حسام الفحام يكتب : البريكست والماسون .. وبينهما مصر

ترحيب ملكى و حفاوة بالغة حظى بهما الرئيس السيسي في بريطانيا خلال القمة البريطانية الافريقية .. ماذا يحدث في بريطانيا.. وما سر هذا التحول المفاجئ في سياسة المملكة المتحدة مع مصر ؟

بنهاية يناير الحالى تخرج بريطانيا من الإتحاد الأوروبى .و لابد أن ترسم لنفسها خارطة طريق تسير فيه منفردة بعد البريكست .وبالتالى فهى تحتاج لشركاء أقوياء تعتمد عليهم فى تدعيم خطواتها الأولى.

 

ووجدت فى مصر “العدو اللدود”ضالتها ..مصر “الدولة المشروع” مصر “بوابة افريقيا” ..مصر “بوابة طريق الحرير ف الشرق الأوسط “..مصر “بوابة التجارة العالمية عبر قناة السويس بمساريها القديم والجديد”.مصر” أرض الأمان والإستقرار”مصر”حليفة قطبى العالم” .مصر “مركز إقليمى لتجارة الطاقة ولاعب رئيسى ف إنتاج الغاز “. مصر”مركز للطاقة الجديدة والمتجددة “.مصر “صاحبة اليد القوية والسيادة والقرار”.

 

مصر أصبحت كل ذلك وأكثر.. رغم أنها كانت -حتى 4 سنوات – تعتمد إقتصادياً على جهد الأجداد فقط “قناة السويس القديمة..والآثار والحضارة وغارقة فى الديون والمذلة والفقر والفساد والجهل والمرض والعشوائيات. تجدها دائماً فى ذيل كل قوائم التصنيف العالمية بل والإقليمية ، شعبها كسول بلا حافز يفجر طاقاته ويستهلك ولا ينتج .

غادر مصر النبهاء أصحاب العقول والمواهب وطاروا ..وتلقفهم الغرب لسيتفيدوا من عبقريتهم بعد أن لفظهم الفاسد لتظل مصر فى حصارها .وظل شعبها غائب عن فهم ذاته وحقيقة قدراته ليخلع رداء الإنتماء رافضاً لحياة المقابر. كانت معدومة من كل مقومات و عوامل قيام أى مشروع إستثماري ناجح بلا طرق ممهدة ..بلا طاقة للتشغيل …بلا أيدي عاملة حرفية مؤهلة ..بلا تكنولوجيا متطورة ..ذات إجراءات روتينية ورقية عقيمة …..الخ

 

ذاك ماكان ..وهذا ما أصبح …لينقلب العدو رغماً عن أنفه حليف “دولة المستقبل”.. و يستثمر البريطانى وحده فى مصر ب8.5 مليار دولار ..وتتوالى الفوائد ..السياسية والأمنية والعسكرية والإقتصادية والمخابراتية .والأهم الفائدة القضائية لتصطاد مصر عدة عصافير بجولة واحدة.

وبعد أن كانت لندن ملاذاً للغربان وبوم الخراب ..لندن أرض الماسون والصهيونية والتنظيم الدولى للأخوان..آن الأوان أن تتنازل لتشارك وتتحالف مع قاهرة المعز..الباب العالى فى الإقليم والمنطقة العربية.

 

ولكى تفهم سر هذا التحول المفاجئ في سياسة المملكة المتحدة مع مصر لابد من معرفة ظروف و دوافع ميلاد فكرة الاتحاد الأوروبي.

١٩٤٥ .. انتهت الحرب العالمية الثانية .. وظهرت اقطاب جديدة تحكم العالم .. امريكا وروسيا .. وبدأت اوروبا تخاف على مصالحها .

١٩٤٦ .. اعلن ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا في زيورخ عن رغبته في جعل اوروبا كيان واحد وليكن اسمه الولايات المتحدة الاوروبية .. مجرد فكرة ..

١٩٥١ .. تم انشاء اول نواة صغيرة للفكرة .. اتحاد الصلب والفحم الاوروبي في باريس .. بمشاركة ٦ دول هى فرنسا وبلجيكا والمانيا الغربية ولكسمبورج وايطاليا وهولندا .

١٩٥٧ .. كيان اتحاد الصلب والفحم الاوروبي وسع نشاطه وغير اسمه الى المجتمع الاقتصادي الاوروبي .. وتم دعوة بريطانيا صاحبة الفكرة للإنضمام .. ورفضت لانها اكبر من الاختلاط بالدول الصغيرة .. و الحقيقة ان بريطانيا سعرت بالقلق من تشجيع امريكا وترحيبها بالفكرة .

١٩٦١ .. بريطانيا تغير رأيها .. وتعلن رغبتها في الانضمام للكيان .. خصوصا بعد تنامي اقتصاد الدول الستة .. لكن شارل ديجول رئيس فرنسا رفض وعارض بشراسة .. و كان يرى ان بريطانيا تحقق مصالح امريكا .

١٩٦٨ .. رحل شارل ديجول عن حكم فرنسا بعد مظاهرات الطلبة .. وانفتح الطريق لبريطانيا للإنضمام بتشجيع امريكي.

١٩٧٣ .. تنضم بريطانيا رسميا للمجتمع الاقتصادي الاوروبي .. و حدث خلاف في الشارع السياسي الانجليزي بين حزبي العمال والمحافظين لرفض العمال خضوع بريطانيا العظمى لسلطة اعلى منها.

١٩٧٥ .. استفتاء شعبي على بقاء او خروج بريطانيا من المجتمع الاقتصادي الاوروبي وتظهر النتيجة نعم للبقاء.

١٩٩٣ .. الكيان يتسع و يشمل ٢٨ دولة ويتم تسميته الاتحاد الاوروبي طبقا لمعاهدة ماستريخت ومقره بروكسل .. عملة موحدة اليورو و فيزا موحدة الشنجن .. برلمان موحد .. محكمة عدل موحدة .. سوق مشتركة .. لكن بريطانيا تمسكت بعملتها وفيزتها ورفضت اليورو والشنجن.

٢٠٠٤ .. انضمام دول شرق اوروبا مثل استونيا ولاتفيا ومقدونيا وغيرهم للاتحاد الاوروبي ليشمل كل دول اوروبا تقريبا ما عدا تركيا العرة طبعا .. وبعد انضمامهم هاجر جزء كبير منهم لبريطانيا .

٢٠٠٨ .. ازمة اقتصادية كبيرة لان أوروبا نتيجة تطبيق نفس السياسات الاقتصادية وقيمة العملة في دول لها ظروف مختلفة حدث افلاس وضعف بعض الدول مثل اليونان وايرلندا والبرتغال وايطاليا .. وهاجر الكثير منهم للدول الغنية واكترها بريطانيا .. و بصفتها عضو في الاتحاد لازم تدفع كثيرا لإنقاذ الدول المفلسة.

٢٠١١ .. بدأ يظهر تيار واسع يطالب بانفصال بريطانيا عن الاتحاد الاوروبي وسموه بريكست حتى داخل حزب المحافظين نفسه في وجود ديفيد كاميرون الداعم للبقاء بالاتحاد لأسباب اقتصادية وسياسية .. بالاضافة لحزب جديد معارض اسمه حزب الاستقلال و عمال على اشتراكيين يدعمون البريكست.

٢٠١٤ .. تيار البريكست يترسخ اكثر بعد فوز حزب الاستقلال ب ٢٧% من مقاعد البرلمان الاوروبي وليس البريطاني.

٢٠١٥ .. الانتخابات البرلمانية البريطانية .. ديفيد كاميرون وعد ان لو حزب المحافظين كسب في البرلمان سيجرى استفتاء على البريكزت . وكسب وعمل الاستفتاء وكان مطمن ان النتيجة هى البقاء.

٢٠١٦ .. في مفاجأة مدوية التصويت يخرج بلا للبقاء .. نعم للخروج .. نعم للبريكست .. وكانت اكبر حجة منطقية هي ان الوجود في الاتحاد ملئ البلد مهاجرين .ومن صدمو ديفيد كاميرون استقال من الحرج .

٢٠١٦ .. تيريزا ماي تبدأ تلعب على كل الحبال .. تعلن للشعب انها خارجة من الاتحاد وستنفذ الاستفتاء ولو على رقبتها .. وفي نفس الوقت تتملق قادة المعارضة وتعينهم في مناصب كبيرة مثل بوريس جونسون عمدة لندن وجعلته وزير خارجية بغرض ارضاء امريكا.

٢٠١٧ .. البرلمان الاوروبي يقول لبريطانيا الاستفتاء غير ملزم لنا وسنفعل المادة ٥٠ ومطلوب سداد ٤٠ مليار يورو و اقامة مفتوحة للمهاجرين وشريط حدودي بين ايرلندا الشمالية والجنوبية و شروط اخرى .. الاتحاد الاوروبي لا يريد ان يفقد بريطانيا من ناحية .. وخايف دول أخرى تتشجع و تقلد بريطانيا واولها فرنسا .

٢٠١٨ .. حاولت تيريزا ماي تعمل خروج ملائم ..انفصال مع بقاء سوق مشتركة .. الانجليز انقسموا نصين بريطانيا لازم تطلع من غير اتفاق ..والفريق الثانى انهم يخرجوا باتفاق وسياسة وحفاظ على المصالح.

٢٠١٩ .. البرلمان رفض خطط المايعة بتاعتها الخروج من الاتحاد ٣ مرات. استقالت ماي من حزب المحافظين ومن رئاسة الوزراء .. واستلم بوريس جونسون وبالفعل حدد موعد البريكست في ٣١ يناير ٢٠٢٠ .

الانجليز مؤيدى الانفصال بمنتهى السرعة يرون ان وجود بريطانيا في الاتحاد ما هو الا خدمة لمصالح امريكية في اوروبا وان امريكا تستعمل بريطانيا في الاتحاد .. والعرق الانجليزي رافض ويرى الجوازة من الاول كانت غلط .

 

بريطانيا تتصرف منفردة عن اوروبا كلها .. والانفصال يكلفها الكثير جدا .. ولازم تبدأ تبني علاقاتها واسواقها واتفاقياتها واستثماراتها فى كل حتة في العالم ممكن تكسب منها .

 

والاستقبال الذي حصل للسيسي في بريطانيا يقول لك ان مصر قوة اقليمية ودولية لا يستهان بها والعالم كله يتطلع جدا للتعامل مع مصر الجديدة .. لو كانت مصر دولة هفأ وضعيفة وبلا مستقبل ليس لدى الانجليز رفاهية انهم يفكروا في مصر .. مش ينزل يستقبلك في الشارع؟

 

كسر رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون البروتوكول ولم ينتظر حتى يصل الرئيس السيسي إلى بوابة تن داونيج ستريت بل تقدم لاستقبال الضيف المصري فى منتصف الطريق لمصافحته بحفاوة بالغة.

وفى تقديري انها ليست نظرية ترحيب بل لهم مصالح عندنا .. و يتحد القوميون ليخنس الماسون. والعالم الآن تحت راية السلام والمحبة.

 

عاش اللي خلاكى عزيزة يا مصر.

زر الذهاب إلى الأعلى