آراء

د. حسنى ابوحبيب يكتب: عمم على رمم

قال تعالى “مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ” [التوبة: 101]

من مخاض نكد الأيام، ووجع شؤم الليالي يولد صنف من أشباه البشر منافقون أفّاقون لا يستحون، عندما يتفرس وجوههم أولو البصائر يرون نوعاً من البشر من الصعوبة بمكان تصنيفهم، أهم مسلمون ؟ بلى، هم أبعد الناس عن الإسلام. أهم مسيحيون؟ بلى، هم أعدى أعدائها. أهم يهود؟ بلى، هم أنأى الخلق عنها. أهم بوذيون؟، أهم هندوس؟، أهم ملحدون؟. بلى، بلى، بلى، لقد رأينا كلَّ هؤلاء فما وجدنا بشراً أخسَّ من أولئك ولا أحطّ ولا أذل.

صنف لديهم قدرة مرعبة على التلوّن والتحوّل تفوق قدرة الحرباء، وعندهم تمكُّن في التبدّل والتغيّر لا يستطيعه الأخطبوط المقلِّد، لذا قال الله تعالى مخاطباً نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم إثر ذكره تعالى لهم: “لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ” فلا يعرفهم إلا أولئك الذين يرون بنور الله، ولا يشعر بوجودهم إلا أهل الله، ولا يشم رائحتهم إلا أولياء الله، أما مهابيل البشر، وعُبُط الناس فلا يرونهم ولا يشعرون بهم، بل ربما لا يرتاحون إلا لهم، ولا يركنون إلا إليهم، ولا يدركون عِظَمَ مصابهم إلا بعد أن ينقلبوا عليهم بزوالهم أو بزوال كراسيهم، إنّ الملأ من قوم فرعون ما قرَّ لهم قرار ولا غمض لهم جفن في تزيين باطل فرعون وتحسين سيئه إلا بعد أن أردوه غريقاً، وما أفاق هو إلا بعد أن بلغت روحه تراقيه، حيث لم ينفعه ندم ولم تُجد له توبة، “حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ” [يونس: 90 ، 91].

رأينا أحفاد أولئك الملأ في ساعة واحدة تغيّرت تعليقاتهم 180 درجة حول الحدث الواحد والشخص الواحد، أمس الأول الثلاثاء الموافق الثاني من شهر تموز (يوليو) من عامنا هذا 2024 م قبل الساعة الثانية ظهراً وقبل أن تحلف اليمين الحكومة الجديدة – وفّقها الله – كان هؤلاء يمجّدون ويُطرون أشخاصاً حسبوا أن الدوام لهم وأن البقاء من صفاتهم، أما بعد الثانية من ظهر اليوم نفسه، وبعد أن عُرِف الآتي من الذاهب، أخذ نفس هؤلاء في ازدراء وطعن من مجّدوهم قبل ساعة، وأخذوا يبحثون في أرشيف صورهم القديمة لعلّهم يعثرون على صورة تجمعهم مع الآتين، وأخذوا في نفض التراب عنها ثم نشرها، فهذا يدّعي أن القادم صديقه العزيز، وذاك يزعم أنه زميله الحكيم، وذلك يتظاهر بأنه بلدياته الكريم، وآخر يعلن أنه أستاذه العالم، وغيره يدَّعي أنه شيخه العليم، وهكذا أصبح كلُّ قادم عزيزاً حكيماً كريماً عالماً وعليماً، وكلّها لو تأملتها وجدتها من أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، فلله المشتكى، وإليه المرجع، ومنه العوض، وعليه التكلان، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

أبهؤلاء وأمثالهم تنتشر دعوة و يسود دين؟!!، أم بهم ينهض وطن وتُعزّ أمّة ؟!!، بلى، بل هي عمم على رمم، وحلى على دمى، فهؤلاء أخطر على الأمة من أعدائها، لذا حذّر قرآننا الكريم من هؤلاء خلال سوره البيِّنات وآياته المحكمات سبعاً وثلاثين مرّة تقريباً، وما ذاك إلا لأن وجودهم في أي مؤسسة وداخل كلّ هيئة مما يقوِّض ركنها ويزلزل أُسَّها.

وما أدراك بقوم توعّدهم الله تعالى بالعذاب في الدنيا مرتين، ثم أعلن أنَّ مردّهم يوم القيامة إلى العذاب العظيم، فأوّل العذابين اللذين في الدنيا هو: فضحهم وهتك سترهم واحتقار الناس لهم، وثانيهما هو: الهمُّ القلبّي، والقلق النفسي، والاضطراب العصبي، وفساد العلاقات إلى غير ذلك.

ما أريد قوله من خلال هذا المقال المتواضع نصحاً لكلا الفريقين معاً (المنافقين والقادمين)، فأقول لهؤلاء المنافقين توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربُّكم أن يغفر لكم فالدنيا بيد الله لا يأخذ أحد منها قنطاراً ولا قطميراً إلا بإذنه، ولن ينال أحد منها عظيماً أو حقيراً إلا بعلمه، فاطلبوها من ربِّكم بعزّة وكرامة، واعلموا أن الأمور تجري بمقادير الله تعالى، وهو سبحانه قدّرها قبل خلقه الخلق، فأريحوا أنفسكم فقد رُفعت الأقلام وجفَّت الصحف، وإيّاكم أن تنسوا الآخرة، وأُذكّر نفسي وإيّاكم بقوله تعالى: “مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ” [الشورى: 20].

وأقول لهؤلاء الآتين القادمين إيّاكم وهؤلاء المنافقين احذروهم على دينكم، وإن كنتم لا تعبأون بدين فاحذروهم على دنياكم، فهؤلاء بهم يفسد الدين وتذهب الدنيا، وكونوا على يقين أنّ كلَّ آتٍ لا محالة راحل، وكلَّ قادم لا ريب ذاهب، وكلَّ مقبلٍ لا شكّ مدبر، ورحم الله إمامنا الشافعي إذ يقول: “أظلم الظالمين لنفسه: من تواضع لمن لا يكرمه، ورغب في مودة من لا ينفعه، وقبل مدح من لا يعرفه”، واعلموا أن من يمدح شخصاً بما ليس فيه فهو كالمستهزئ به، وقديماً قيل: من مدحك بما ليس فيك فقد ذمّك، وأذكّركم ونفسي بقول الله تعالى: “لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ” [آل عمران: 188].

نسأل الله الهداية لكلّ ضال، والتوبة لكل عاصٍ، والتوفيق لمن ولّاهم الله تعالى أمورنا، والحفظ والأمن لمصرنا الحبيبة.

زر الذهاب إلى الأعلى