الدكتور ناصر العلي: “مبدأ التعايش السلمي ” استراتيجية روسيا الخارجية حتى (عام2030م.)
انتهاكات القانون الدولي الانساني في غزة ولبنان سابقة خطيرة.. والدوما الروسي يرفض " صناديق الأطفال " الغربية
كتب: محمد حربي
أكد الدكتور ناصر العلي- الأستاذ بمعهد القانون بالجامعة الروسية للنقل في موسكو بروسيا، أن إستراتيجية روسيا الخارجية حتى (عام 2030م.) تسعى لتعزيز ” مبدأ التعايش السلمي”، ليس بين الدول فحسب، بل وبين الشعوب، والحضارات، وبين ثقافاتهم، وقيمهم، وعاداتهم، وتقاليدهم. موضحاً أن هذا المبدأ الروسي الجديد، سوف يكون إضافة مهمة بالنسبة للمبادئ العشرة للاتفاق العالمي للأمم المتحدة، المستمدة من اتفاقيات وإعلانات الأمم المتحدة الأساسية؛ والتي جاءت خالية من الإشارة إلى ما يتعلق بمبدأ “التعايش السلمي”. جاء ذلك خلال المؤتمر الدولي بعنوان “إعادة تقييم تجربة الحداثة والتحديث فى المجتمعات غير الغربية: النموذج المصري العربي والنموذج الياباني الشرق آسيوى “، الذي نظمه مركز الدراسات اليابانية، بمشاركة كلية الآداب- بجامعة القاهرة، والمركز الدولي للدراسات الثقافية اليابانية، وبالتعاون مع كونسورتيوم الدراسات اليابانية العالمية، وبدعم من مؤسسة اليابان. وأقيم تحت رعاية الدكتور محمد سامي عبد الصادق رئيس جامعه القاهرة، والأستاذ الدكتور محمود السعيد نائب رئيس الجامعة لشؤون الدراسات العليا والبحوث، و الدكتور نجلاء رأفت عميد كلية الآداب بجامعة القاهرة، والدكتور شريف عوض وكيل الكلية لشئون الدراسات العليا والبحوث، و الدكتور دينا فتحي وكيل الكلية لشؤون خدمه المجتمع وتنمية البيئة، وبحضور كاتسونوبو تاكادا -الوزير المفوض بسفارة اليابان بجمهورية مصر العربية.
وقال الدكتور العلي: إنه هناك تشابه بين تجربة التحديث الروسية في بدايتها مع التجربة اليابانية؛ حيث أن التجربة الروسية، قامت على الحفاظ على التراث، والعادات، والتقاليد الروسية، والانفتاح على الغرب؛ وذلك في عصر القيصر ألكسندر الثاني، وعصر نيقولا الأول. عندما بدأت عملية التحديث في روسيا واليابان، كانت اليابان آنذاك دولة متخلفة اقتصادياً، ثقافياً، واجتماعياً، وكذلك كانت روسيا، على هذا الوضع.
ولكن الثورة الصناعية التي حدثت في أوروبا، وانتشار الفكر الأوروبي الفلسفي، كان له دور كبير في التأثير على ثقافات هذه الشعوب، وهذه الدول. وبالفعل سارعت هذه الدول لاختيار النمط الأوروبي، في عملية التحديث، مع الحفاظ على القيم والعادات والتقاليد الخاصة في كلا البلدين. لافتاً إلى أن العملية اليابانية، هي بالفعل تجربة فريدة من نوعها؛ حيث أن الدولة خرجت من مستنقع التخلف، وأصبحت من الدول التي يتم الإشادة بحضارتها وثقافتها وقيمها، وتكنولوجيتها، وصناعتها.
وأوضح الدكتور العلي، أنه روسيا قد عرفت نظام ” القانة”، ومنذ زمن بعيد. ثم بدأت الحداثة في روسيا بإلغاء نظام القنانة في روسيا، في (عام 1861م.)، والاتجاه إلى التحديث الغربي، الذي كان مسيطراً خلال فترة في إنجلترا، ثم بدأت الثورة الفرنسية في فرنسا، وكان لذلك تأثير كبير على الفكر الروسي. وأنه نتيجة لفكر، جان جاك روسو، ومونتسكيو، وغيرهما، كان له تأثير كبير على فكر المثقفين، والعلماء الروس؛ وكذلك ظهور فريدريك انجلز وماركس، خلال هذه الفترة، كان له تأثير كبير على الايديولجية الروسية. وأنه كان للفكر الماركسي تأثيره في حدوث ثورة( عام 1917 م.)، والتي بدأت في المرحلة الثانية، من التحديث الروسي، والقضاء على نظام القيصر ” القيصرية”، والتخلي عن النظام الديكتاتوري.
وأشار الدكتور العلي، إلى أن الزعيم الثوري الروسي، فلاديمير لينين، دعا في خلال هذه الفترة، لتكريس البروليتاريا، إلى أن تصبح الدولة السوفيتية، واعية ومثقفة. وقد بدأ لينيين بعد ثورة 1917، بثورة التثقيف. حيث كان نسبة المتخلفين في روسيا ممن لا يقرأون ولا يكتبون، تتجاوز 70 بالمئة من المجتمع الروسي. وفي خلال خمس سنوات لاحقة، فإن روسيا؛ قد تخطت هذه المرحلة. وأنه نتيجة لهذه الثورة، والتحديث الذي حدث في المجتمع الروسي؛ حتى أصبح الآن، من أحد أهم خصائص الشعب الروسي، بأنه من أكثر الشعوب المحبة للقراءة، وهذا كان له تأثير على عملية التحديث، التي قام بها لينين، على توعية هذه الشعوب.
وأضاف الدكتور العلي، بأنه من دون الخوض كثيراً في عملية التحديث التي مر بها الاتحاد السوفيتي، فلا يمكن إغفال الدور الروسي في السياسة الخارجية على الدول والقانون الدولي؛ والتي كرسها الاتحاد السوفيتي، ومنها ” مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير”. حيث أنه عندما كان هناك اجتماع حول ميثاق هيئة الأمم المتحدة، فإن الوفد الروسي، تمسك بضرورة إقرار مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير، وصياغتها ضمن المادة الأولى من ميثاق هيئة الأمم المتحدة. وتقوم هذه السياسة، على عدم التبعية، وعلى الشعوب أن تقرر مصيرها بنفسها، ودون فرض ثقافة الآخرين على غيرهم.
لافتاً إلى أن روسيا تقول: إنها مع التحديث، والانفتاح على العالم؛ ولكن مع الحفاظ على الثقافات والعادات، والفكر الروسي. وهذا ما يجد مناهضة، من قبل المجتمع الغربي بأكمله، أي أن التحديث، لا يكون فقط من الناحية التاريخية، موضحاً أن ذلك لا يعنى إنكار لدور التاريخ في عمليات التحديث، والاستفادة من الخبرات التي كانت موجودة؛ ولكن يجب على الباحثين، البحث في التحديث في الوضع الراهن؛ وماذا بعد؟. حيث أن هذا هو الأهم.
وشدد الدكتور العلي، على أن الاستراتيجية الروسية الخارجية، وفي وزارة الخارجية الروسية الحالية، والتي سوف تسري حتى (عام 2030م.)، تهتم بإقرار “مبدأ التعايش السلمي”، وأن هذا المبدأ في طور التطور، والولادة. حيث أنه توجد هناك 10مبادئ أساسية، للاتفاق العالمي للأمم المتحدة، المستمدة من اتفاقيات وإعلانات الأمم المتحدة الأساسية؛ والتي جاءت خالية من الإشارة إلى ما يتعلق بمبدأ “التعايش السلمي”. حيث أن هذا المبدأ ليس بين الدول فحسب، بل بين الشعوب، والحضارات، وبين ثقافاتهم، وقيمهم، وعاداتهم، وتقاليدهم.
وقد أشاد الدكتور العلي، بدور العلماء الروس، في إقرار مبدأ التعايش السلمي، في استراتيجية العلاقات الخارجية الروسية، حتى (عام 2030م.). ومن ثم يمكن أخذ هذا المبدأ كمبدأ أساسي للفهم والتحديث. موضحاً أنه لا يمكن أن يوجد شعب أو دولة بالعالم تقف ضد التحديث. ولكن ما هو التحديث؟. وهل يراعي مصالح الشعوب والدول؟. فإذا تناسب مع ثقافتي، وعاداتي، وتقاليدي، وقيمي، فلا مانع. ولكن مع عدم اجباري على الأخذ به.
ونوه الدكتور العلي، إلى أنه في أوروبا حاليا يتم تنتشر فكرة “صناديق الأطفال” الموجهة إلى الأولياء الراغبين في التخلي عن أبنائهم الحديثي الولادة بطريقة قانونية. وأنه في هذا الصدد فإن مجلس الدوما ” مجلس النواب في الجمعية الاتحادية الروسية”؛ قد اجتمع، وناقش هذا الأمر، وأصدر قراره، بحظر ومنع الدعاية لهذه الفكرة الغربية” صناديق الأطفال”؛ لكونه يتنافى مع الأخلاق، والعادات، والقيم الروسية.
ونوه الدكتور العلي، إلى أن هذه مبادئ للتحديث، من حيث التحديث والقيم الأخلاقية، في إطار ما يتم البحث فيه لحلول للقضايا الإقليمية التي تواجه المجتمع الدولي. محذراً من تجاهل القضية الكارثية الأخطر، وهي قضية تغير المناخ، وما ينتج عن هذه القضية؛ حيث أن نتائجها؛ قد تكون أخطر من الحرب النووية. وعليه ينبغي معرفة ما هي ثقافة الشعوب حول هذا الموضوع، ودور الدول حول التحديث في هذا المجال. لافتاً لو نتحدث عن الدول النووية الأساسية، وأن دول معاهدة حظر الأسلحة النووية، لم تجتمع منذ سنوات طويلة، وربما الاجتماع الأخير كان ( عام 2008م.).
ودعا الدكتور العلي، إلى ضرورة تكريس التحديث حول القضايا التي تعاني منها البشرية الآن، مثل: مشكلة التغير المناخي، وعمليات التصحر، الصراعات النووية، والمجاعة، البطالة، وهذه مشاكل تواجه العالم. موضحاً أن التحديث يجب أن ينصب على حل القضايا الدولية؛ الذي سوف ينعكس على الوضع الداخلي للدول. وهذا بحاجة لتضامن دولي واضح لحل هذه القضايا، بغض النظر عن الحسابات الخاصة لتلك الدول وذاك.
كما حذر الدكتور العلي، من خطورة انهيار القانون الدولي الإنساني؛ الذي لن يتوقف عند حدود ما يحدث الآن ليس في غزة ولبنان فحسب. إذ أن ما يحدث يمثل سابقة خطيرة لانهيار نظام القانون الدولي الإنساني، وأنه لو تكرر بعد فترة نزاع إقليمي أو محلي، لن تكون هناك ضمانة لاحترام القانون الدولي الإنساني؛ وذلك بسبب وجود سابقة للانتهاك في غزة ولبنان. وهنا تكمن أهمية التحديث لتوعية الشعوب، حتى تفهم؛ معنى الحداثة بشكل أفضل.