منوعات

الفرق بين كتابة التاريخ وكتابة الرواية التاريخية

 

بقلم… دكتورة إنجي البسيوني

كثيرا ما يحدث عند المتلقى التباس في فهم ماهية الرواية التاريخية ومنهجية كتابتها، فيعتقد البعض أنها درس من دروس التاريخ تشمل إرهاصات وأسبابا وأحداثا و من ثم نتائج ترتبت علي كل  ما سبق، وأي مخالفة لذلك تعد تدليسا وتزويرا في التاريخ ومغالطة لا تغتفر.
والواقع أن الأمر يختلف عن ذلك في أشياء كثيرة.
ببساطة وبدون تعقيد باحث التاريخ أو المؤرخ حري به أن يكتب كل ما سبق بمنتهى الأمانة العلمية؛ يبحث فى الأسباب ويدرس الأحداث ويرتب النتائج بدقة شديدة، ويرجح بين روايات تاريخية متعددة لرواة ثقاة حتى يصل إلى أكثرها دقة وأعلاها صحة، وأي خطأ  أو تغيير في التأريخ الزمني أو الجغرافي للأحداث  يعد جريمة علمية وانتهاكا للأمانة التاريخية، لذلك يأتي التاريخ جامدا مرتبا مصمتا لأنه يطابق الواقع قدر المستطاع.
أما الرواية التاريخية فليس منوطا بها أن تعامل كوثيقة تاريخية أو كمادة معرفية بل هدفها الرئيس هو  الجدل مع التاريخ ومساءلة صانعيه  وتسليط الضوء على  ما يجول فى مشاعر أبطاله وقت حدوث الحدث التاريخى، ومن ثم خلق الدافع للمتلقى أن يعود إلى كتب التاريخ ليقرأ ويطابق الأحداث مع ما قرأ.
فالرواية تراوغ التاريخ ولا تحتكم إلى الواقع بشكل دقيق وليس منوطا بها فعل ذلك، فالروائي يتخذ قاعدة تاريخية ثابتة ثم يبنى عليها متخيلات سردية متفرعة من الحدث الرئيس، فيقوم بتضفير  السرد التخيلى مع الحدث التاريخى بطريقة درامية  فيملأ بخياله الخصب الفراغات بين الأحداث وبين الوقائع التي حدثت بالفعل بل وأحيانا يخلق لها أسبابا من منظوره الخاص، وذلك نظرا لغياب حكمة الأسباب فيما وصل إلينا من دروس التاريخ، فإن جاز لنا اعتبار التاريخ هو الجسد فالرواية التاريخية هي الروح لذلك الجسد الجامد التي تخلق الحياة فيه، لذلك لا يجوز تعليق المشانق لكاتب الرواية التاريخية لأنه مبدع يعمل خياله وليس مؤرخا يحاسب حسابا عسيرا.
خلاصة القول أن كاتب الرواية التاريخية يجوز له إعمال الخيال بما لا يتعارض أو يخالف أحداثا كبرى أو تواريخ رئيسة فى تاريخنا التليد.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى