آراء

محمد حربي يكتب: الورقة المفقودة في حرب غزة


من أهم الأوراق المفقودة في حرب غزة، منذ بدايتها في السابع من أكتوبر 2023، بين حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية ” حماس ” وقوات الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني، عدم وجود إستراتيجية إعلامية عربية موحدة، تخاطب الرأي العام العالمي شرقا وغربا عامة، والأمريكي والأوروبي خاصة، وتركنا الساحة العالمية خالية أمام وسائل الإعلام الصهيونية اليهودية، تنشر ما تشاء من صور مغلوطة، وتروج ما أرادت من أكاذيب مضللة، وتزييف للحقائق، وتقدم المحتل كأنه المفترى عليه، وتنكر على الشعب المحتل حق المقاومة، للتحرر من آخر ظاهرة استعمارية مازالت على وجه الأرض.
الورقة المفقودة عربيا، انتهزها الكيان الإسرائيلي المحتل بمكر شديد، منذ الساعات الأولى للحرب، وقام بعملية غسيل دماغ للرأي العام العالمي، والأمريكي خاصة، وظهر فيها بمظهر المستجير، الملهوف، الذي يتعلق بطوق النجاة لإنقاذه من خطر الفناء.. وحتى يكسب مزيدا من التعاطف، ومداعبة المشاعر الغربية، وربما الشرقية، تعمده تضخيم حجم وقدرات حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية ” حماس”، بل وصل الأمر إلى درجة تشبيه ما حدث في السابع من أكتوبر، بأنه 11 سبتمبر جديد – في إشارة إلى هجوم تنظيم القاعدة على برجي مركز التجارة العالمي بنيويورك، ومبنى البنتاجون بالعاصمة الأمريكية واشنطن عام 2001 -، وأن ما يحدث الآن حلقة من حلقات معركة بين دولة ديمقراطية، وجماعة إرهابية، استهدفت المدنيين، مما خلق تضامنا وتأييدا، ودعما غير محدود لرد الفعل الإسرائيلي.
وحتى نقدر أهمية هذه الورقة المفقودة، فإن استطلاعات الرأي، التي قامت به The Economist/YouGov في الفترة من يوم 14-17 أكتوبر 2023، أي بعد أسبوع تقريبا من بداية الحرب في قطاع غزة، كشفت أن نحو 48% من عينة الناس، كانوا متعاطفين مع إسرائيل، – مع الأخذ بعين الاعتبار أن 62% منهم ممن تجاوزوا سن الـ65 مقارنة، بـ35% ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً – . ونفس الشيء تقريبا أظهره استطلاع للري، أجرته CNN يوم 15 أكتوبر 2023، حيث بلغت نسبة التأييد الشعبي الأمريكي 70 % – 81% منهم تجاوزوا سن الـ65 -، وكانت هذه الأغلبية مؤيدة ومساندة لكل ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية من إجراءات ورد فعل، للدفاع عن نفسها، وكذلك في مواصلة، واستكمال للحرب، التي سبق وبدأتها الولايات المتحدة الأمريكية كممثلة لقوى الخير، في مواجهة قوى الشر .
إن العرب مازالوا لم يحسنوا استثمار الورقة المفقودة، فكتب الإسرائيليون منفردون السرديات – علم تشكيل الحكاية أو تكوين القصة-، و “الثيمات ” – الموضوع أو الإطار العام -، التي يتناولها الخطاب الإعلامي الغربي منذ 7 أكتوبر 2023 ، عن الحرب في غزة، من منظور واحد، برواية إسرائيلية بحتة، تقدم للرأي العام العالمي، والأمريكي خاصة، أن حركة المقاومة الإسلامية ” حماس”، هي من بدأت بالاعتداء، والعدوان، والهجوم غير المبرر، مع التركيز على إبراز أن المستهدفين كانوا من المدنيين الإسرائيليين، دون الإشارة إلى مسؤولية الإحتلال الصهيوني الإسرائيلي، عما يعيشه الشعب الفلسطيني الشقيق منذ إغتصاب أرضه في نكبة عام 1948، وبالتالي انتزعت إسرائيل الشرعية، والضوء الأخضر في كامل الحق بالرد، والدفاع عن النفس، كيفماء تشاء، بل وبغطاء ودعم سياسي وعسكري لا محدود من الولايات المتحدة الأمريكية.
إشكاليتنا الحقيقية كعرب، نغفل ما بأيدينا من أوراق مفقودة، وواحدة من هذه الأوراق، إهدار مكاسب مونديال كأس العالم في دولة قطر الشقيقة 2022، فلم نقدر قيمة، جوهر نتائج هذا الحدث التاريخي للعرب والمنطقة كلها، والنجاح الذي حققته الإرادة القطرية، ودبلوماسية العزيمة والإرادة، والإصرار القطري على استضافة هذا الزخم الرياضي العالمي.. وبالفعل تضافرت جهود القطريين في إعادة مسار السرديات، والرواية عن العرب والمسلمين، التي ظلت صورتها يتم صياغتها في معامل الصهيونية الغربية، لتبدأ كتابتها من الشرق، فأرتدى المشجعين الكرويين من جميع أصقاع الأرض شرقها وغربها، بما فيها الأمريكي والأوربي، للغطرة والعقال العربي، بل أرتداه ميسي كابتن الفريق البطل حامل اللقب، في رسالة لانصهار الثقافات والحضارات في بوتقة الإنسانية الواحدة.
وإذا كان من الممكن أن نأتي مؤخرا، فهذا خيرا من ألا نأتي مطلقا.. المهم وجود الإرادة العربية، وقناعة حقيقية في أن تكون لدينا استراتيجية إعلامية، بأهداف محددة من أجل مخاطبة الرأي العام العالمي، ونستثمر الصورة الإيجابية التي قدمها الأشقاء القطريين، في مونديال قطر 2022، لتصحيح الصورة المشوهة عما يحدث على أرض الواقع في قطاع غزة، من جانب قوات الإحتلال الإسرائيلي، على خلاف ما تروج له آلة الإعلام الصهيوني في الغرب عامة، وفي الولايات المتحدة الأمريكية خاصة، ولاسيما في ظل ما أظهرته استطلاعات الرأي، بوجود فجودة متزايدة بين مواقف الأجيال – الأكبر والأصغر داخل أمريكا نفسها، تجاه ما يحدث من إسرائيل المحتلة ضد الأشقاء الفلسطينيين في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر.. إنها الفرصة لإستثمار الورقة المفقودة.
كاتب صحفي
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى