آراء

محمد الغريب يكتب.. في حضرة أم الزاهدات

 

تدلف قدماي نحوها، تشتاق أنفاسي لأن تحاط بعبيرها، فلم أغب يومًا على ما أذكر عن محرابها فهي «أم الزاهدات» ستنا السيدة نفيسة رضي الله عنها سليلة البيت المحمدي الشريف.

 

فبخطى متسارعة، اعتدت مذ وعيت على الاحتفالات والاحتفاءات بآل البيت رضوان الله عليهم بمصر، تسبقنى حواسي إلى حيث مشهدها بحيها المعروف بموقعه من مصر القديمة – وإن كانت تربطني ذكريات مع جدي بمقامات أخرى كالإمام الحسين والسيدة زينب وغيرهما-، تراودني في حلم ويقظة، في عشية وضحاها.

 

فهنالك سر بيني وبين صاحبة تلك القبة النحاسية – قبل أن يتبدل لونها- يجعلني أذهب إليها ولو يومًا أحيي ذكراها، مهما كانت الأسباب التي تعطلني إما كسلًا أو غيره، أجد في حرص المريدين على إطعامي بحضرتها رسالة أخرى لم تفسر بعد قد يكون تأويلها رؤيا قريبة.

 

فهي السيدة التي لم أعرف عند قراءة سيرتها إلا أضعها في مرتبة مقاربة لأن تكون عائشة زمانها، زهراء عصرها، فسيرتها التي حفلت بكثير من المواقف جمعتها مع شافعي الأمة الإمام محمد بن إدريس وأخذه عنها الحديث ما يقوي الشبه بينها وبين أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها والتي أخذ عنها كبار الصحابة والتابعين امتثالا للتوجيه النبوي:«خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء»، فكان الأخذ عن «النفيسة» مما حفل به كتب الزهاد والعباد والعلماء على كثرتهم ما يضيق الذكر أمامهم يغلب مقاربتها عندي بابنة الصديق رضوان الله عليها.

 

والحديث عن «أم الزاهدات»-وهو لقب ربما تعلق بقلبي عن جمع من الألقاب لكريمة الدارين ونفيسة العلوم، أمر يصحبه الشغف والجنون عندي، فعلى مقربة من محيط مسجدها اعتدت أن أطعم ولو بشق تمرة، أذكر حين جمعني اللقاء بجدي في رحابها كانت أولى كلماته لي: «هنا ملتقى الحب يا ولدي فلا يغب عنك مقامها».

 

كانت محطة من محطات تصويب الصورة المشوشة عندي، فبالحديث مع شيخي ومعلمي الحاج الدسوقي البرعي، تبادرت أسئلة عما إذا كانت صاحبة المقام نبوية النسبة على الحقيقة!، لماذا اختارت مصر موطنًا دون مكة؟!، وغيرها ما ورد بخاطري. كانت إجابته ربما على بساطة قائلها ملامسة للقلب مشبعة للوجدان، وهادية من الحيرة، يا ولدي لو أطال الله سبحانه بعمر نبيه لكان مقيمًا بيننا أوليس من بشر بها أولى من المبشرين بزيارتها.

 

كلمات ربما عجز علماء عن الوفاء بها في سد الذرائع أمام من يستكثرون على مصر أن تحتضن من آل بيت النبوة؛ وهي من شرفت ببشرى وبشارة أن تكون لواءً لرسالة خاتمة إلى يوم الدين.

 

كان لتكرار زيارة جدي مقامات آل البيت رسالة تضيف لي وتذهب عني لبس لطالما أوجد خطاب مستشرٍ بيننا عنفا، وأفرز في فطرتنا خلاف ما جبلت عليه، وللحديث تتمة.

زر الذهاب إلى الأعلى