آراء

شعبان شحاته رئيس القلم الشرعي بالعدوة يكتب: قضية العصر

سيدة في الثلاثين قاعة المحكمة مليئة بجمهور الحاضرين على غير العادة وفي قفص الاتهام الخمسين من عمرها على وجهها قهر الدنيا وبجوارها سيدة في من عمرها هي ابنتها وكل جمهور القاعة ضد السيدتين فإن السيدة قد قتلت ابنها بمشاركة ابنتها أي أن الأم والشقيقة قد قتلتا الولد .

سألها القاضي : لماذا قتلت ابنك؟
ولم ترد .ثم سأل القاضي ابنتها : قتلت شقيقك؟ إذا أجابت أمي فسوف أجيب على السؤال .حاول القاضي أن يكون عنيفاً مع الأم حتى تستنير المحكمة، وتصدر حكما عادلا هذه القضية الغريبة، وفي نفس الوقت فإن المحامي العام يطالب بإعدام هذه السيدة وابنتها .

أنت متهمة بقتل ابنك مع سبق الاصرار والترصد .وسكنت الأم . . وواصل القاضي . إن العقوبة الإعدام . هي ورفضت الاجابة على أي سؤال . . كما رفضت ابنتها أيضاً الإجابة

احتار القاضي. ماذا يفعل في صمت هذه السيدة وابنتها؟ في حجرة المداولة. رفض القاضي رئيس المحكمة أن ، يصدر حكماً مهما كانت عقوبته دون أن يسمع هذه الأم .

وإلا كان هذا إخلالا بالعدالة . قال القاضي لمعاونيه : إنني أشعر أن هذه المرأة إلى حد كبير فاضلة، وأن هناك أسباباً قد دفعتها إلى ارتكاب الجريمة . إذا كانت قد ارتكبت فعلا جريمة .

وعاد إلى أوراق التحقيقات ووجدها معترفة سواء في تحقيقات الشرطة أو النيابة . أنها قتلت ابنها عندما وجدت أنه يستحق الاعدام وحفرت صحن دارها بعد أن مزقتها بالسكين هي وابنتها . ودفنت الجثة وأثناء قراءة رئيس المحكمة لهذه الأوراق وجد أن الشرطة قد توصلت إلى الام وابنتها عندما تحدثت طفلة في العاشرة من عمرها بأن جدتها وأمها قتلنا خالها وأبلغ الناس الشرطة بما سمعوه من الطفلة

وجد رئيس المحكمة أن حل لغز هذه القضية يمكن في استدراج وصرح رئيس المحكمة وأعلن تأجيل القضية واستدعاء الطفلة لكي تدلى الطفلة.

بشهادتها .
حرص رئيس المحكمة أن يستمع للطفلة بعيداً عن قاعة المحكمة بكل ما فيها من رهبة وخوف وضجيج وقفص اتهام بداخله أمها وكانت الجلسة شبه سرية في غرفة المداولة وأمر القاضي حاجب المحكمة أن يأتي بكرسي تجلس عليه وكوب من الشراب البارد ثم بدأ يداعبها فترة غير قصيرة تحدث معها عن المدرسة واستطاع أن يستخرج من جسدها النحيل كل القلق والخوف للطفلة وأن يعيد بصعوبة الابتسامة اليها .

ثم بدأ يسألها عن خالها .
لم أكن أحبه !! لماذا؟ لأنه كان يضرب جدتي . كان يريد مالا . . ولم يكن مع جدتي مال . ماذا كانت تقول له أنت مؤمن كلما تشاجرت معه تقول (۱)له يا مؤمن .مؤمن؟ نعم . . مؤمن . وأحيانا تقول له أن الإيمان سينهيك

الإيمان .نعم وكنت في دهشة. فأنا أعلم من المدرسة أن الإيمان كله عظمة . يا ابنتى الايمان أمر عظيم وجدتك كانت تقول له أنت مدمن. . وأن الادمان سينهيك .

صح … وما معنى الادمان؟ هذه قصة طويلة . وبدأت الطفلة تروي ليلة الجريمة بكلمات بسيطة ورعب شديد . كانت الجدة والابنة والحفيدة في غرفة نوم واحدة عندما دخل الخال وحاول أن يوقظ الطفلة من النوم فاستيقظت الأم والجدة. وذهبت الجدة مسرعة إلى المطبخ وجاءت بسكينة كبيرة غرستها في ظهر الخال، ثم أخرجتها وغرستها

مرة أخرى!!
وبكت الطفلة الصغيرة وهي تروي ما شاهدته لرئيس المحكمة واكتفى القاضي بهذا القدر من الحديث مع الطفلة الصغيرة!!
محكمة !!
ودخل رئيس المحكمة إلى القاعة وبين وقوف كل من في القاعة وجلس القاضي وهيئة المحكمة فجلس الجميع .وأعلن القاضي أن الجلسة سرية لا أحد في القاعة إلا المتهمين، والدفاع فقط .
وخرج الجميع من القاعة . والتفت القاضي إلى الأم .لماذا الصمت؟

ولم ترد .فقال رئيس المحكمة .
أنا أحترم صمتك . . ولكن الآن . . لسنا في حاجة إلى هذا الصمت . . لم يوجد احد بالقاعة والقضية عرفت خطوطها العريضة .ولا أريد منك المزيد . . وكل ما أريده أن تردي على سؤالي بكلمة واحدة نعم أم لا . . وهذا يكفيني .

ـ ابنك . . ألم يكن مدمنا؟
ـ نعم . ـ نعم . ـ نعم . حشيش؟ – لا
ـ هيرويين؟ ألم يرهقك ماليا؟
حاول اغتصاب حفيدتك؟ نعم .
وأثارك هذا . . فجئت بالسكين وقتلته؟ نعم . بهذه الاجابة عادت الألغاز حول القضية إلا أن رئيس المحكمة كان طويل النفس .

وقد تسلطت عليه من البداية فكرة تقول إن السيدة التي هي في قفص الاتهام ليست قاتلة بل فاضلة وظل يحاور حتى عرف منها الحقيقة كل الحقيقة .

مات زوجي وأنا في ريعان شبابي فعشت لابنتي ولايتي وكنت أضع في ابني الأمل والمستقبل وأنه سوف يعينني في كبري وكنت في حاجة إلى عائل للبيت فأقمت منه عائلاً دون مسئوليات العائل في البيت أمره والمشورة مشورته وكل دخلي بلا مبالغة له

كنت أتمناه ضابطاً مهندساً محامياً محاسباً وأقل شيء أن يكون مدرساً كوالده . لأن مهنة التدريس صعبة، وكانت السبب في توقف قلب زوجي وهو صغير وترك لي الطفل والطفلة . وكبر ما كان بالأمس طفلاً وأصبح صبيا فاشلاً تماماً في دراسته وأصبح يدخن بشراهة عندما بلغ من العمر خمسة عشر عاماً وكان يطلب مني ثمن الدخان .. وكنت أعطيه كل ما يطلب فلقد كان حبي بلا حدود وكم من مرة

أحاول أن أساعده في داخله للعلم والتعليم .حاولت أن أعلمه حرفة .. فرفض تماماً أن يتعلم أية حرفة وطويت بداخلي. تزوجت أخته وتركت لنا البيت. وعشت سنوات مع الفشل الذي هو ابني . أحزاني

دخلت عليه كبر الفشل في ابني أو كبر ابني على الفشل، وذات يوم. حجرته الخاصة وجدته بكل جرأة وقسوة . . يعطي لنفسه حقنة هيرويين .

وثرت عليه .. وصرخت .. وبكيت خوفاً عليه فلقد شاهدت في التليفزيون برنامجاً عن نهاية الهيرويين فأحسست أن ابني سوف يموت . اثناء رغبي و أثناء خوفي وأثناء صراخي خرج ابني المدمن وصفعني وحاولت أن أمزقه ولكنه كان الأقوى … والأقسى . وجهي .. نعم صنع امه فانتزع بيده . . وفي لحظة واحدة كل سنوات الحب التي لست أنت ابني. فالذي امامي هو حيوان مفترس، الذي امامي رجل فقد وعيه وعقله وكل قيمه . وعشت حزينة . . فلقد ضاع الأمل الأخير فيه .

ثم حدث تطور جديد خطير يأخذ ما معي من مال بالقوة . وأخذت أفكر كثيرا في أمر ابني الذي أدمن والذي أفقده الادمان عقله هل أبلغ الشرطة عنه؟ هل أنتظر ربما أجد فرصة لأعيده إلى صوابه ماذا أفعل؟ وأثناء هذا التفكير دخل ابني وكنا في الثالثة صباحا، واتجه إلى غرفتي . وكان منظره بشعاً يثير الغثيان ثقيل اللسان أصفر الوجه، اختفت نضارته والحتفى بريق عينيه، قال كلاماً لم أفهمه .

لأول مرة أخاف من ابني .اقترب منى بلا وعي مزق ثيابي حاول الاعتداء علي … أمه، تمكنت من الافلات من يديه وخرجت مذعورة من بيتي.. وجريت في الشوارع حتى وصلت إلى بيت ابنتي … أحمد الله أن أحداً لم يشاهدني بملابسي الممزقة . وطرقت باب ابنتى بشدة ففتح الباب لي زوجها. ماذا حدث؟

واستيقظت ابنتي وبكت عندما شاهدت ملابسي ممزقة وأنا في حالة غاية من السوء والتوتر ورويت لهم رواية كاذبة صدقوها . . قلت إن لصاً جاء ليسرقني ولما اعترضته مزق ثيابي . فردت ابنتي وأخي لم يأت بعد وقاما بتهدئتي وحاولت أن أنام ولكن كيف؟ لن أتمكن من وصف مشاعري في تلك الليلة وما تلتها من ليال طويلة .

في الصباح خرج زوج ابني إلى عمله فرويت لابنتي ما حدث من أخيها – رويت لها بكل صراحة . فطلبت مني الإقامة معها. عشت معها شهراً. ، ثم طلبت منها أن أعود إلى بيتي فربما يكون ابني قد مات من حقنة هيرويين أو هاجر أو انتحر .

آسفه . . لقد كانت هذه كل أمنياتي لابني . وذهبنا إلى البيت . . أنا وابنتي وابنتها . ووجدنا أنه قد باع الكثير من أثاث البيت .
وفي الثالثة صباحاً عاد ابنى . كما عاد في المرة السابقة . . عاد هذه المرة ليحاول الاعتداء الوحشي على الطفلة التي هي حفيدتي .. حاولنا أن تخلصها من يديه. . فلم نتمكن . . فذهبت مسرعة إلى المطبخ وجئت بالسكين وغرست السكين في ظهره، فخرجت من جسده نافورة من دماء أحسست بهستيريا شديدة. ولا أدري كم مرة أخرجت السكين من جسده وطعنته بها حتى مات .

وأحسست أن العار قد مات والفشل قد مات والادمان قد مات ثم جلست بجوار الجثة أبكي من كان ابني .

سيدي القاضي . صدقني أنا القاتلة والقتيل صدقني أنا الجروح والسكين .صدقني لم أندم ولكني متهورة فما كنت أتصور أن تكون النهاية هي : تلك

النهاية جلست أنا وابنتي نفكر في أمر الجثة والفضيحة والحكومة . وكانت حفيدتي طوال الوقت نائمة . . وترتعد خوفاً. . هي لم تكن نائمة

بالمعنى الحقيقي للنوم . ولكنها أغمضت عينيها .
وجاءت لابنتي فكرة .نحن نسكن في الدور الأرضي من البيت ويمكن إخفاء الجثة داخل المنزل . . بعدها تشيع على الناس بأن الابن قد هاجر أو ترك البيت وأقيم لدى ابنتي حتى الموت. وفعلا . . رفعنا البلاط من الأرض.. وحفرنا قبرا له والقينا فيه الجنة واعدنا كل شيء إلى ما كان عليه. ولكن بعد شهر من ارتكابي الجريمة ، جاءت الشرطة . . ووجدت الجثة ، هذه هي روايتي : محكمة .

ودخل رئيس المحكمة . . ووقف الحاضرون وجلست هيئة المحكمة وبدأ القاضي في النطق بالحكم وساد صمت رهيب في القاعة وبدأ يتلو حيثيات الحكم ولهذه الأسباب حكمت المحكمة ببراءة المتهمة وابنتها).

وصدق الشاعر عندما قال في وصف الخمر والمخدر: بنسـاب فـي الأحشاء داء فانكا ويعرض الأعصـاب للصـدمـات

يذر العقول تتيـه فـي أوهـامهـا ويذيقهـا كـأس الشقـاء العـانـي ويميت في روح الشباب طموحه ويـذيــب كـل عـزيمـة وثبـات يعتـال عمر المرء مع أمـوالـه أبصـرت فيهـا صـغـرة الأمـوات فإذا نظرت إلـى وجـوه هـواتـه ويـريـه ألـوانـاً النقـمـات من هـو لـلإرادة والفتـورة قـاتـل هـو مـاحـق لـلأوجـه النضـرات

زر الذهاب إلى الأعلى