آراء

عادل عبدالصبور يكتب : ردوا إعتبار الجيش الأبيض

 

أشتهر المصريين القدماء ببراعتهم في علوم الطب والتشريح والكيمياء وكانت مهنة الطب تحظي باهتمام وتقدير بالغ خاصة لدي الفراعنة بحكم معتقداتهم السائدة آنذاك بفكرة الحياة مابعدالموت أي أن جثامين الموتى حتماً ستسترد الروح ويصبح هناك حياة أبدية تبدأ بعد الدفن لذا أعتبر الفراعنة أن عمليات التحنيط هي بوابة العالم الآخر في الحياة الأبدية فكان شغلهم الشاغل كيفية الحفاظ على جسم وملامح الميت الذي ستعود له الروح في رحلة البحث عن الخلود فكانت إبداعاتهم وتفردهم بأحد أهم أسرار الكون وهو سر التحنيط الذي لم يعرف العالم ولا البشرية كلها عنه إلا القليل منذ القرن الخامس قبل الميلاد من خلال مادونه المؤرخ اليوناني “هيرودوت” عن بعض طرق التحنيط أثناء زيارته لمصر ،وحديثا بعض المعلومات التي توصلت إليها البعثة الأمريكية التابعة لجامعة ممفيس الأمريكية عند إكتشافها المقبرة ٦٣بوادي الملوك التى إحتوت على ثمانية توابيت وجد بداخلهم بقايا مواد و أدوات خاصة بعمليات تحنيط مومياء الملك” توت عنخ آمون ” .

مهنة الطب إضافة إلى التمريض ظلت واحدة من أهم وأعظم المهن التي لا يمكن تهميش دورها أو التقليل منها مهما كانت الأسباب لأن من يمتهنون هذه المهنة هم بلا جدال ملائكة الرحمة وأبطال كل مراحل الحياة فهم دائماً الذين يتحملون مسؤولية إنقاذ المرضى والمصابين وعلاجهم ووقايتهم والحفاظ على أرواح البشر.

هم جيش يقاتل ويدافع عن حياة البشر ، لذلك أطلق عليهم الشعب المصري لقب “الجيش الأبيض” بعد تفشي ڤيروس كورونا وإنتشاره وبعد أن أثبت الأطباء ومعاونيهم من مهنة التمريض أنهم أبطال وجنود حقيقيين، يضحون بأرواحهم وحياتهم في سبيل إنقاذ حياة المرضى والمصابين فهم يقدمون رسالتهم الإنسانية والمهنية السامية بإخلاص وتفاني دون النظر للأذى الذي قد يلحق بهم ويطولهم ويؤدي بحياتهم خاصة أنهم أكثر المهن والفئات تعرضاً للإصابات والوفيات نظراً لأنهم الفئة الأكثر تعاملاً وتعايشاًمع المصابين بالڤيروس .

ما يقوم به أطقم وأفراد الجيش الأبيض من أجل إنقاذ حياة المصريين هو عمل بطولي يستحقون عليه ما يستحقه جنودنا وضباطنا الذين يحاربون على الجبهة فكلاهما يدافع عن بلده وكلاهما يدافع عن حياة شعبه .

كنا نعتقد أن الأزمات الإقتصادية التي تعرض لها العالم بعد ظهور جائحة كورونا التي تعد هي الأسوأ في التاريخ حتى من التي تعرض لها قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية عام ١٩٢٩ أن ينال الأطباء حقوقهم وتقديرهم وكنا سعداء ومازلنا بإعتزاز القيادة السياسية وفي مقدمتها سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي بالأطقم الطبية والتمريض وتفاءلنا خيراً بكلمات الرئيس التي ترفع من قيمتهم وشأنهم وحرصه الدائم على رفع معاناتهم ودعمهم ، إلا أن الأيام القليلة الماضية عكست صورة مغايرة بعد أن أصدرت وزيرة الصحة قراراً بمقتضاه يتم منع إجراء المسحات الطبية للأطباء المخالطين لكورونا إلا في حالة ظهور الأعراض وهو قرار غريب وليس في محله لأنه يتسبب في زيادة نسبة الإصابات والوفيات خاصة كماذكرت أن الأطقم الطبية والتمريض هم الأكثر تعاملاً وتعايشاًمع المصابين ومن ثم هم الأكثر تعرضاً للإصابة بالڤيروس ونقل العدوى وبالتالي كان لابد أن تحافظ على سلامة وصحة الأطباء والممرضين وأن تضمن لهم أقصى درجات الوقاية والتأمين إلا أن عدم الإعتناء بهم يزيد من تفاقم الكارثة ويؤدي لزيادة معدلات الوفيات والإصابات وبالتبعية إرتفاع التكاليف .

كنت في مقال سابق أشرت لهذه النقطة وطالبت الوزيرة بضرورة الإعتناء بالأطقم الطبية والتمريض حتى نضمن أمرين مهمين الأول إنخفاض معدلات الإصابة والوفيات والثانية عدم إهدار المال العام الناتج عن زيادة تكاليف مواجهة الوباء إلا أن ماتقدم عليه وزارة الصحة يثير علامات الإستفهام والتعجب ويتناقد مع توجيهات السيد الرئيس ويعظم من الأعباء الإقتصادية والإجتماعية التي تتحملها الدولة والمواطنين وتنال من كرامة أفراد وأطقم الجيش الأبيض الذين يستحقون الدعم والأهتمام ورفع مستوى معيشتهم ووضعهم المادي والأدبي والإجتماعي حتى يكون لهم حياة كريمة مستقرة تتناسب مع ما يبذلونه من جهد وعمل .

لم يكن هذا القرار هو الوحيد الذي يثير علامات الإستفهام والتعجب بل سبقه حزمة قرارات لها العجب أخطرها أن وزارة الصحة لم تتحمل توفير وسائل الوقاية والمعايشة بمعنى أنها غير معنية بتوفير الكمامات والقفازات والكحول ومواد التعقيم والوجبات …الخ ، الأمر الذي أدى لغضب الأطباء ،ومازاد الطين بلة وفاة الدكتور وليد يحيى الذي لم يتجاوز الثانية والثلاثين من عمره إثر إصابته بالڤيروس ورفض إستقباله بأي مستشفى في الوقت الذي وفرت الوزارة حجرة بجناح إحدى المستشفيات للفنانة رجاء الجداوي بمجرد الإشتباه في إصابتها في ثواني معدودة ، مما أحدث حالة من التمرد والغضب داخل صفوف الجيش الأبيض لأحساسهم بالإهانة وعدم التقدير.

نحن مع موقف الوزارة تجاه الفنانة رجاء الجداوي ونؤيده تماماً لأننا مع تقدير المبدعين في كل المجالات وتكريمهم لكن نتعجب من موقفها من كتائب المقاتلين بالجيش الأبيض وعدم تقديرهم وهم الذين يواصلون الليل بالنهار للحفاظ على حياة المصريين .

خاصة أن السيد الرئيس لم يقبل ما يتعرض له الأطباء و يتابع بنفسه نتائج التحقيقات في أسباب رفض بعض المستشفيات إستقبال الدكتور وليد والتي تسببت في وفاته.

بإختصار الأطباء أحسوا بالظلم والإهانة وعدم التقدير وهم بالقطع لهم كل الحق خاصة أن أغلبهم يعانون من ظروف معيشية صعبة بسبب تدني المرتبات وعدم قدرتهم على توفير مستلزمات وأدوات الوقاية والتعقيم والعلاج.

لذلك علينا أن نتفهم موقفهم وألا ننجرف وراء الفتن التي تستهدف تفتيت النسيج المجتمعي والتي تتهم الأطباء الوطنيين المخلصين بالخيانة وبأشياء ما أنزل الله بها من سلطان وتتخذ من أسباب غضبهم مجالاً لحل الأزمة التي تصاعدت مؤخراً وهي مطالب بسيطة ومشروعة.

مطلوب من وزيرة الصحة أن ترد إعتبار الأطباء ليس بالتصريحات والكلمات الرنانة ولكن من خلال حزمة قرارات وإصلاحات يكون في مقدمتها رفع الحد الأدنى لدخل الأطباء إلى ٥٠٠٠ جنيها وزيادة بدل العدوى لتصل إلى ١٥٠٠جنيها بحد أدنى وصرف عدد ٢وجبة غذائية يومياً وتوفير جميع مستلزمات الوقاية من كحولات وقفازات وكمامات وكل أدوات التعقيم على أن يتم إستبدالها بمعدل كل ٤ساعات بالإضافة لتوفير أماكن وأسرة بكل مستشفى لإستقبال المشتبه بإصابتهم من الأطباء والممرضين والممرضات وأسرهم وعمل كافة الإجراءات وتوفير المسحات المجانية.

يكفي أن تعلم عزيزي القارئ أن ٩٦%من المتعافين من الإصابة بالڤيروس يعانون من تشوهات رئوية بين ضعيفة ومتوسطة وشديدة بالإضافة لضيق في التنفس وشعور بالإجهاد نتيجة ضعف عضلات القلب والكبد وفقا لبعض الأبحاث التي أجريت على عينات من المتعافين من الوباء بمدينة يوهان الصينية مؤخراً .

أخيراً نتمنى أن تشهد هذه المرحلة رؤية مختلفة تعظم من دور ومكانة العلم والعلماء والمثقفين والمبدعين بعد أن كشفت أزمة كورونا هشاشة وفشل الأنظمة الرأسمالية التى تعتمد على رجال المال ولاتعتمد على العلم والعلماء .

مطلوب تغيير الفكر والأدوات واستبدال رجال المال برجال العلم أو على الأقل تقديم رجال العلم على رجال المال حتى يمكن أن نتقدم ونحتل مكانة مهمة بين الدول العظمى لأن تقدم الأمم والشعوب لا يمكن أن يتم بدون العقول ، فالمال هو وسيلة لكن العلم والثقافة والإبداع هو الغاية .

ردوا إعتبار الجيش الأبيض ودعموا جهوده ومطالبه .

أرفعوا لهم القبعات وأجبروا بخاطرهم.

ردوا إعتبار أهل العلم والعلماء.

لا تلتفتوا لدعوات جماعات الشر وميليشياتهم الإلكترونية وأبواقهم من المرتزقة والعملاء .

أطباء مصر أوفياء ،مخلصين ،وطنيين، لكنهم يعانون ظروف معيشية قاسية

وقد آن الأوان لتحسين أوضاعهم المعيشية والاقتصادية والاجتماعية والأدبية فهم جنود الوطن وقلبه النابض .

زر الذهاب إلى الأعلى