آراء

شهوة النجومية..لماذا يظل النجم متمسك بها للنهاية؟

 

بقلم :د.فتحي حسين
تعتبر شهوة النجومية والشهرة من ابرز الشهوات التي لا يمكن لاي نجم ان يتنازل عنها بسهولة طواعيا ولم يرضي بأي حال من الاحوال أن يبتعد عنها ولو قليلا , فهو دائما ما يحرص علي ان يظل رصيده عند الناس كبير وعظيم ومن ثم يهتم اولا بالاعمال التي يقدمها ويتخيرها ويقبل احيانا اي عمل يورد اليه في مجال التمثيل مثلا ويتحسب يقوله الناس عنه والنقاد في الاعلام , وشهوة النجومية اذا اختفت , فان لها تأثير نفسي علي النجم او الانسان المشهور كما يؤكد خبراء علم النفس وربما يؤدي بالبعض الي الانتحار او الرحيل الي بلد او دولة اخري , كما نري في حالات نجوم كثيرين في هوليود و في مصر.
هناك شهوة النجومية التي تفوق في تأثيرها انواع اخري من الشهوات وخاصة الشهوة الجنسية وشهوة المال والفرج , وهي التي يشعر بها كل فنان او ممثل او سياسي, حتي بعد ان يصل الي سنوات متقدمة من عمره , بعد الستين مثلا , فتجده يرتدي افخم الثياب ويظهر به علي الساحة الفنية او السياسية وامام الكاميرات او ينشر صوره علي وسائل التواصل الاجتماعي الفيس بوك اواليوتيوب او الانستجرام او غيره من الوسائل بهدف الاحتفاظ بشهرة وصورته لدي الناس والجماهير . مثلما نجد هذه الايام عدد من الفنانات اللواتي بلغن من العمر ارزله او الفنانين او المشاهير في مجالات عديدة لا يزال يعي علي صورة الماضي المحفورة في اذهان الجمهور , فيبدو في الصور صغيرا سواء بصباغة الشعر او ترميم الوجه لدي افخم محلات الحلاقة والكوافير حتي يبدو صغيرا ويشغل وقته في كل هذه الاشياء , بدل من ان يتجه الي الخالق عز وجل والي اعمال الخير , وهذا ليس حكم في المطلق وانما هي عدد من الحالات صادفت رؤيتها ومقابلتها وبعدها اضرب كف علي كف , من هول ما اري واسمع واشاهد؟!
علي كل حال , هناك خمس شهوات خمس أساسية تتنازع الفرد وهي : شهوة البطن وشهوة الفرج وشهوة المال وشهوة التملك والأنانية وشهوة النجومية، وإذا استبدت إحداهن بصحابها أكسبته الكثير من نقائصها وبالتالى أحدثت تصادمًا وصراعًا مع الأخر وخلقت مناخًا كريهًا فى الحياة الاجتماعية. وعلي المستوي الشخصي كانت شهوة النجومية تساورني من قبل خاصة وانني اعمل في مهنة الاعلام والحرم الجامعي كمحاضر في الاعلام الا انني وجدت ان النجومية زائفية تمضي ولا تعود , ولم يبقي سوي العلم النافع الذي سوف نسأل عليه يوم القيامة , لان كلنا الي زوال , ووجدت ان النجومية الحقيقية في انك تكون مفيد لمجتمعك بالعلم والاخلاق والنصائح المفيدة ولاهلك ولاسرتك واقاربك وناسك وبلدك ولاطفالك ولطلابك الذين يتلقون منك العلم النافع لهم في دنياهم واخرتهم, فتكون لهم النموذج والقدوة الصالحة عبر الزمان .
و شهوة النجومية ظهرت فى البداية على استحياء فى شكل ” حب الظهور ” وجذب الانتباه، وهو سلوك فطرى برئ، تراه لدى بعض الأطفال فى مرحلة الصغر، وتظهر بشكل تلقائى عفوى، ويعتبر سلوكًا سويًّا إذا توقف عند هذا الحد.. ولكن المشكلة تحدث عندما يتدخل الوعى ليرصد رد فعل الآخرين بإستحسان هذا السلوك البشرى، فيسعى المرء إلى تنظيمه والعمل عليه والحرص على إستمراره وإنتظاره، ويصبح الاهتمام بالشكل أمرًا ضروريًّا على حساب المضمون، ويصبح الاهتمام بظاهر الأشياء هو الأولى والأهم على حساب حقيقتها وجوهرها, لاسيما مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والفيسبوك واليوتيوب التي جعلت كل شيء تقريبا في المتناول الايدي.
فالفن والتمثيل بصفة عامة تغير الي النقيض والي اسفل الدراجات في رأيي , واصبح منطق التجارة هو الغالب عليه في كل الاحوال , واصبح المنتج يختار تيمة معينة للافلام التي لا تخلوا من وصلات رقص سيدات ورجال واغاني وبلطجة وسكاكين علي طريقة السبكي ,ويختار مخرج معين وفنانات معينة تجيد الرقص والعري والغناء الفاحش من عينة “حط ايده ياه علي صدري ياه ” , ” اديك في الحارة سجارة ” !! فباتت هذه هي اللغة السائدة في الفن اليوم لضمان الترند والربح السريع المضمون!
وفي مجال التعليم ايضا التجارة اصبحت هي العنوان الرئيسي لسياساته , فضاع البحث العلمي والتفكير المنطقي واعمال العقل وحل مكانه الحفظ والتلقين , وقد ساعد علي ذلك وجود جامعات خاصة متعددة , معظمها لا يقدم تعليم جيد وانما يبيع فقط شهادات جامعية لمن يشتري بمبالغ غير منطقية تتجاوز ال100 الف وال50 الف في الكليات النظرية وال200 في كليات العملية !
بالاضافة الي ان ” المال ” قد لعب ولا يزال يلعب دورًا خطيرًا فى تشويه الإعلام الدينى. فخرج به من نطاق الرسالة إلى نطاق التجارة، والتجارة الرخيصة للأسف الشديد؛ لأنها تجارة تسعى لإرضاء النفس وليس إرضاء الله.. حوّل هذا المال الحديث الضعيف قويًّا كما قال الشيخ الغزالى رحمه الله يومًا ما كنتُ شاهدًا عليه.. خلق هذا المال فئةً من الدعاة تسللوا إلى قنوات الإعلام الدينى يبثون التشدد والتطرف وشذوذ الفكر فيما يخص قضايا المرأة والمعاملات المالية والعلاقات الاجتماعية وخلط مفاهيم العادات بالعبادات ولا حديث لديهم أحب وأكثر جاذبية من التفاهات والمزاج واشياء اخري ما انزل الله بها من سلطان !
وسط كل هذا نجد شخصيات كانت فيما مضي تحظي بالشهر في مجالات متعددة ولكنها الان تصر علي اهدار رصيدها السابق من الفن والتمثيل والاداء الكبير في اعمال رخيصة , بحثا عن الشهرة والنجومية الضائعة مجددا ,فتظهر تارة نجمة في ملابس فتاة في العشرين وتنشر صورها علي الانستجرام والفيس بوك , بشكل يثير استياء الجميع من ذلك , ربما يرد احد علي هذا بان الفنانة او الانسان حر فيما يفعل , وارد عليه بان الحرية يقابلها مسئولية داخل هذا المجتمع , حتي لا يتحول المجتمع الي غابة تحت مسمي الحرية المستباحة , خاصة انها كانت تعد من النخبة والصفوة في مجتمعنا , ولكن كل هذا ينهار تماما علي حساب القيم والاعراف التي ضاعات ايضا مع ضياع الامانة في الزمن الجميل!

زر الذهاب إلى الأعلى