أسماء جلال تكتب : أيها المتشددون بغير علم خلّوا بين الناس ونيتهم في الدعاء

شاع في الآونة الأخيرة من ينتقد أن يقول قائل في دعائه وفي ظل التقلبات الجوية التي نمر بها:” يارب يكون مطر خير” أو يقول: ” اللهم اجعله مطر خير”، وهو بنيته التي لا تخفى على خالقه وعلى حال الفزع إلى الخالق الذي ليس أوانه أوان” فزلكة” لغوية!
بل زاد بهم الأمر إلى أن راحوا يحذرون ويعنفون الناس ويحرّمون قول (مطر) في الدعاء بزعم أن كلمة (مطر) لا يقصد بها خير، وأنها وردت فقط خاصةً بآيات العذاب والعقاب..ولا أفهم من هذا إلا عين القصور. مما دفعني إلى كتابة هذا المقال تصحيحًا لهذا الفهم القاصر الذي يُعسّر على الناس، وما علمت بالدين إلا كل يسر واعتدال.

فأما عن لفظ (مطر) كما علمناه في اللغة فهو يدل على ذلك الماء النازل من السماء، بدون تحديد غايته للرحمة أو للعذاب، وجاءت كلمة”السماء” أيضًا دالة على المطر عينه من باب إحلال الكل محل الجزء حيث هي موضع نزوله:كما ورد في حديث زيد بن خالد الجهني المدني:” صلى لنا بالحديبية على إثر سماء..” أي مطر.

وفي الحديث الذي رواه مسلم وغيره من لفظ ابن عباس:” مُطر الناس على عهد النبي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر، قالوا هذه رحمة الله، وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا، فنزلت:( فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ…إلى قوله:( وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمٍ تُكَذِّبُونَ) الآيات من سورة الواقعة..ومعلوم أنه ليس المقصود بالكفر هنا الشرك، وإنما يقصد به جحود النعمة بجحود المُنعِم.

وورد لفظ(مطر) كثيرا عند العرب بمعنى الماء النازل من السماء، كما جاء في خطبة قُسّ بن ساعدة:” وكل ما هو آتٍ آت مطرٌ ونباتٌ وأحياء..الخ الخطبة الشهيرة”.

أما استدلالهم على أن لفظ المطر قاصر على السوء والهلاك بالآية:” وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ المُنْذَرِينَ..” الآية ١٧٣ سورة الشعراء، فالآية هي عين الدليل على أن اللفظ في العام يدل على الماء النازل من السماء دون النظر إلى سبب نزوله، وذلك لمن تأمّل الآية وأحكم التدبر فيها.
فترى أنه سبحانه وتعالى قال: ” وَأمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ” ولو كان لفظ مطر قاصرًا على الهلاك كما يدّعون ما أتبعه جلّ وعلا بقوله:”مَطَرًا” أي أنه ليس مطرا عاديًّا، وجاء بها مُنوّنة لتخصيص هذا المطر بأنه للهلاك، وأكد ذلك حين ختم بقوله:” فَسَاءَ مَطَرُ المُنْذَرِين”

وما خصص بأنه مطر المنذرين، إلا لدلالة قوله على أنه هناك مطرٌ للمبَشّرين.
وقال تعالى في ظن أصحاب الأحقاف بأنه مجرد مطر استهانةً منهم بوعيد الله:” فَلمّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا” الآية ٢٤ سورة الأحقاف، وليس من العقل أن يقولوا ممطرنا هكذا إلا لظنهم به خيرًا.
وفي قوم لوط قال: ” وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى القَرْيَةِ الَّتُي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ” الآية ٤٠ من سورة الفرقان، فلو أن كلمة مطر في ذاتها تعني السوء ما أضاف لها لفظ السوء ليحدد نوعها..
وذكر لفظ” استمطرنا” في الدعاء والتوسل إلى الله لطلب نزول المطر، ولا يعقل أن نتوسل إلى الله نطلب السوء والهلاك!!!

وفي قصر الصلاة ورد قوله تعالى:” وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ” الآية ١٠٢ سورة النساء، والخطاب موجهٌ إلى النبي وأصحابه في الغزوة، فلا يعقل أن يقصد بهذا المطر الذي أنزله الله على النبي ومن معه يجاهدون الكفار أن يكون هلاكًا أو عذابًا!!!

أيها المتشددون بغير علم.. خلّوا بين الناس ونيتهم، ربنا أعلم بما في نفوسنا، ولا تميتوا علينا ديننا، واجتهدوا دون أن يكون اجتهادكم أوامر تلزمون الناس بها، لأن حينها سنظهر لكم من الحجج ما يعجزكم فتقفون عند حدودكم ساعتها، وتعلمون أن فوق كل ذي علم عليم..

هو غيث هو صيب هو مطر قل كل من عند الله، نرجو فقط أن يكون خيرًا ورحمةً…
نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا.

زر الذهاب إلى الأعلى