيلة من وسائل إصلاح الإنسان وإعمار نفسه بالخير إلا وأتاحها ونبّه إليها، والنفس العامرة بالإيمان يسهل قيادها إلى الخير وإبعادها عن الشر؛ لذا كانت قضية الإيمان لب لباب الإسلام، ومحورًا تتشعب عنه كثير من الأمور، ومضمارًا تتسابق فيه الهمم وتتنافس العزائم، وقد أخبر النبي ﷺ أن الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق.
بهذا الحديث وغيره من درر الهدي النبوي يربي الإسلام أتباعه على أمثل سلوك مع البيئة، وهو إماطة الأذى، وربط ذلك بالإيمان؛ لينبه على أن إهمال مثل هذا السلوك يعني إهمال شعبة من شعب الإيمان، ونقصًا من درجات الإيمان؛ فكل شعبة من شعب الإيمان تكون واقعًا في حياة المسلم ترفعه درجةً، حتى يبلغ أقصى الدرجات وأعلاها، ويكتمل الإيمان في نفسه، والعكس بالعكس.
وعليه فالسلوك الحضاري القويم لا يتحقق إلا بالإيمان، الذي هو أساس إعمار الأرض، ولا يمكن أن يتم بناء حضارة إنسانية وارفة الظلال إلّا بتزكيته في القلوب، وتجلِّيه في كل عمل ينجزه الإنسان.
أسأل الله القدير أن يحقق هذا المؤتمر ثماره المرجوة، وأن ينجح في أن يملأ الأرض بترانيم السلام، ويوقف طبول الحرب، من أجل حياة مستقرة للأجيال القادمة على هذا الكوكب، وحفاظًا على مقصد هام من مقاصد الشريعة ألا وهو حفظ النفوس والأرواح .
ودامت بلادي بوابة للخير، والتسامح والسلام.

زر الذهاب إلى الأعلى