أهم الأخبارالدولةمنوعات

المتحف المصري بالتحرير مخزون آثري لا ينضب معينه ومازال لم يبح بكل أسراره

علي عبدالحليم: قوتنا في البشر والحجر.. ونمتلك الخبرات القديمة مع روح الشباب المفعمة بالحيوية


حوار/ محمد حربي
الحجر والبشر، الخبرات والكوادر القديمة مع روح الشباب المتوهجة، والمفعمة بالحيوية، هما سر قوة المتحف المصري بالتحرير، وورقة الرهان في القدرة على المنافسة مع المتاحف الحديثة، وشهادة صلاحية متجددة في البقاء والخلود، لأنه يظل مخزون أثري ملئ بالكنوز، لا ينضب معينه، ومازال لم يبح بكل أسراره.
اليوم بمناسبة مرور 121 عاما على إنشاء المتحف المصري بالتحرير، تلتقي ” بوابة العمال ” مع الدكتور علي عبدالحليم، مدير عام المتحف، الذي أكد أنه لم تكن هناك أي احتفالات بالمعنى الحقيقي المعروف، في ذكرى تأسيس المتحف، كما كان معتاد من قبل، نظرا للظروف المحيطة بنا في المنطقة، وما تتسم به من قلاقل، وأحداث استثنائية، والتزاما بالموقف الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء في مصر، بتجميد أي أحداث وفعاليات، والمتحف لا يخرج عن ذلك، وبالتالي ما يستخدم من مصطلحات هو عيد ميلاد، لا احتفال .
ذكرى الميلاد
وقال الدكتور علي عبدالحليم، إنهم يعملون على أكثر من مسار، في إحياء ذكرى ميلاد وتأسيس المتحف المصري هذا العام، و121 عام من العطاء، التطوير، والتجديد، والزائرين بشكل يومي، كما أعرب عن بالغ سعادته أن يكون على رأس منظومة الإدارة والعمل بمتحف التحرير المصري، وتضافر الجهود المشتركة مع باقي العاملين من ذوي الخبرات العالية والمهارات، والتعاون المثمر في كل فكرة جديدة، يتم تنفيذها، بجانب وجود مجموعة من الآثار المميزة، تلك الجهود تتضافر بالتنسيق مع قطاع المتاحف بالمجلس الأعلى للآثار، خاصة وأن المدير العام للقطاع، مؤمن عثمان، على دراية كاملة بخريطة المتحف المصري بالتحرير، لأنه كان يشغل منصب مدير عام الترميم بهذا المتحف، وكل هذه السيمفونية تعمل من أجل ترجمة طموحات الوزير أحمد عيسى، وزير السياحة والآثار، في إعادة ترتيب منظومة الآثار، وتعظيم العائد الأمثل من عائدات الكنوز الأثرية بمصر، ضمن توجيهات القيادة السياسية، والرئيس عبدالفتاح السياسي، من أجل بناء الجمهورية الجديدة.

البشر والحجر
وأوضح الدكتور علي عبدالحليم، أنه يراهن على شيئين أساسيين في المتحف المصري بالتحرير، وهما البشر والحجر، حيث تكمن قوة البشر فيما يمتلكه الجيل القديم من خبرات متراكمة كبيرة ، بجانب الشباب المفعم بالحيوية، الملئ بالحماس والطاقات المتوهجة، وبالتالي فلا أي قلق من ناحية الموارد البشرية، أما على مستوى الحجر، فهناك ثراء وتنوع في مجموعة الآثار الموجودة بالمتحف المصري في التحرير، ما بين آثار عضوية وغير عضوية، وتماثيل، ولوحات، وتوابيت، ومومياوات غير ملكية، أي ليس من الملوك، بينما كل المومياوات الملكية، أرسلت لمتحف الحضارة، لافتا إلى أن الثراء، والتعدد والتنوع من القطع الأثرية، داخل المتحف المصري، تجعلهم عندما نفكرون في تطوير المتحف المصري، يعملون بكل هدوء وثقة وراحة نفس.
مشروعان للتطوير
وأشار الدكتور علي عبدالحليم، إلى أن عملية التطوير جاري العمل عليها بالفعل، ومنذ عام 2016، وهناك مشروعان : أولها، إحياء المتحف المصري revival the Egyptian Museum بمشاركة الاتحاد الأوروبي، وكان الهدف الرئيسي منه التركيز على مبنى المتحف، باعتباره أثر في حد ذاته، وعمره حوالي 126 عاما، خاصة وأن المبنى قد أضيف إلى قائمة الآثار الإسلامية عام 1930، مع صدور قانون حماية الآثار رقم 117، وبالتالي، فهو أثر، وتابع لمنطقة غرب القاهرة للآثار الإسلامية، لافتا إلى أنه منذ سنوات، تجري المحاولات لوضعه على القائمة المؤقتة لليونسكو.
وأضاف الدكتور علي عبدالحليم، بأنه في عام 2016، بدأ مشروع الأحياء، حتى يرجعوا للشكل الأصلي للمتحف، نظرا إلى أنه قد مرت على المتحف مجموعة من التجديدات، ومنها الدهانات، حيث كانت هناك قاعة بلون، وقاعة أخرى بلون مختلف، وأنه مع إزالة طبقات الدهان، تم اكتشاف وجود لون أصلي للمتحف، وبدأ العمل من أجل إعادته إلى شكله الأساسي، حتى أنه أطلق عليه في مجموعة الألوان، بلون المتحف المصري، وهو اللون الطوبي ” الأحمر الداكن” المصري المميز في الأجزاء السفلية، بينما العلوية تأخذ اللون البيج، مما يعكس توافق في مجموعة الألوان
ونوه الدكتور علي عبدالحليم، إلى أن المشروع الآخر، الذي ظهر بعد عام 2016، هو مشروع تحويل المتحف المصري، خاصة بعد خروج مجموعة من الآثار منه، لتغذية متاحف أخرى، كالمتحف القومي الحضارة، والمتحف المصري الكبير، ومتحف شرم الشيخ، والغردقة، بما يفيد أن المتحف المصري بالتحرير، هو أم المتاحف Mother of Museums، وهو المغذي للمتاحف كلها، أو أغلبها.
لافتا إلى أن المشروع الثاني بشأن التحويل، كان بين جهتين، وهما الاتحاد الأوروبي ممثل
عدة متاحف أوروبية كبرى، مثل: متحف تورين، المتحف البريطاني في لندن، متحف اللوفر في باريس، ومتحف برلين، بالاضافة إلى مجموعة من الاستشاريين المصريين، خبراء في علم آثار المتاحف، بالجامعات المصرية، جامعة حلون، عين شمس، القاهرة، أي أن هناك عدد من أساتذة الجامعات من ذوي الخبرات، بدأوا في عمل تصور للعرض الجديد للمتحف المصري بالتحرير، ووضعوا الخطة، التي من المفترض السير عليها خلال الفترة القادمة.
كما أنه بجانب ذلك، بدأوا في تطوير العديد من القاعات داخل المتحف المصري، من ضمنها القاعات التي في العرض ، ومنها القاعة التي في الواجهة لعصور ما قبل التاريخ، حتى نهاية الدولة القديمة ، وعلى اليمين، الجزء الخاص بالعصر المتأخر، والعصر الروماني، كما كان هناك جزء مكمل لسيناريو العرض المتحفي، وهي الإضاءة، وكانت بتكلفة، وبدعم خالص من الحكومة المصرية، وكان له تأثيره في إظهار الآثار بشكل لائق، وبعرض جديد، جعل المتحف يتنفس، بدلا من الطريقة المكدسة التي كانت عليها الآثار من قبل.

العصف الذهني
وردا على سؤال، حول ما إضافته لنا الشراكة مع المتاحف الأوروبية .. قال الدكتور علي عبدالحليم، بأن الشراكة مهمة خاصة مع أهل خبرات، وأنه في مثل هذه الشراكات، يتم عمل ما يسمى بالعصف الذهني، أو عصارة عقول مختلفة، أو العقل الجمعي، لاسيما مع ناس عندهم خبرات، وتكنولوجيا حديثة، وعلى الجانب الآخر، فإن المتحف المصري، يمثل قيمة للعالم كله، لاعتبارات أهمها: بجانب أنه معرضا للآثار، فهو مدرسة، جميع رؤوساء المتاحف الأوروبية حاليا، تقريبا حضروا هنا للدراسة في المتحف المصري، أي كان لهم عمل داخل المتحف المصري، خلال إعدادهم لرسائل الماجستير والدكتوراه، كما أنه وجهة لكل الباحثين على مستوى العالم، ومن ثم فيوجد ولاء للمتحف المصري، وهو قبلة لكل الدارسين على مستوى العالم كله.
وأشار الدكتور علي عبدالحليم، إلى أنه يوجد هناك العديد من الأبحاث العلمية التي خرجت من المتحف المصري بالتحرير، مما لا تعد ولا تحصى، كما توجد هناك معارض أثرية مؤقتة ودائمة منذ السبعينيات، حيث تخرج منه القطع الأثرية للعروض الدولية، ولدينا حاليا معرض دولي يتنقل بين أمريكا، وفرنسا، وأستراليا، بعنوان ” رمسيس وذهب الفراعنة” ، ولهذا دوره المهم في عملية التسويق والترويج، فضا عن أنه مهم للخبراء الأجانب المشاركة في تطوير المتحف المصري، ليثري سيرتهم الذاتية .
المنافسة الحميدة
وحول المنافسة بين المتحف المصري، والمتاحف الحديثة مثل الحضارة القومي والمتحف المصري الكبير.. قال الدكتور علي عبدالحليم، إنها منافسة حميدة، وهي تكاملية، مؤكدا أنه يوجد هناك اتفاقا مسبق، عندما تم التفكير في إنشاء متحف الحضارة والمصري الكبير، حيث تظل الثلاث متاحف الكبرى بالقاهرة تعمل، وتستقبل الزائرين، لافتا إلى أن جوهر الاتفاق، كان على أساس أن المتحف المصري تبقى بداخله روائع الفن المصري القديم، وأي قطعة فريدة وغير مكررة، متحف الحضارة، فيحتوي على الحضارة المصرية القديمة، عبر العصور، حتى أسرة محمد علي، وحتى يتم تمييزه، تم تزويده بالمومياوات الملكية أي التي للملوك، وأما المتحف الكبير، فهو الأبن العملاق للمتحف المصري، وسوف يكون هذا المتحف حاجة ضخمة جدا، لا يمكن وصفها، وستتواجد به مجموعة توت عنخ آمون، التي ستجذب مزيدا من السائحين.
وأشار الدكتور علي عبدالحليم، إلى أنهم سوف يعوضون مجموعة توت عنخ آمون الذهبية، بكنوز آثرية أخرى مطعمة من الذهب والفضة، بحيث يظل للمتحف المصري بالتحرير بريقه، لأنه لم لن يسحب البساط من تحته، وسيظل يزخر بكنوزه العلمية، بالإضافة إلى أن المبنى هو أثر في حد ذاته، بجانب القطع المتفردة التي ليس لها مثيل في العالم.
الدور البحثي
وحول الرؤية المستقبلية لإعادة إحياء الدور البحثي للمتحف المصري بالتحرير .. قال الدكتور علي عبدالحليم، إنه مع الوقت سوف يزيد عدد الباحثين، حيث أنهم في سبيلهم حاليا لإعداد قاعدة بيانات ضخمة جدا للمتحف، لتكون من أهم قواعد البيانات على مستوى العالم، وسيكون لذلك تأثيره في التسهيل على الباحثين بشأن عملية البحث، لافتا إلى بعد آخر، يتعلق بالمخازن، التي يوجد بها الكثير من القطع الأثرية، وربما معظمها لا يرقى للعرض، ولكنها مهمة في حد ذاتها للدراسين، بالنسبة لفهم أسرار تاريخ الحضارة المصرية القديمة
لافتا إلى أن قاعدة البيانات المنشود هي ضخمة جدا، وبدأ العمل عليها منذ 2007، تتبع مركز التسجيل والتوثيق داخل المتحف المصري، وعليها كافة المعلومات عن الآثار، الموجودة داخل المتحف، وكذلك القطع التي خرجت من المتحف، سواء تلك التي ذهبت للمتحف الكبيرة والحضارة، وشرم الشيخ، الغردقة، وكفر الشيخ، وقصر الزعفران بجامعة عين شمس، ونوه إلى أنها قاعدة بيانات ضخمة، بها المعلومات الأساسية عن الآثار، التي كانت موجودة بالمتحف المصري، ومازالت موجودة بالمتحف، وأن المشروع كان قد بدأ بالتعاون مع مركز البحوث الأمريكي، كتأسيس، ولكن الأداء هو مجهود مصري خالص
التراث العالمي
وحول ما يجري عن إدراج المتحف المصري بالتحرير، إلى قائمة التراث العالمي.. قال الدكتور علي عبدالحليم، إلى أنهم قد قطعوا شوطا ومرحلة مهمة جدا في إدراجه على قائمة التراث العالمي المؤقتة، وحاليا هم في مرحلة الإعداد والتجهيز لملف خاص، حتى يتم إدراجه على القائمة الدائمة للتراث العالمي اليونسكو، مشيرا إلى أن هناك بعض الأمور في عملية إدراج أي أثر معين أو مجموعة معينة على قائمة التراث العالمي، والمسألة ليست سهلة، لافتا إلى أنه ليست كل آثارنا مدرجة على قائمة التراث العالمي، حيث هناك تفاصيل معينة تحتاجها عملية الإدراج، وتحكمها الأولويات، ومن ثم فالعملية عملية وقت ليس إلا، ونوه إلى أنهم اشتغلوا على مسار العائلة المقدسة.
وحول المردود، من مسألة إدراج أي أثر على قائمة التراث العالمي.. قال الدكتور علي عبدالحليم، بأن له قيمة تراثية بالنسبة للعالم كله، حيث يصبح الأثر ذو اهتمام سياحي، وله تأثيره من الناحية الترويجية والتسويقية، فضلا عن انه فرصته أفضل بأن يحظى بأي دعم من اليونسكو، بجانب هذا وذاك هناك القيمة معنوية، وأي معلومة تجده على قائمة التراث العالمي .
عروض جديدة
وحول ما إذا كانت هناك عروض شراكة جديدة.. قال الدكتور علي عبدالحليم، بإنهم قد انتهوا من المرحلة الأولى، وحاليا هم يجهزون للمرحلة الثانية، وهناك الجديد، ولكن ليس مع الاتحاد الأوربي، بل مع المعهد الفرنسي للدراسات الشرقية، ومتحفين آخرين بألمانيا، وأنه من خلال التعاون المشترك، بيتم عمل معارض مؤقتة ودائمة، ومنها يقومون بتطوير قاعات العرض داخل المتحف، حيث أنهم لا يتم الركن على الحاجات الكبيرة، بل يواصلون الأنشطة بإستمرار.
وحول ما يقال عن يقال أن المتحف المصري لم يبح بأسراره حتى الآن، وماذا تبقى في جعبته.. قال الدكتور علي عبدالحليم، بأنه سوف يكون له ثوب جديد في الفترة القادمة، من حيث التغيير في المسارات، وأنه بدلا من المسار الكلاسيكي، سوف يكون هناك مسارات متعددة، وتكون هناك أفكار عن العرض الرقمي، والافتراضي، والمعزز، كما توجد هناك تجارب سيتم العمل على عليها، وأساليب جديدة تواكب المتاحف العالمية، بعضها ثابت والآخر بشراكات .
وحول الطموحات المستقبلية المنشودة .. قال الدكتور علي عبدالحليم، بأنه يطمح أن يصبح أفضل مكان عالميا، ليس من حيث المكان والحجر، بل من حيث البشر، والكوادر، وتنمية المهارات، حيث يحرص على سفر البعثات للاطلاع على التجارب، ونقلها لتنفيذها هنا، وأنه من المؤمنين بأهمية الاستثمار في البشر، وإعداد الأجيال الجديدة لتقود المرحلة القادمة، سواء من خلال الدورات الداخلية أو التدريب الخارجي، وورش العمل وتبادل خبرات ، مشددا على أن المتحف المصري يظل المرجعية، ولكن تبقى الحاجة لاستمرار البعثات للاطلاع على تجارب وإمكانيات الرواد في متاحف اللوفر، برلين، والبريطاني في لندن

زر الذهاب إلى الأعلى